كريم سرقوة يعرض بأرتيسيمو
أعمال فنية بهوية جزائرية... وتتغنى بتنوعها الثقافي

- 953

كعادته، عبر الفنان كريم سرقوة عن تراث بلده وهوية شعبه، في معرضه المقام بمدرسة "أرتيسيمو"، إلى غاية 22 جويلية الجاري، بعنوان "إعادة نظر"، معتمدا في ذلك على دعامات مختلفة. فككل فنان، يسعى سرقوة إلى التعبير عن عالمه الذي صنعه من مخيلته وتكوينه، وحتى من أحلامه، فيكشف عن جزء منه في كل معرض ينظمه، مثلما يفعل حاليا.
هيئات هنا وهناك، ورموز تملأ فضاءات "أرتيسيمو"، حتى مطبخ المدرسة لم يسلم منها، وكأن سرقوة سكن المكان، بل فعل ذلك مستعملا دعامات مختلفة، أغلبها لوحات بأحجام متنوعة، تصيح كلها بهوية الجزائريين وتنوع تراثهم وثقافتهم الواسعة. ولم يكتف بالتأكيد على هذا التنوع في هذه القارة، التي اسمها الجزائر، فجلب شهود عيان يؤكدون هذا الأمر، وفي هذا رسم لوحات أعطى لها عنوانا واحدا "شهود"، من بينها لوحة "شهود 4"، ملأها بالرموز والشخصيات الغريبة في خلفية زرقاء فاتحة، وكأنها استقلت من حدودها التي رسمها لها في لوحة "شهود 2"، فخالطت بعضها البعض.
كما أخفى سرقوة الألوان في بعض لوحاته، مثل لوحة "شهادة 2"، التي رسم فيها مربعات تطل من كل مربع، هيئة بأعين حارقة وكأنها قادمة من الفضاء. ونفس الأمر حصل مع لوحة "الجزائر 2"، الذي رسم فيها عالما مليئا بالأشكال الصغيرة المتداخلة فيما بينها، تمثل التنوع الجزائري. أما لوحة "حضور 2" فرسم فيها أشخاصا يحملون أسهما وأشكالا هلالية، ليؤكدوا بذلك حضورهم وقوتهم.
بالمقابل، لم ينس الفنان كل من تأثر بهم في محيطه العائلي والفني، فكان لهم نصيب أيضا من معرضه هذا الذي يقدم فيه لوحات ومنحوتات من مختلف الأحجام والتقنيات والألوان. وفي هذا يعرض لوحة "كريم وصحابو"، التي رسم فيها هيئات تظهر على شكل رجال يقفون في وسط مليء بالنباتات والحيوانات، حتى أنه رسم كلابا تسبح بالقرب منها أسماك... هو عالم كريم سرقوة، خارق فعلا، وقد يكون كذلك، لأن صداقاته خارقة أيضا، في زمن كثرت فيه المصالح الضيقة. أما لوحة "خاوتي"، فقد أضفى عليها اللون الذهبي، لأن الأخوة فعلا من ذهب. علاوة على لوحة كرم فيها سليمان ولد محند.
وعن التنوع في الجزائر، رسم سرقوة لوحة "نحن"، وضع فيها أشكالا متعددة يظهر بعضها أنها من الإنس، وأخرى في صنف الحيوانات، كلها تعيش في تناغم كبير، رغم أن لكل واحد منها مكانه المحدد في هذه الحياة. بينما غمر اللون البرتقالي في لوحة "تمتمات ملونة 3"، التي رسم فيها هيئات وكأنها خارجة توها من حريق أو هاربة منه. فهل رسمها لأنه "أحمر الشعر"؟.
وحبا للتراث الشعبي، رسم كريم سرقوة لوحة "حيزية 2"، التي طغى عليها اللون الأزرق ويتوسطها وجه امرأة، لكنه لم يكتف بها، بل رسم ثلاث لوحات متسلسلة، وضعهن على الأرض، وفي وسطهن رسم هيئة امرأة مغمضة العينين، قد يكون ذلك رمزا لحزن حيزية ولهفتها لمعشوقها.
عودة إلى الرموز التي تفوح بالذكريات، وهذه المرة مع لوحة "كفاح من أجل الحياة"، رسم فيها رموز هويتنا تعلو إلى السماء، مؤكدة رقيها وعراقتها. أيضا لوحة "ألوان هوية 3"، التي قسمها إلى أربعة أقسام، كل منها بأشكال وألوان مختلفة، وهو ما يدخل في طبيعة عمل الفنان الذي يؤمن بشدة بأن الجزائر قارة عنوانها "التنوع"، بدون أن ينسى بعدها الإفريقي، من خلال وضعه في صدارة أكثر من عمل "الطوطم الإفريقي".
استعمل سرقوة الألوان المزهرة والأخرى التي لها علاقة بلون الأرض، وكذا بلون الدم، وكأنه أراد أن يربط الإنسان بأرضه، وكذا ببيئته، وفق علاقة توازن وتكافل، وليس علاقة قوة وسلطة.
في إطار آخر، يعرض كريم سرقوة أيضا أعمالا في الفن التركيبي، من بينها عمل بعنوان "بورتري ذاتي"، وضع فيه خمس لوحات صغيرة، كل منها رسم فيها "بوتري" مظلما، غير واضحة معالمه، تنزل منه حبال مزينة بأشكال طريفة. عمل فني آخر بعنوان "زوج هوياتي"، مصنوع من معدن برأسين مختلفين، الأول على شكل مثلث والثاني بشكل دائري. وهكذا يرسم الأستاذ بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، الرمز، لكن بعيدا عن أسلوب الفنانين الجزائريين القدامى، الذين أسسوا مدرسة "الأوشام"، مضيفا إليه جانبا من الحداثة والخصوصية.