قصور إمدوكال العتيقة بباتنة

أمل في عودة الحيوية

أمل في عودة الحيوية
قصور إمدوكال العتيقة بباتنة
  • القراءات: 987

يعلّق سكان مدينة إمدوكال الواقعة جنوب غرب باتنة على بعد حوالي 130 كلم، آمالا كبيرة على إدراج القصور العتيقة ضمن القطاع المحفوظ وفق المرسوم التنفيذي 323 /03 المؤرخ في 5 أكتوبر 2003 من أجل عودة الحيوية للمكان وتحويله إلى وجهة سياحية، فالملف تم إيداعه منذ أكتوبر 2018 لدى وزارة الثقافة للدراسة وإبداء الرأي من طرف اللجنة الوطنية للممتلكات الثقافية، حسبما أكده لـ(وأج) مدير الثقافة عمر كبوري، موضحا أن ما شجع على هذه المبادرة هو الحياة التي ما زالت تدب بالقصور من خلال سكانها وإن كانوا قلة، وتمسكهم بممارسة بعض الأنشطة الفلاحية الصغيرة وزراعة النخيل، إلى جانب بقاء بناياتها الطوبية كاملة واحتفاظها بطابعها العمراني الأصيل.

تعد هذه الخطوة ـ حسب السيد كبوري المختص والباحث أيضا في علم الآثار ـ جد هامة لحماية الموقع وتحسيس قاطنيه بطرق الإبقاء على نمط العمارة داخل القصور من خلال استخدام المواد الطبيعية وخاصة الطين في ترميم أو إصلاح بعض ما أفسده الزمن في عدد من المباني.

ولأنّ قصور إمدوكال العتيقة التي تعتبر تحفة معمارية لا يكتمل رونقها وصورتها الجمالية في أعين الزوار إلا بالحرف اليدوية التي كانت تزخر بها، فقد تم الاتفاق وفق الأخصائي مع السلطات المحلية لإحياء نماذج من الصناعات التقليدية المعروفة لدى سكان الجهة داخل القصور، بالإضافة إلى بعض المرافق على أن يتكفل بالمقابل القطاع بالمرافقة من الناحية التقنية للتدخل قصد الترميم وفق السبل الصحيحة.

وسيتم تبعا لذلك ـ يضيف مدير الثقافة ـ تشجيع الجمعيات المحلية المهتمة بالتراث والثقافة والسياحة على إعادة بعث بعض الأنشطة التي كانت تقام بالمدينة ومنها مهرجان الفروسية الذي كان يستقطب الزوار من عديد ولايات الوطن.

ورشة تطبيقية في تقنيات البناء بالطين

وتحسبا لإدراج القصور العتيقة ضمن التراث الوطني المحفوظ، ارتأت مديرية الثقافة بالتنسيق مع جمعية تغانيمت للثقافة والفنون، تنظيم ورشة تطبيقية لتقنيات البناء بالطين بإمدوكال بداية شهر التراث الحالي، كخطوة أولى لتحسيس السكان بالطريقة التي شيد بها هذا المعلم التاريخي والأثري والسياحي وتمكين المهتمين من الإلمام بالأسرار التقنية التي بفضلها قاومت بنايات قصور إمدوكال العوامل الطبيعية لقرون عديدة.

وترى المهندسة المعمارية ورئيسة مكتب تثمين التراث بالمديرية أسماء غنامي أن المحافظة على القصور العتيقة يبدأ من الاهتمام بالنمط المعماري وطريقة البناء الذي كان مقتصرا على مكونات ومواد طبيعية محلية، لذا جاءت هذه الورشة التي أطرها مختصون في الميدان وهم رشيد جبنون وعمر داليي من جامعة "محمد خيضر" ببسكرة وكذا لينا شاوي من جامعة البليدة.

فمادة الطين تعدّ العنصر الأساس في القصور العتيقة، وهي التي أضفت مسحة جمالية على المباني المتناسقة التي أضفت عليها الهندسة المحلية طابعا مميزا، لذا كان من الضروري ـ حسب الأخصائيين ـ إعادة إحياء البناء بهذه الوسيلة الإيكولوجية والمستدامة للإبقاء على المعلم أو القرية القديمة لإمدوكال التي حافظت على جلّ بناياتها، بل وبقى بعضها يؤدي وظيفته إلى حد الآن مثل المسجد الذي ما تزال  الصلاة تقام فيه.

