طباعة هذه الصفحة

الأديب سعيد بوطاجين

أنا حرّ حتى من نفسي، وعلى الكاتب التواضع

أنا حرّ حتى من نفسي، وعلى الكاتب التواضع
الأديب سعيد بوطاجين
  • القراءات: 608
❊ لطيفة داريب ❊ لطيفة داريب

قال الأديب سعيد بوطاجين إنّ الكتابة ليست فعلا إلهيا، "فليتواضع الكُّتاب"، مضيفا أنه تخلى عن كلّ قيوده بما فيها نفسه، فأصبح حرّا طليقا، لينتقل إلى شخصيات أعماله، التي قال إنّها موجودة في حياته. وبالمقابل أكّد عدم قراءته أعماله بعد طبعها؛ خوفا من عدم اتفاقه مع ما يكتبه أو الكشف عن سقطات، كما اعتبر نفسه مناصرا للاختصار السردي.

نزل الأديب سعيد بوطاجين ضيفا على نشاط "كاتب في مرآة" المنظّم في إطار الصالون الدولي للكتاب، فقال إنّه لا ينتمي إلى أيّ حزب أو جمعية أو تيار، بل هو مع الجميع وفي نفس الوقت ضد الجميع أيضا، حتى إنّه ضد نفسه، فهو يقف ضدّ شكله وكتاباته، ويسخر مما يقوم به، باعتبار أنّه شخص ظرفي.

أما عن نصوصه فقال إنّها لا تستقر على فكرة معيّنة، كما أنّه لا يمتلك متكأ للوصول إلى غاية محدّدة، بل هو حرّ بالمعنى الحقيقي للحرية، مؤكّدا تخليه عن كل القيود والمسؤوليات بما فيها الضغوط الأسرية. وأبعد ذلك، فقد تخلى عن نفسه، وتحوّل إلى ضدّه.

وكشف صاحب رواية "أعوذ بالله"، عدم قراءته أعماله بعد صدورها، مخافة اكتشاف أمور غير محبَّبة تضعه في خانة عدم الاتّفاق مع ما كتبه، وخشية إيجاد سقطة ترعبه وتؤرقه، لينتقل إلى اهتمامه بالاختصار السردي، قائلا إنه لا يحب إزعاج القارئ، ولهذا يختار اللفظة التي تحمل وظيفة محددة، والوصف الذي له معنى معيّن، ممثلا بجملة "يسقط على الأرض" التي يكتبها "يسقط" من دون ذكر الأرض؛ باعتبار أنّ الشخص حينما يسقط، سيكون ذلك على الأرض.

وفي هذا السياق، اعتبر بوطاجين أنّ كتابة هذه المعاني المضاعفة لا يتأتى إلا في حال التميّز، مثلا جملة "ذبح البقرة بالمنشار"؛ لأنه في العادة لا تُذبح البقرة بالمنشار، وما عدا ذلك نكتب "ذبح البقرة" وكفى من دون ذكر السكين. كما لا نكتب "القميص الأصفر" مثلا إلا إذا كان للون الأصفر وظيفة في العمل الروائي.

وأكّد بوطاجين أنّ الكتابة ليست فعلا إلهيا، فالكاتب لا يمكنه صنع العسل مثلا، بل هو مجرد كائن ضعيف، لهذا عليه بالتواضع، لينتقل إلى شخوص أعماله، التي قال إنّها نابعة من حياته، أي أنّه يخلق رؤيته من محيطه العائلي والمهني، محاولا في ذلك إعطاء البعد الإنساني لكتاباته. كما أشار إلى اشتغاله الكبير على اللغة، والذي مرده قراءاته الكثيرة للشعر سواء العربي أو العالمي، مما أفاده لغويا وتصويريا، والذي برز في التناصات الكثيرة لنصوصه واعتماده على الأشعار.

من جهته، قدّم الدكتور أحمد خياط صورة عن أدب سعيد بوطاجين، فقال إنّه ينقسم إلى ثلاث مراحل، والبداية من سنة 1977 بكتابة بوطاجين نصه القصصي الأوّل الذي نشره بمجلة "الوحدة"، وأبرز فيه فظاظة العالم وتعاسة الحياة، وكذا اتّساع المدينة لكلّ الخراب.

أما عن شخصياته فقال خياط إنّها مشاكسة، وتفضح انهيار العالم في كلّ المستويات، هذا العالم الذي بلغ مرحلة كبيرة من الهشاشة، كما أنّ هذه الشخصيات بوهيمية، مصرّة على الحياة رغم اختفاء أدنى شروط العيش، لتخلق بذلك توترا ذهنيا وسلوكيا وتشنجا لا حدّ له، إلى أن تغدو مثل الزجاج، نطل من خلالها على العالم. وأضاف خياط الذي يُعتبر أحد شخصيات أعمال بوطاجين، أنّ معظم قصصه تدور حول شخصية وحيدة، مهيكلة بشكل فكري ممتاز لفضح العالم، فشخصية أحمد الكافر وشخصية عبد الله اليتيم تتملص من الخطاب السلطوي، الذي يمكن أن يكون متعلقا بالسياسة أو حتى بالعقائد والموروث.

وتطرق خياط للمرحلة الثانية من المسيرة الأدبية لبوطاجين، التي تلمح بوجود بوادر التحول من خلال الكتابة على شخصيات تدربت على كل شيء في المرحلة الأولى لأدب بوطاجين، ولم تتغير اللهم إلا بتسلحها بصمود كبير، في حين عرفت المرحلة الثالثة للمسيرة الأدبية للمترجم والروائي المتميز، بالتغيرات الحاصلة في المدينة، التي لا تقبل بالمعاقين والمنبوذين، ولكنها لا تستطيع الاستمرار بدونهم، وفق إيديولوجية مفلسة.

وتحدّث خياط عن بعض صفات المرحلة الثالثة، فقال إنّ السخرية بدأت تفقد مكانتها في عالم ازداد انهياره إلى درجة لا تفيد مشاكسته، فأصبح المواطن لا يملك ما يواجه به، مضيفا أن بوطاجين تخلى عن النظرية النقدية، حيث إنه لا يقدّم تصورا نقديا للمجتمع، لأنّه فاسد ولم يبق هناك مجال للتدخل، ومن ثم لإصلاحه.