السينما تخلّد الذاكرة

أقار يوثق من "الرسالة إلى الأمير"

أقار يوثق من "الرسالة إلى الأمير"
  • 388
سميرة عوام  سميرة عوام 

ضمن فعاليات مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، احتضن فندق "الشيراطون" ندوة "السينما التاريخية، من "الرسالة إلى الأمير عبد القادر" للمخرج الجزائري سليم أقار؛ حيث تحوّل النقاش إلى مرآة ثقافية عاكسة لحاجة السينما الجزائرية إلى إعادة سرد تاريخها برؤية عالمية. وفي قاعة اختلط فيها الحنين بالفخر، اجتمع عشاق الفن السابع، وصنّاع الصورة، وحماة الذاكرة الجماعية، في لحظة استثنائية أكدت مجددا أن السينما ليست مجرد ترفيه، بل أداة توثيق، وسلاح ثقافي يعبر الزمان والمكان.

في مداخلته، شدّد سليم أقار على أهمية إخراج فيلم عن شخصية الأمير عبد القادر لا يقلّ قيمة عن فيلم "الرسالة" لمصطفى العقاد، أو "معركة الجزائر" للإيطالي جيلو بونتيكوفرو. وأكّد قائلاً: "نشتغل على ضمان فعالية وجود العمل السينمائي. ويجب أن يكون فيلم الأمير ذا جودة عالية، يحمل نفس السياق، أو أكثر… الأهم أن يصل إلى العالمية، وأن يشاهده الجميع" . وأضاف أنّ الأمير عبد القادر كرمز للهوية الوطنية والنضال، يحتاج إلى نظرة سينمائية عالمية، تليق بمكانته، وتاريخ مقاومته. وتابع: "نحن لا نصنع فيلما فقط، بل نعيد تقديم تاريخنا للعالم. نعيد رسم صورة الجزائر من خلال العدسة ".

وشهدت الندوة لحظة مؤثّرة حين عبّر أقار عن سعادته الكبيرة بحضور المخرج القدير أحمد راشدي، أحد روّاد السينما الجزائرية، قائلاً: "سعيد جدًا بوجوده اليوم.. وكتابي عن فيلم الرسالة أهديه له بكلّ فخر"، كانت الجملة أكثر من مجرّد إهداء، بل بمثابة تحية رمزية إلى جيل زرع بذور السينما التاريخية في الجزائر.

ولم تكن الندوة مجرّد نقاش، بل تحوّلت إلى جلسة فكرية تفاعلية جمعت بين جيلين من المخرجين، وفتحت الباب أمام أسئلة كبرى: "ما الذي يمنع الجزائر من إنتاج سينما تاريخية على مستوى عالمي؟"، و "هل نحن بحاجة إلى دعم مالي فقط، أم إلى رؤية ثقافية جديدة؟"، و "كيف ننتج أفلاما تجعل الأجيال القادمة تعيش التاريخ لا تحفظه فقط؟"، الأسئلة لم تكن تقنية، بل كانت فلسفية تحمل قلقا جماعيا حول صورة الجزائر في مرايا العالم.

الحديث عن السينما التاريخية لا يمكن أن ينفصل عن الدور الذي تلعبه في صناعة الوعي الجماعي، وتثبيت الهوية، وبناء الجسور بين الأجيال. 

وقد أكّد الحضور على أنّ السينما قادرة على تجديد الذاكرة بدل أن تستهلكها، شرط أن يكون هناك إيمان حقيقي بقيمتها، وإرادة لصياغة رؤية جمالية وفكرية، تناسب حجم الرمز، وتطلّعات الجمهور.

الندوة كانت بمثابة رسالة واضحة؛ الجزائر قادرة على كتابة تاريخها بعدسة تُشاهد في كل العالم، شرط أن تمتلك الجرأة، والرؤية والاحتراف. 

ومن "الرسالة" إلى "الأمير عبد القادر" تبدو المسافة طويلة، لكنّها ممكنة حين يتحوّل المشروع السينمائي إلى قناعة وطنية وإبداعية. 

المخرج السينمائي سليم أقار لا يروي فقط حكاية الأمير، بل يدعو إلى حوار سينمائي مع الذاكرة الوطنية. 

فيلم "الأمير" القادم، إن تحقّق، سيكون أكثر من مجرد عمل سينمائي.. سيكون بيانا فنيا وسياسيا وثقافيا، موجّها إلى العالم باسم الجزائر من أرض عنابة؛ حيث اجتمع التاريخ بالصورة، والرمز بالفن، والرسالة بأميرها.