وفي الواقع، بدأ الاهتمام منذ سنوات بقصور إمدوكال التي تعرضت لفيضان كبير سنة 1969 وتعالت أصوات جمعيات محلية من أجل حماية هذا التراث المادي، حيث تم خلال سنة 2013 إنجاز دراسة خاصة بإعادة تهيئة النواة التقليدية لقرية إمدوكال العتيقة من طرف المهندس المعماري إبراهيم عريوات الذي أكد حينها أن إعادة تأهيل القصور العتيقة وحفظها يتطلب تمويلا بحوالي 630 مليون د.ج.

وتم في أبريل من سنة 2015 تنظيم أيام دراسية بالمدينة تحت شعار "إمدوكال  تراث وطني" من طرف جمعية أصدقاء مدغاسن بالتنسيق مع جمعية الثقافة والتراث التاريخي بحضور لجنة من وزارة الثقافة للوقوف على معالم ومؤهلات هذا الموقع تحضيرا لمشروع حمايته، تضمنت ورشة تطبيقية حول العمارة الطينية بإشراف  مختصين لفائدة شباب المنطقة، كما وقفت عليه "وأج" وقتها بعين المكان.

قصور إمدوكال تاريخ وعراقة

وتعزى أهمية قصور إمدوكال العتيقة التي يعود تاريخ إنشائها إلى القرن الثالث الميلادي إلى عراقة تاريخها حيث كانت حسب مراجع مختلفة، ملتقى لعديد الحضارات الإنسانية كما أوضح بعض المؤرخين أنها ذات أصول نوميدية.

وأطلق على المدينة إمدوكال أو إإمدوكال وهي تسمية أمازيغية معناها الأصدقاء أو  الأحباب، فيما سماها الرومان بـ«أكوا فيفا" ومعناها "الماء الحي" لكثرة ينابيعها المتدفقة ومائها العذب وفق ذات المصادر التي أشارت إلى أن إإمدوكال التي تكون أصلها في القصور العتيقة تعد مع طبنة ببريكة (باتنة) وتهودة ببسكرة من أقدم مدن الجهة وكانت تربطهم علاقة تجارية وطيدة.

وقد ورد ذكر إإمدوكال في عديد الكتب والمصادر منها "نزهة الأنظار في فضل علم  التاريخ والأخيار للعلامة والرحالة الحسين بن محمد الورتيلاني الذي ولد سنة  1125 هجري وتوفي سنة 1193 هجري، كما عرفت المدينة بعلمائها منهم الشيخ الصالح بن محمد الزواوي الحسني المغربي المولود في إمدوكال المتوفى سنة 839 هجرية والشيخ عبد القادر بن بليوز الإمدوكالي الذي توفي بدمشق سنة 1936 وأيضا المجاهد والأديب والطبيب أحمد عروة.

وتشتهر إمدوكال الواقعة داخل واحة خضراء تشقها ينابيع جارية بزواياها ومساجدها لاسيما جامع سيدي الحاج الذي كان يشكل مكان تجمع وانطلاق الحجاج إلى بيت الله الحرام، إلى جانب أبوابها الخمسة التي ما زالت بادية للعيان وهي باب النادر وباب الصور وباب الحمراية وباب الرحبة وباب العقدة.

أما المتجول بداخلها، فيكتشف أزقتها الضيقة المتناسقة وممراتها المغطاة والتي تعرف بـ«السقيفة"، ويلمس في مبانيها التي يمتد بعضها على طابقين الطراز المعماري الإسلامي العريق الذي يزيد من جمال المدينة التي تضم أيضا آثارا رومانية.

فقصور إإمدوكال التي لم تفقد معالمها وظلت تقاوم الزمن والنسيان واحتفظت بين بناياتها الطوبية بأسرار مجدها وبكل ما تزخر به من مخزون ثقافي وتراثي جديرة حسب الأخصائيين بأن تحفظ ويعاد اكتشافها مرة أخرى وتتحول إلى وجهة سياحية بامتياز لأنها جزء ناصع من ذاكرة أمة.