”الحديث عن الأشجار” وثائقي عن السينما بالسودان

أربعة أشخاص يحاولون بعث الفن السابع

أربعة أشخاص يحاولون بعث الفن السابع
  • القراءات: 634
❊ نقلا عن العرب ❊ نقلا عن العرب

أسدل الستار على الدورة الثالثة من مهرجان الجونة السينمائي، الذي نجح في حشد أهم الوجوه السينمائية العالمية، وبات قبلة لأهم صناع السينما. اللافت هذا العام؛ الحضور البارز للسينما السودانية التي تعتبر مهمشة مقارنة بغيرها، وهذا طبيعي في بلد تراجع فيه الفن السابع وأغلقت دور العرض.

في فيلمه الوثائقي الجديد الحديث عن الأشجار، يتتبع المخرج صهيب قسم الباري مغامرة أربعة من قدماء السينمائيين السودانيين، لإعادة تأهيل وتشغيل دار عرض سينمائي في بلد اختفت كل مقومات صناعة السينما منذ ثلاثة عقود.

تدور أحداث الفيلم عام 2015، حين يقرر الرباعي إبراهيم شداد ومنار الحلو وسليمان إبراهيم والطيب مهدي، أعضاء جماعة الفيلم السوداني، الذين يجولون في قرى السودان لنشر الثقافة السينمائية، أن يعيدوا تأهيل دار عرض سينمائي لإعادة الجمهور إلى السينما.

مع تطور أحداث فيلم الحديث عن الأشجار، يتعرف المشاهد على الأشخاص الأربعة بشكل أعمق، ليتضح أنهم من رواد السينما السودانية الذين تعلموا في الغرب، وصنعوا أفلاما في السبعينات والثمانينات، حصدت جوائز من مهرجانات عربية ودولية.

بذكاء كبير وسلاسة في السرد، يعرض الفيلم قصتهم من زاويتين؛ الزاوية الأولى هي النهضة التي كانت تعيشها السينما السودانية في زمن سابق، وربما غابت عن الذاكرة بسبب السنين الطويلة، والزاوية الثانية هي قصة صداقة نادرة بين المخرجين الأربعة الذين جمعهم حب السينما.

تتوالى الأحداث وتبقى مغامرة إحياء دار عرض سينمائي المحرك الرئيسي، إذ يصطدم مسعى المخرجين الأربعة بتعنت السلطات والقبضة المحكمة للأمن على كل نشاط ثقافي أو فني، مما يلقي الضوء بشكل تلقائي على أحد أهم أسباب غياب السينما السودانية، والمتمثل في السلطة التي استغلت الدين في تحريم السينما منذ 1989.

ينتقد الفيلم الأوضاع السياسية والاجتماعية بشكل ساخر، على لسان شخصياته التي تتراوح أعمارها بين العقدين الثامن والسابع، والذين كانوا شهودا على أهم الأحداث السياسية والأنظمة الحاكمة المتعاقبة في السودان. يقول المخرج صهيب قسم الباري في مقابلة إعلامية معه بعد عرض الحديث عن الأشجار مؤخرا، ضمن فعاليات مهرجان الجونة السينمائي هذا الجيل من السينمائيين الذين نعرض له في الفيلم، هو الذي وقع عليه كل القهر والمنع من صنع الأفلام رغم بداياته القوية.

يضيف الفيلم؛ اسمه مأخوذ من عبارة للألماني برتولت بريخت، يقول فيها أي زمن هذا الذي يكاد الحديث فيه عن الأشجار يصير جريمة، لأنه يعني الصمت عن جرائم أخرى. ويتابع قائلا بعد سنوات صمت طويلة، قرر الأربعة أن يتحركوا ويفعلوا شيئا للفن الذي عشقوه وعاشوا عمرهم يحلمون به.. السينما. يرى صهيب قسم الباري، أن فيلمه الوثائقي الذي فاز بجوائز من مهرجان برلين السينمائي ومهرجان إسطنبول السينمائي، إلى جانب أفلام أخرى روائية وقصيرة من صنع سينمائيين سودانيين شبان، قد تكون أعادت السينما السودانية إلى الواجهة، لكنها غير كافية لتأسيس نهضة جديدة.

يقول سعدت بعرض فيلمي في أكثر من مهرجان، وهنا في الجونة يعرض فيلم آخر روائي لزميلي أمجد أبو العلاء في المسابقة الرسمية، لكن هل هذه المحاولات الفردية التي جاءت بتمويلات خارجية كفيلة بإحياء السينما السودانية؟ الإجابة لا.

يضيف من وجهة نظري، النهوض بالسينما السودانية لا يتطلب فقط صنع أفلام، فمثلا ليست هناك حركة نقدية، ولا دور عرض أساسا. النظام السابق سلمنا دولة منهارة تحتاج إلى نهضة في شتى المجالات، ومنها السينما، لأنها ليست بمنأى عن محيطها السياسي والاجتماعي. يتابع قائلا صنعنا هذا الفيلم في ظروف صعبة أيام حكم النظام السابق، وكنا نهرب الكاميرا والممثلين ونتخفّى حتى لا ينكشف أمرنا. اليوم نحتاج إلى الحرية، الحرية في الإبداع، في التعبير عن الرأي، في صنع أفلام جديدة.

ورغم الصعوبات التي تواجه عودة السينما السودانية، يتمنى قسم الباري الذي درس السينما في فرنسا، وحصل مؤخرا على جائزة مجلة فارايتي لأفضل موهبة عربية صاعدة، أن ينجح في عرض الحديث عن الأشجار داخل السودان، ويشاهده السودانيون في أقرب وقت. ويضيف أمنيتي اليوم هو أن نستطيع تقديم الفيلم في نفس دار العرض، التي كان الأربعة يحاولون إعادة تأهيلها وتشغليها، ويختم قائلا سيكون هذا أكبر انتصار لهم وللسينما السودانية.