الفنان التشكيلي عبد الحليم سلامي لـ"المساء":

أرسم تقرت فلا فنان سوي يرسم خارج بيئته

أرسم تقرت فلا فنان سوي يرسم خارج بيئته
الفنان التشكيلي عبد الحليم سلامي
  • القراءات: 676
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

فن العمارة، المرأة، رموز مختلفة، تقرت، هي مواضيع تكررت في لوحات الفنان عبد الحليم سلامي، الذي يعرض بعضها حاليا بـ"دار عبد اللطيف"، وفي هذا السياق، تواصلت "المساء" مع هذا الفنان المرموق، وطرحت عليه أسئلة حول مواضيع لوحاته ومسيرته الفنية وواقع الفن التشكيلي في تقرت، مسقط رأسه.

هل أنت من صنف الفنانين التشكيليين الذين لا يودون تقديم توضيحات لأعمالهم، ودفع الجمهور لفهمها كما يحلو لهم؟

نعم، فأحيانا نقدم تفسيرا لزائر المعرض الذي قد تكون له وجهة نظر مختلفة تماما عن الفنان، ومع ذلك، فتزويد اللوحات بعناوين قد يقدم لمحة عنها. بالمقابل، لم أستطع ترجمة عنوان المعرض من الفرنسية إلى العربية مباشرة، وإلا لكان العنوان "اهتزازات لونية"، وهو غير المعنى الذي أردته للمعرض، لهذا حولته إلى "نغمات إفريقية"، علما أنني اخترت كلمة "اهتزازات" بالفرنسية، لأنني أستعمل ألوانا حارة وأخرى باردة بشكل يُخيل للجمهور أنها تهتز لتناقضها.

أيضا هناك لوحات أخرى ذات امتداد إفريقي، لأن الفن الجزائري إفريقي أيضا، كما أنه شاسع إلى درجة أن لكل منطقة منه ثقافتها الخاصة. علاوة على أن منطقة تقرت كانت في القديم معبرا لقوافل الملح، وتتميز مثلا، بالطرز الذي يستعمل فيه خيوط الصوف والحرير بألوان زاهية، ويُعرف بعدة رموز استغليتها في أعمالي، علاوة على رموز أخرى تعبر عن الثقافة الشعبية لمسقط رأسي، مثل الخامسة والنجمة والهلال، وكذا نقوشات كانت تنحت على جدران الزوايا والمساجد. كما أن المرأة الحاضرة كثيرا في لوحاتي، عنصر هام في مجتمعنا المحلي، ولا ننسى قدرتها في التغلب على الصعاب، خاصة أننا نعاني من مناخ صعب.

لا أحب تقديم شروحات عن لوحاتي ورموزي تتحرك وتتغير

ومع ذلك، أريد أن أسألك عن نسوة لوحاتك ذوات الأنف الطويل، وكذا عن استعمالك الكثير للون الأزرق مثلا؟

لم أجد إجابة عن رسمي للأنف الطويل للمرأة، لا امرأة في محيطي بأنف طويل. عن اللون الأزرق، أحبه، سبق وأن أخبرني البعض أنني أستعمل كثيرا الأزرق، فشعرت بالضيق وتخليت عنه نوعا ما، لكنني عدت إليه بقوة، لأنني أحبه، ولأنني فنان حر يرسم ما يشاء. رسمت مثلا في لوحة، نساء يمشين بكل راحة، وهو حال المرأة الترقية، فهي تمشي بدون أن تمحي أنوثتها، أي عكس الكثير من النساء، للأسف. كما رسمت لوحات عن فن العمارة، ووضعت فيها نقوشات تعود إلى تلك التي يستعملها سكان تقرت في بيوتهم وشرفاتهم. أما اللوحات التي رسمتها عن "أسكال"، وهي كلمة بربرية يقصد منها الصقل، فهي تحكي عن صقل سكان تقرت لبيوتهم باستعمال الأيدي أو عرجون نخل، لعمل أشكال صغيرة على حائط حتى يتشكل الظل، وكذا حتى تمنع سقوط المطر بشكل مستقيم على البيوت، ما يشكل خطرا عليها.

