في ظل ديبلوماسية ثقافية ضعيفة

أي دور لوكالة الإشعاع الثقافي في الترويج الخارجي؟

أي دور لوكالة الإشعاع الثقافي في الترويج الخارجي؟
  • القراءات: 945
دليلة مالك دليلة مالك

لما تأسست الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي في 2005، وباشرت مهامها في 2008، كانت تقوم بعمل هام لنشر الثقافة الجزائرية حول العالم، إذ تنظم وتشارك في تنظيم فعاليات ثقافية في الخارج، للترويج لأعمال فنانين جزائريين في جميع التخصصات، إلى غاية 2014، بدأت الأمور تتدهور، وحادت عن المهام المخول لها، ودخلت الوكالة في متاهات ولم تعد تشع الثقافة الجزائرية في الخارج، وأضحت مثل باقي المؤسسات الثقافية الوطنية، تكتفي بنشاطات داخل الجزائر فقط، تشبه تلك التي تقوم بها جمعيات ثقافية بسيطة.

عمل الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، إن لم يكن الترويج للثقافة الجزائرية بالشكل الجيد، قد نجد لها عذر البداية وانتقاص الخبرات، رغم ذلك، كانت قد حاولت، فقبل سنوات، شاركت بانتظام في العديد من الأحداث الدولية، على غرار مهرجان كان السينمائي، مهرجان أبو ظبي السينمائي (تم حله)، رسم الخرائط الذاتية في متحف الفن الحديث (نيويورك)، بينالي داكار، يوم الجاز العالمي، مهرجان مونتريال العربي العالمي، مهرجان أنغوليم كوميكس وغيرها. كما كانت الوكالة تستضيف عروضا وحفلات موسيقية، ومعارض في الجزائر العاصمة والمدن الأخرى في جميع أنحاء البلاد. يتخذ هذا الإجراء أيضا، شكل دورات أو أحداث سنوية، تنظمها منذ عام 2012، مثل تظاهرة بانوراما الأفلام المتوسطية الحديثة. وتحقيقا لتلك الغاية، حافظت الوكالة على علاقات التبادل والشراكة مع المؤسسات العامة، والمبدعين في الصناعات الثقافية في جميع أنحاء العالم، ما لبثت أن اندثر كل شيء. بصفتها ممثلا ثقافيا، كانت تعمل الوكالة في المنبع، وتقدم الدعم لإنشاء وإنتاج الأعمال الثقافية المختلفة. يؤدي هذا المكون أيضا دورا نشطا كمنتج مشارك، خاصة في السينما، حيث شاركت في تطوير الإنتاج الوطني. ساهمت، على سبيل المثال، في إنتاج أفلام خارجون عن القانون و”طريق العدو و”الوهراني و”الجزائر من السماء، بالإضافة إلى الترويج لها خلال الأحداث الكبرى، مثل جوائز الأوسكار في لوس أنجلوس، أو مهرجان برلين السينمائي الدولي.

عاشت الوكالة منذ قرابة ست سنوات مراحل عصيبة، أهمها قرار دمجها في 2016 مع مركز الفنون رياض الفتح، لدواعي التقشف، وفي 2018، قرر الوزير الأسبق عز الدين ميهوبي منح الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي مهمة معاينة وتنشيط قاعات السينما، بدل الديوان الوطني للثقافة والإعلام، وهو قرار ناتج عن خلافه مع مدير الديوان السابق لخضر بن تركي. الأمر الذي أثر على المهام الحقيقية للوكالة في رسم صورة الجزائر الثقافية في الخارج. ولما عين عبد القادر بن دعماش في 2019، مديرا للوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، تقلصت الأحداث الثقافية التي هي من اختصاص الوكالة، سواء في الخارج أو تنظيم تظاهرات دولية في الجزائر، واكتفى بمجاله في أغنية الشعبي والشعر الملحون، حيث نظم مهرجان سيدي لخضر بن خلوف في مستغانم، تحت رعاية الوكالة، وقد أطلق قبل أيام أيضا، مسابقة لأحسن عازف موندول، تكريما للكاردينال محمد العنقى، الأمر الذي يثير التساؤل، عن خروج الوكالة عن عملها الحقيقي المنصوص في مرسوم تنفيذي منشور في الجريدة الرسمية. 

غياب الديبلوماسية الثقافية

إلى جانب أفول عمل الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، تغيب الديبلوماسية الثقافية الجزائرية في الخارج، فالسفارات الجزائرية الموجودة في العديد من الدول، لا تملك غير مركز ثقافي جزائري، مقره باريس الفرنسية، وتعمل وزارة الثقافة على إعادة فتح المركز الثقافي الجزائري بموسكو الروسية، ودون ذلك، يغيب التمثيل الثقافي الجزائري في العالم، رغم تخصيص ميزانيات موجهة للنشاط الثقافي لدى السفارات الجزائرية، وأغلبها تذهب لاحتفالات وطنية بسيطة. لما نعلم أن وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية تملك شبكة واسعة النطاق، من الإدارات والمؤسسات الثقافية الفرنسية في الخارج، والتي تنظم خمسين ألف تظاهرة ثقافية في السنة، وهو رقم كبير، وأن الخارجية المغربية مثلا، تلزم سفارتها في الخارج بتنظيم عروض مسرحية أو سينمائية وتحتفي بفنانيها، تجد الديبلوماسية الثقافية الجزائرية أمام حرج كبير.

بالمناسبة، سأروي لكم هذه الحادثة، في 2018، بالمدينة السويدية مالمو، حيث دعيت لتغطية مهرجان مالمو للفيلم العربي، التقيت صدفة، ببهو الفندق، لدى وصولي، سفير الجزائر في ستوكهولم، سرعان ما تعرفت إليه، وتعرف علي، طلبت منه أن نجري حوارا عن الجالية هناك، وعن النشاط الثقافي المقام، لكنه رفض وقال ليس هناك ما أرويه لك، ثم لم ألتق به خلال مدة المهرجان، كان الأمر عاديا، إلى أن عرفت أن السفير المصري بالبلاد نفسها، قام بدعوة الوفد المصري، كما حضر عروضا مصرية، والأمر الذي أثار دهشتي، أن الوفد الجزائري لم يتجاوز عدده أصابع اليد الواحدة، غير أنه لم يسأل ولم يحضر الفيلم الجزائري الوحيد المشارك. هذه القصة لا تعكس شيئا، بقدر ما تعكس تقاعس الديبلوماسية الثقافية الجزائرية، التي من دورها، التعريف بالثقافة الجزائرية، وفتح أفاق تعاون بين البلدان، لاسيما في المجال السياحي والفني والثقافي.