اليومان الرابع والخامس من مهرجان المسرح المحترف

أربعة عروض رفعت مستوى المنافسة

أربعة عروض رفعت مستوى المنافسة
  • القراءات: 608
دليلة مالك دليلة مالك
دخلت أربع مسرحيات يومي الخميس والجمعة الأخيرين، غمار مسابقة المهرجان العاشر للمسرح المحترف، تمثل أربعة مسارح جهوية لكل من وهران وسكيكدة وأم البواقي، لترفع من شدّة المنافسة المسرحية الأولى في الجزائر، فكانت العروض متنوعة ومختلفة في الشكل والمواضيع، اكتشفها الجمهور العاصمي واستمتع بأطوارها.
عرضت مسرحيتان أول أمس الجمعة، الأولى عنوانها "التفاح" للمخرج سمير بوعناني، اقتبسها من نص لعبد القادر علولة، وتروي المسرحية في 75 دقيقة ثلاث قصص منفصلة عن بعضها البعض في أحداثها لكنها تتلاقى من ناحية المضمون، إذ تحكي الأولى قصة عامل يرغب في توفير تعليم جيّد لابنه، فيما تتطرق الثانية لمعاناة عامل بسيط عاجز عن شراء فاكهة التفاح المحبوبة والتي ترتبط عادة بالإغراء وتجاوز المحرمات لزوجته الحامل، أما القصة الثالثة تدور حول شاب يأتي إلى المرحاض صدفة فيجد فيه الفضاء المناسب للتدريب المسرحي بعد ما همّش في مؤسسته الفنية.
أما المسرحية الثانية فعنوانها "فندق العالمين" للمخرج أحمد العقون، عن نص مقتبس عن رائعة إيريك إمانويل شميت، ومن إنتاج المسرح الجهوي لسكيكدة.
والمسرحية عرض فلسفي تبحث في الوجود الإنساني تزيح اللثام عن حقيقة الحياة والموت، والهدف من وجود الإنسان على الأرض، تدور وقائعها داخل مكان مجهول يسمّيه المؤلف فندق العالمين، لا أحد من نزلائه الخمسة يعلم كيف انتهى بهم الأمر إلى هذا العالم الغريب، ولا أحد يعلم متى سيغادره ولا أي جهة سيرحل إليها.
لا يعرف النزلاء لماذا هم موجودون في الفندق، إن ما يحدث يتّسم بالغرابة، فالفندق حيث تدور أطوار المسرحية ليس فندقاً عادياً ونزلاءه ليسوا عاديين كذلك.
وقدم المسرح الجهوي لسوق أهراس، يوم الخميس المنصرم، مسرحية "تحولات" للمخرج محمد فريمهدي، وهو عمل يدنو من السلوك البشري في أبسط صفاته، ومحاولة للنظر بعمق في القيم التي تهوي بالإنسان إلى الحيوانية، اعتمادا على نص الحمار الذهبي لـ"أبوليوس" أصيل مدينة "مادور" بسوق أهراس. اشتغل المقتبس هارون الكيلاني، على التراث الأدبي الجزائري، ومنح شخوصه بعدا كوميديا ساخرا ضمن سياق معاصر وعتيق في آن واحد، وكأنه يقول بذلك إنّ إسقاط تفاصيل نص قديم ذي مرجعية يونانية ليس مستحيلا، بالنظر إلى ما يعرفه العالم من تضخّم الأنا والنزوع إلى إشباع الغرائز.
وحاول المخرج أن يدخل المتفرج في عالم (الفانتاستيكا)، عن طريق إقحام المتفرج في نفسية "لوكيوس" الشاب اليافع المليء بالقوة والفضول أيضا، والذي لا يرى لسلوكه حدودا، فهو مندفع تخلى عن عقله واستسلم لحلم التحول إلى طائر، وسرعان ما وجد نفسه في إسطبل "حمار" ينهق مأساته بدل الإفصاح عنها.
وصمّم يحيى بن عمار، السينوغرافيا تتمثل بفتح الجانبين، تمتلئ تدريجيا وفق تصاعد الأحداث، إذ رسمت الهياكل المتحركة أكثر من لوحة، منازل وشاشة ظل صيني وجدران وممرات عبرها ممثلو مسرح سوق أهراس الجهوي، على وقع موسيقى السعيد سمعي، فيما تكفلّ عيسى شوّاط بالكوريغرافيا.
وبخصوص العرض الثاني ليوم الخميس، فقد عاد المخرج عبد الحميد بوحايك، في مسرحية "التحدي"، إلى أسئلة الحياة والموت والاستبداد والتغيير تحت مظلة "الإرادة الإنسانية"، في استحياء لنصية "حالة حصار" للكاتب الفرنسي "ألبير كامو" (1913 – 1960).
ووفق تراكب سينوغرافي كوريغرافي وقّعه الثنائي مراد بوشهير ورياض بروال، قدّم عمل مسرح أم البواقي الجهوي مختارات من قصص إنسانية مأساوية اتسمت بالسواد الدائم رغم بصيص الأمل القائم.
وعبر إدارته عشرة ممثلين، سلّط بوحايك الضوء على جدليات متعددة أبرزها ثنائية الحياة والموت في ظلّ الأنظمة الحاكمة المستبدة وطرق التغيير التي لن تتأت إلا بالتضحية ورفض الخضوع لهذا الداء الذي رمز له بالوباء في الصورة الشكلية، لكن المخبر حمل سيطرة نظام مستبد على شعوب بسيطة رغبتها هي الحياة والحب.
وفي ديكور ثابت وسينوغرافيا بسيطة رافقتها إضاءة تماشت ورقصات الممثلين، سعى المخرج للتغطية على الحزن البادي بإسقاط جزء من البياض، وبرز صراع الأفكار بين الحاكم والمحكوم تارة وبين أوساط المجتمع ذاته في أخرى، لتكون النتيجة فوضى واستغلالية، وجرى التركيز على امتلاك إرادة لمحاربة هذا الوباء المتفشي، في صورة شخص واحد كشف النقاب عن وهن طاعون لن يدوم للأبد.