تحصلي على جائزة دولية إضافة لي وللفن التشكيلي الجزائري بصفة عامة

الفنان ابن بيئته ولا يمكن له إلا رسم أهم معالمه ورموزه وثقافته الشعبية، أليس كذلك؟

نعم صحيح، كنت أريد أن يكون في منطقة الجنوب عدد كبير من الفنانين، كل واحد منهم يتناول جزءا من هذا التراث الثري، علما أن هناك الكثير منه لم يستغل بعد، خاصة بالنسبة للألوان والفنون الشعبية والزخرفة وحنى الخط العربي المميز. أنا لا أرسم تقرت لأنني أردت ذلك، بل كان الأمر عفويا وبديهيا، ومن المعلوم أنه إذا لم تتطابق شخصية الفنان مع ما يرسم، حتما سيكون هناك خلل ما.

استفدت كثيرا من الورشات المفتوحة المنظمة في المدرسة العليا للفنون الجميلة

لكن هل شعرت مباشرة بحاجتك لرسم تقرت، أم أن الأمر لم يكن بهذه السهولة؟

أعتقد أن كل فنان يجب أن ينطلق من المحلية، فالوطنية، ومن ثم العالمية، وهذا لا يتعلق فقط بالفن التشكيلي بل بالموسيقى والمسرح وغيرهما من الفنون، فبيئتك يجب أن تظهر في أعمالك الفنية. أحيانا أسأل نفسي، لماذا أسمع هذه الموسيقى بالذات؟ لماذا أقرأ هذا الكتاب خصيصا؟ لهذا بدأت في البحث عن أسلوبي الفني وتجريب مختلف التقنيات، حتى أصل إلى مرحلة "الاطمئنان"، حيث يمكنني أن أصنع لوحات بمواد لا تزول إلا بمرور سنوات طويلة، حتى هذا الخدش في لوحتي هذه مثلا، يظهر وكأنه عنصر من عناصرها، وهو في الحقيقة، حدث بشكل غير متعمد نتيجة جفاف طبقة قبل أخرى.

الفن التشكيلي في الصحراء مهمش بفعل غياب التكوين وقاعات العرض

ما واقع الفن التشكيلي في صحرائنا؟

يمكن أن أقول، إنه غير موجود، نظرا لغياب التكوين، حيث لا نمتلك مدرسة جهوية للفنون الجميلة، باستثناء التابعة لولاية بسكرة، وكذا غياب قاعات العرض. في زمن ما كان هناك احتكاك مع الفنانين المستشرقين الذين كانوا يزورون الصحراء، ولكن بعدها لا شيء. ليس هناك تشجيع للفن التشكيلي، لا من الجمهور ولا من السلطات، فمثلا قمت مؤخرا، بعرض أعمالي في قاعة رياضة بتقرت، فانزعج مرتادوها وانتظروا على أحر من جمر عودتهم لممارسة رياضتهم، أما الجانب الفني، فليس هناك من يهتم به.

ومع ذلك أصبحت فنانا تشكيليا؟

نعم، كان لي أستاذ سوري من منطقة حماة، وكان فنانا تشكيليا ملتزما، وقد تعلمت على يديه فلسفة حياة بكاملها، وأن الفن يمكن أن يكون التزاما وليس مجرد صنع الجمال أو إعادة رسمة ما. وهكذا وجدت نفسي فنانا رغم محاولتي الفرار منه، لألتحق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة.

حدثنا عن تخليك عن الجامعة والالتحاق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة؟

أحببت فن العمارة منذ زمن، وقد أخبرت والدي أنه في المدرسة العليا للفنون الجميلة، يدرسون الديزاين (التصميم)، لهذا وافق على طلبي، وإلا لرفض حتما أن أترك الجامعة لأجل الفن.

أنا محظوظ لأنني أدرس الفن وبيعي لبعض اللوحات

كيف استطعت التخلي عن التكنلوجيا في الجامعة لصالح الفنون التشكيلية؟

درست في شبابي الاتصال بوهران، وكان أستاذ الرسم هناك يطلب مني أن ألقن زملائي مبادئ مادته لقدرتي على إلحاق المعلومة، وبعد حصولي على البكالوريا، التحقت بجامعة بسكرة، تخصص تكنلوجيا، حيث تعرضت لمشاكل مع أستاذ هناك كان تقريبا في نفس عمري، وذلك بفعل طريقتي في الرسم الصناعي، واستطاع أن يحقق غرضه فتم طردي من الجامعة، وهنا، تحدثت مع نفسي وقررت أن آخذ الأمر بإيجابية، لم يكن سهلا تغيير تخصصي العلمي إلى تخصص أدبي، حيث ندرس في مدرسة الفنون الجميلة مواد تخص علم النفس الخاصة بالفن وعلم الاجتماع وغيرها، فانتقالي من العلوم والرياضيات إلى دراسة هذه المواد، شكل ميلادا جديدا بالنسبة لي.

