دوني مارتيناز ضيف "دار عبد اللطيف"

أعمال فنية تؤكد مسيرة ثرية وطويلة لفنان مخضرم

أعمال فنية تؤكد مسيرة ثرية وطويلة لفنان مخضرم
  • القراءات: 499
لطيفة داريب لطيفة داريب

لا يوجد أحسن من الفنان للحديث عن فنه وشرح ما يريد إيصاله من رسائل، وهذا لا يعني أنه كاشف أعماقه للملأ؛ لأنّ أغلب أعماله تحمل معانيَ ورموزا لا يريد أن يعطيها تفسيرا، تاركا هذه المهمة للمتلقي. وهي حال الفنان المخضرم دوني مارتيناز، الذي رغب في عرض بعض أعماله التي أنجزها عن بلده الجزائر في حقب مختلفة، بـ"دار عبد اللطيف"؛ في تظاهرة تستمر إلى غاية 31 ماي الجاري. 

ليس من اليسير تلخيص حياة فنان في معرض واحد، خاصة حينما تتّسم بالثراء والتنوع، ولكن لا تدخل في خانة المستحيل، خاصة إذا كان الأمر يخص فنانا من طينة دوني مارتيناز، وليد وهران، ورافع راية بلده الجزائر عاليا؛ أليس هو من مؤسسي حركة "أوشام" العريقة؟.

"أعمال الحياة" هو عنوان معرض مارتيناز، الذي يعرض فيه "أعماله"، التي وإن اختلفت في أساليبها ومواضيعها، فإنها تلتقي في باب "الأوشام"، وفي شاعرية تتدفق من اللوحات ومن الكتابات وحتى من الصور.

يأخذنا مارتيناز بنفسه لزيارة معرضه حتى وإن لم يكن موجودا؛ فكتاباته التي ملأت جدران "دار عبد اللطيف" تحكي الكثير عن هذا الفنان، الذي طالما رسم الجزائر وأدباءها، وشعراءها، وصحفييها، لتكون خير دليل لزائر المعرض، كيف لا وهي تفيض شاعرية، كاشفة لنا بعض ما يدور في مخيّلة وقلب صاحبها....دوني.

نثر دوني أعماله في خمسة أجنحة، لكل منها أعطى عنوانا، وحدّد فترة رسمه لها. والبداية بجناح " تعويذات الأصول"، عرض فيها بعض أعماله التي أنجزها في ستينيات القرن الماضي، نجد منحوتة "مشومي" التي نحتها عام 1966، تظهر منحوتة ملتصقة في لوحة، وترتدي معطفا. أما رأسها فمفزع حقا، غير بعيد عنها.

منحوتة "لماذا؟" عن امرأة تغزوها الأوشام من كل ناحية. ومنحوتة ثالثة ورابعة على نفس شاكلة رفيقتيها "440 فولط"، و"المرآة الصغيرة".

أما محطة "آخذ، أعطي، أرسل، أتلقى"، فعرض فيها جمعا من المنحوتات، تمتزج بلوحات في قالب فني مميز وغزير بالأوشام، ليدخل باب الفن التركيبي، ويؤكد دوني حاجته في تقاسم المسرة قبل الحزن، وكذا حبّه للتضامن والمساندة والاحتكاك بالآخر؛ لأنّ البشر كلهم سواسية، ولا فرق بينهم إلا بما يحمل قلبهم من إيمان.. وهكذا؛ فحيثما توجد لوحة أو منحوتة لدوني، توجد الحياة؛ فهو سفير لها؛ سواء بمنحوتة أو حتى بكتابة على جدار، لتتقاطر ريشته فنا، ومنحوتته فنا، وحتى كتاباته فنا؛ فالشاعرية تفيض في الأجنحة الخمسة للمعرض.

الجناح الثالث بعنوان "غير المكتمل"، عرض فيه مارتيناز أعمالا صنعها في سنوات التسعينات، ترمز، بالفعل، إلى سنوات العشرية السوداء، وقد فقدت ألوانها، وتشكّلت من لوحات غمرتها، هذه المرة، كتابات تعبّر عن أسى دوني لما يحدث لبلده، وهو بعيد عنه؛ فقد غادر الجزائر عام 1990 ولم يعد إليها إلاّ عام 2000. وهكذا رسم دوني منفاه، وحث على ضرورة المقاومة؛ فالجزائر لا تسقطُ، ولن تسقطَ أبدا. ولم يفته رسم أوشامه، التي تُعد بصمته الفنية.

ورسم وجوها مفزعة، وأخرى تتساءل عن مصيرها. وفي آخر الجناح لوحتان كبيرتان عادت إليهما الألوان، وتوسّطهما شكل منحوتة يخرج من فهما سهم، قد يشير إلى اتّجاه لا نعرف مساره.

وقد نعتقد أن معرض دوني يضمّ ثلاثة أجنحة، لكن كتابته ورموزه تخبرنا بعكس ذلك؛ فهي تدلّنا على زيارة جناحين آخرين؛ الأول زيّنه الفنان بلوحات كبيرة الحجم، رسمها بعد عودته إلى الجزائر؛ أي في سنوات الألفية، غمرها بألوان زاهية، ورسم في وسطها أشكالا؛ وكأنها خرجت لتوّها من كرنفال؛ مثل لوحات "شنغار ماما"، و"كرنبالي شيشيبالي"، و"آيرد أمقران".

أما الجناح الخامس الذي عنونه بـ"التواطؤ الكبير"، فكشف فيه الفنان عن علاقته الوطيدة بالأدب والشعر والمسرح، وأرفق أسفل كلّ رسمة بكتابات؛ دليل تعاونه المتعدد مع أسماء جزائرية لامعة في شتى مجالات الفن والفكر.

كما ارتأى دوني المساهمة في تخليد هذه الأسماء من خلال عرض بعض أفكارهم وكتابتهم؛ مثل طاهر جاوت، وعبد الرحمن جلفاوي، وجمال سبتي، وسي موح، ومولود معمري.