الكاتب رياض حدير ضيف مطبعة «موغان»:

أرافق القارئ في مسار يعتقده مألوفا إلى حين مفاجأته

أرافق القارئ في مسار يعتقده مألوفا إلى حين مفاجأته
الكاتب رياض حدير ضيف مطبعة «موغان»
  • القراءات: 992
❊لطيفة داريب ❊لطيفة داريب

قال الكاتب رياض حدير إنه يهدف من خلال كتاباته، إلى الدفع بالقارئ إلى طرح المزيد من الأسئلة لاتخاذ قرارات بنفسه من دون تقديم حلول راديكالية له، مضيفا أن بصمته في عالم الكتابة تتمثل في أخذ القارئ إلى فضاءات يعتقد أنها مألوفة، ليجد نفسه في الأخير أمام متاهات لا حصر لها.

استضافت مطبعة «موغان» بالبليدة، أول أمس، الروائي الشاب رياض حدير لتقديم روايته الأولى «فقيد الأمة» التي صدرت عن المؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار، أمام جمهور ذواق ومحب للمطالعة، واكتشاف كل ّما هو جديد، خاصة أنّ هذه الراوية تندرج ضمن ما يسمى بـ «الخيال العلمي وأدب المتوقّع».

ولم يشأ الكاتب حدير أن يكون وصيا على القارئ، من خلال إسداء نصائح له أو حتى توجيهه نحو اتّخاذ قرارات معيّنة، بل يريد أن يكون له مرافقا خفيا، ومساعدا مستترا يأخذ بيده نحو وجهة قد تبدو مألوفة له، لكنها، في الحقيقة، غاية في التعتّم، وأبعد من ذلك، فقد يصل بالقارئ إلى نقطة أو خاتمة عكس تماما ما كان يتصوّره في بداية الطريق.

بالمقابل، انطلق حدير في عالم الرواية من باب حبه للأدب خاصة المتعلّق بالخيال العلمي، ونذكر خصوصا أدب المتوقّع. وقبل أن ينتهي من كتابة عمله هذا انعرج إلى عالم آخر، يتمثل في «بلوغ» يتناول يومياتنا والأحداث التي يمكن أن نمر بها جميعنا. وفي هذا قال: «كتبت روايتي من باب نفس موضوع «البلوغ»؛ فأنا آخذ القارئ أو متتبع «لبلوغ» إلى طريق يعتقد أنه معلوم، ليتفاجأ بنهاية غير متوقعة تماما».

رياض تحسّر أيضا من عالم اليوم؛ حيث يسود العنف، ويعيش فيه الإنسان في العالم أجمعه؛ اضطرابات من كلّ نوع، ففكّر في عالم آخر وصنعه بمخيّلته، عالم تتعاظم الآفات وتزداد الخيبات، في حين يبقى منقذ الإنسان نفسه، حينما يدرك أن خلاصه لن يتم إلاّ بيده لا بيد الغير.

وركّزت الرواية على قضية الإيمان، وهي، بالفعل، مسألة داخلية روحية بحتة، إلاّ أن مظاهرها قد تكون زائفة، وهو ما أكده رياض في روايته هذه، فقال: «في روايتي هذه ثلاثة عوالم تشكّلت من خلال حروب عالمية جمعت بين الدول، فانقسم العالم إلى ثلاث كتل؛ كتلة الغرب وأخرى تتعلق بالشرق وثالثة حول المغرب، في حين تعاني الكتلة الأخيرة من تزايد في مظاهر التدين الزائفة والابتعاد عن جوهر الدين». وأضاف: «كتلة المغرب تحوّلت إلى خلافة، وأصبحت أحكام الشريعة تطبّق ولكن على البسطاء، فالسارق تُقطع يده، ولكن المسؤول يمكنه أن يرتشي ويفعل الأفاعيل السوداء من دون عقاب. وفي هذا السياق، يعيش المفتي بغريرة في يخت؛ لأنه لا يمكن أن تطأ قدماه النظيفتان، الأرض الفاجرة، ويرسل فتواه من هناك، وما على الشعب «المغبون» إلا الطاعة».

وعرفت العوالم الجديدة في رواية «فقيد الأمة»، تسميات جديدة أيضا، وكأنّ العالم حينما يولد من جديد يبتغي حلة تناسب هذا الحدث العظيم، كما يقوم بإطلاق تسمية جديدة أيضا عليه؛ فهل هي محاولة لطمس الماضي والولوج إلى مستقبل كيفما كان؟ وهل يمكن فعلا أن نتّجه إلى مستقبل من دون ماض؟

وتناول الروائي في عمله هذا عدة قضايا، مثل تلك التي تتعلّق برفضنا لانتمائنا الإفريقي، والتأكيد على اختلافنا عن الأفارقة السود مثلا، وكذلك مسائل تتعلق بالتعصب وإقصاء الآخر والإيمان الظاهري و»الحقرة» والهجرة غير الشرعية واستعباد الناس من خلال العمل ليلا نهارا، ومواضيع أخرى اتّخذت مظاهر مختلفة في هذا العصر العجيب، إلاّ أنّ كنه الإنسان لا يتغيّر، وهو ما حدث لبطل الرواية مهدي، الذي أراد أن يعود إلى كتلة الغرب بعد أن غادرها قسرا إثر وفاة والدته الفرنسية، واتّجه إلى كتلة المغرب حيث تقطن عائلة والده الجزائري التي لا يعرف عنها شيئا، لكن حلمه لم يتحقق، وفي الأخير قرّر أن يتّجه نحو المجهول، فقدر الإنسان أن يرمي نفسه إلى أحضان مستقبله، وأن يتّجه إليه، وإن مات خوفا فلا أسوأ من الجمود والمعاناة من حياة روتينية قاتلة.

رياض تحدّث أيضا عن رفضه ما يسمى «حرب الأديان»، بل أطلق عليها اسم «الحرب من أجل المال والاقتصاد»، كما أنّه لا يرى فرقا بين شاب غُرر به فانتحر معتقدا أنّه بفعلته هذه سيدخل الجنة، وبين عسكري أمريكي يحارب على أرض دولة أخرى باسم الحرية، كما اعتبر أنّ هناك فرقا شاسعا بين الإيمان والدين المنظم.

وتطرّق رياض حدير لأهمية تشجيع الإبداع كيفما كان، معتبرا أنّنا نعيش في مجتمع لا يشجّع على الإبداع ابتداء من العائلة، مرورا بالمدرسة، ووصولا إلى المجتمع. كما دعا إلى أهمية الإيمان بما نفعله بدون أن ننسى ضرورة الضحك، خاصة أنّنا لا نضحك كثيرا في الجزائر، ليعرّج على أهمية زراعة الأمل وسقيه المتواصل بدلا من العيش في تشاؤم رهيب.

كما أكّد رياض أهمية النص، مكتفيا بتقديم هذه الرواية من دون التأكيد على شخصه، ومشيرا إلى قرب إصداره مجموعة قصصية في نفس موضوع روايته هذه، في حين سيكون موضوع روايته المقبلة مختلفا تماما عن سابقه، وأقرب إلى شخص الروائي.