حبك للفن دفعك أيضا إلى تدريسه، حدثنا عن ذلك؟

أدرس بمعهد تكوين إطارات الشباب بولاية ورقلة، لصالح شباب يعملون بدور الشباب ومراكز الثقافة. أنا محظوظ لأنني أمارس مهنة تمس شغفي، حتى أنني بعت عدة لوحات وهو ليس للأسف مصير جميع الفنانين التشكيليين، الذين يعانون أيضا من غلاء المواد المستعملة في إنجاز أعمالهم الفنية.

هل الشباب الذين تكونهم مستعدون لرفع راية الفن التشكيلي عاليا؟

الشباب الذين يتلقون هذا التكوين، غرضهم العمل في دور الشباب والمراكز الثقافية، وقد أخبرتهم أن من أراد التخصص في الفن التشكيلي، عليه الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة. وظيفتي تعليمهم كيف يتعاملون مع الأطفال في ورشات الرسم، والتعرف على المواد المستعملة وتقنيات الرسم الزيتي والأكوارال، وهناك من اكتشف حبه للزخرفة مثلا، وآخر للخط العربي، وهكذا دواليك.

التخلي عن الجامعة لصالح الفن ميلاد جديد بالنسبة لي

هل يعتبر عبد الحليم دراسته في المدرسة العليا للفنون الجميلة، حتمية مفيدة؟

أكيد، لقد استفدت كثيرا من دراستي بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، خاصة من الورشات المفتوحة التي كانت تدار من أساتذة كبار، وفي نفس الوقت، قمة في التواضع، مثل خدة ومسلي ومارتيناز، مسلي مثلا، قال لي "كيف تريد أن تكون رسمتك جميلة وأنت ترسم في لوحة غير مستقيمة؟".

أما مارتيناز، فقال لي إن رسم نقطة إضافية في اللوحة سيغير من الرسمة، فأجبته مستغربا أنه مستحيل أن تغير نقطة رسمة بأكملها، فكان يقول لي "افعل وسترى النتيجة". أيضا المدرسة تحتضن طلابا من مختلف الولايات، وكل واحد منهم أحضر معه تقنية ما أو رمزا ما. لهذا استفدت كثيرا من دراستي، وكنت ككل ابن صحراء، خجولا أستمع كثيرا وأتحدث قليلا، وكانت هذه هي طريقتي في التعلم.

في إطار آخر، أخبرني بعض المختصين أن رسوماتي عفوية، وأنني استطعت التخلص من قيود الفن الغربي، وأحيانا رسوماتي غير عفوية بالمرة، لكنني أجيب بأن العفوي هو من لم يتلق تكوينا في مدرسة الفنون الجميلة، ومع ذلك أنا درست فيها، ويمكنني أن أكون عفويا في آن واحد.

كل فنان ينطلق من المحلية لهذا أرسم تقرت

تحصلت على عدة جوائز، من بينها الجائزة الأولى في تظاهرة فنية بفرنسا، هل عزز ذلك مسارك الفني؟

** تحصلي على تلك الجائزة إضافة لي وللفن التشكيلي الجزائري بصفة عامة، كل أعضاء لجنة تحكيم تلك التظاهرة صوتوا لصالح لوحتي، حدث ذلك عام 1995، حيث شاركت بلوحة زوج في ميموزا رسمتها في زمن عصيب، تحديدا بالعاصمة كنت أرسم في زمن كان فيه الفنانون يقتلون، مثل رابح عسلة مدير المدرسة العليا للفنون الجميلة وولده، ورسمت في تلك اللوحة امرأة عارية، جرأة مني؟ استعملت أيضا ألوانا عنيفة، لأننا كنا نعيش زمنا رهيبا.

تستعمل في لوحاتك الكثير من الرموز إلى ما يعود أصلها؟

لا أريد تحديد أصل أو تسمية رموزي، التي تعيش حالة من الحركة، أي أنها تتغير وقد يختفي بعضها ويظهر بعضها الآخر، ومع ذلك، يمكن الكشف عن بعض الرموز التي أخذتها من حرفة الطرز المعروفة بتقرت، والتي لا يعود أصلها لأخوات البيض، كما أشيع.