معرض عمر رقان برواق "محمد راسم"

ألوان الحياة وعتمة التجارب وانتصار حرية الإبداع

ألوان الحياة وعتمة التجارب وانتصار حرية الإبداع
  • 758
مريم . ن مريم . ن

جال الفنان التشكيلي والشاعر عمر رقان مؤخرا، رفقة "المساء"، بمعرضه "انطباعات عابرة"، الذي نظمه برواق "محمد راسم" في العاصمة، متوقفا عند المعاني والأفكار الفلسفية التي كللت تجربة سنين عاشها الفنان بكل حلوها ومرها، تلامس الوجدان وتحلل معطيات الحياة، التي تتلون مثلها مثل اللوحة تماما،موضحا أن اللوحة التي لا فلسفة فيها، ولا حس ولا معنى، مصيرها الركن على الرف.

يحوي المعرض 85 لوحة متعددة التقنيات والألوان، تستعرض الإبداع بكل تجلياته، وخلال حديثه لـ"المساء"، قال الفنان عمر، إن مسيرته كفنان تشكيلي بدأت في ديار الغربة في فترة التسعينيات، حينها غادر الجزائر مجبرا، ويضيف "حملت جرحي وكتمت غيظي ورحلت في صمت، ليشتد علي بعدها وطأ الغربة، لتبدأ ريشتي تداعب ذكرياتي وتنضم لأشعاري".

أكد عمر رقان أنه فنان عصامي بامتياز، علما أنه استغل عدة فرص حين إقامته بأوروبا، ليدخل عدة ورشات تكوين، ومما زاد في ثراء تجربته، أنه كان عابر حدود، ليستقر بعدها بألمانيا، رغم أنه أشار إلى بعض الفترات في مسيرته، التي اعتبرها عبثا.

قال محدث "المساء"، إن شعور الإحباط الذي عانى منه، أدى به إلى التفلسف والإبداع والتأمل في مفارقات الحياة، لكنه رجع وقال، إنه حتى في أعماق الكآبة التي تسكنه، عاش لحظات سعادة ومتعة. عندما سألته "المساء" عن العتمة في لوحاته، رد عمر رقان بأنه حاول أن يؤكد أن وراء كل عتمة وظلام بصيص نور وأمل، فرغم الآهات المدفونة فيه، استطاع أن يحولها للوحات وقصائد عصماء.  في هذا المضمون، يقول الفنان بأن التناقض يبرز في الفترات الصعبة، منها فترة العشرية السوداء، وما كان فيها من إرهاب، تركت فيه جرحا غائرا، لكن ما أسعده حقا، رجوعه إلى أرض الوطن، ليجد الأحوال تبدلت ويجد الاستقرار من جديد، وعودة بعض النشاطات الثقافية، منها الفن التشكيلي مثلا، رغم بعض الملاحظات التي أبداها. تحدث عمر رقان أيضا، عن بعض تجاربه، منها حياته في أوروبا، التي تعلم فيها الكثير، حاثا على ضرورة الاحتكاك بالغير ورمي الأحكام المسبقة، التي قد تعيق من اكتشاف تجارب وخبرات الآخر، كما استحضر ذكرياته مع الراحل الطاهر وطار، الذي كان يقول له "سأطبع همك".

يضع هذا الفنان الحكيم لوحاته في إطار الفن الساذج والعفوي، ويثمن أيضا المدرسة الواقعية الكلاسيكية، أصل الفن التشكيلي، ويدعو إلى ضرورة التكوين والبحث الذي أصبح مرتبطا أكثر بالفنانين العصاميين. كما يصف رسمه برسم الطفل الكبير، ويتأمل في الأزرق الذي طغى في بعض لوحاته قائلا؛ "هذا اللون هو من فرض نفسه، ربما لأن له انعكاس في الوجدان، كما أنه سهل المنال، وهو من الألوان الأساسية في عالم الرسم". من اللوحات التي قدم مضامينها لـ"المساء"، نجد لوحة الهارب في عجلة، مغادرا اتجاه البحر إلى وجهة مجهولة، ولوحة مجاورة عن الجزائر قبالة مروجها الخضراء الفاتنة، و"الحايك" الذي قال الفنان بأنه ليس بالضرورة ربطه بالقصبة وحدها، فهو في أية مدينة جزائرية عريقة، كما دعى بالمناسبة الفنانين إلى ضرورة تثمين الطبيعة الجزائرية، التي لم تستغل فنيا كما يجب، خاصة بالنسبة للأماكن المجهولة والخفية، ثم استعرض أيضا رسمه بالظل الصيني، الذي استغله في الخلفيات. أشار الفنان، إلى أنه يعمل بمفرده في ورشته، ويحاول أن يبدع، مبتعدا عن أي تقليد أو إعادة أعمال غيره، علما أنه حاول ذات مرة تقليد بعض الكلاسيكيات، فوجد نفسه كالغراب الذي لم يفلح، بل ونسي أيضا مشيته يضحك ويقول، إنه استغنى عن هذه التجربة الفاشلة. أشار الفنان إلى أنه ابتعد لـ5 سنوات عن الساحة، لكنه كان يزور المعارض ويلتقي الفنانين، ليلتقي مجددا الجمهور برواق "راسم". للتذكير، فإن الفنان من مواليد عام 1966 في منطقة الأخضرية بالبويرة، عشق الفن منذ صغره، ويتعاطى الشعر أيضا، ويأمل في أن يشارك مجددا في أمسيات شعرية. عشق الفنان الرسم، وكان يشتري وسائل عمله من قوت يومه، وأحيانا يقتني ألواحا خشبية بسيطة، ليرسم عليها ويبدأ من العدم، ظل حرا في أفكاره ورؤاه التي تعد أهم رسالة في كل إبداعاته.