المسرحي غنام غنام لـ’’المساء":

أدعو وزارات الثقافة العربية لتخصيص ميزانية لفلسطين

أدعو وزارات الثقافة العربية لتخصيص ميزانية لفلسطين
  • القراءات: 743
حاورته: دليلة مالك حاورته: دليلة مالك

دعا المؤلف والممثل والمخرج المسرحي الفلسطيني غنام غنام، في هذا الحوار مع "المساء"، لأن تجعل وزارات الثقافة العربية فلسطين ولاية من ولاياتها أو محافظة من محافظاتها، وأن تخصص لها ميزانية مالية، كما تخصصه في كل ولاية أو كل محافظة في كل بلد عربي، الأمر الذي سيدعم الشأن الثقافي الفلسطيني ويأزر نضاله.

وتحدث غنام غنام عن التكريم الذي شمله في الأيام الثانية المسرحية العربية بسطيف (15-18 فيفري الفارط)، كما تناول موضوع واقع المسرح العربي، والمسرح الفلسطيني وخصوصياته.

❊❊ ماذا يعني لك أن تكون فلسطين ضيف شرف الدورة الثانية من الأيام المسرحية العربية بسطيف، وأن يكون شخصك مكرما من خلالها؟

❊ أولا لابد من كلمة شكر بداية لمنظمي الأيام المسرحية العربية لأنهم جعلوا فلسطين في الصدارة. أنا في مسرحياتي السابقة كنت أقول إن كل مثقف وكل حرف في هذا العالم هو فلسطيني إلى أن تتحرر فلسطين، لأن فلسطين ليست قضية بلاد وبحر فلسطين قضية إنسانية وفلسطين هوية نضالية، لذلك شكرا لهم لأنهم كرسوا هذا المفهوم، وهذا ليس بمستغرب على المثقف الجزائري، فالجزائر التي هي مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، الجزائر التي لن يكون استقلالها ناجزا طالما فلسطين محتلة، هذه عبارات نحن نعرفها ونحفظها عن ظهر قلب، قالها الجزائريون منذ سنوات طويلة وطبقوها، وبالتالي ليس مستغربا أن يكون هناك تكريم لفلسطين، ربما يكون في جانب آخر أن البعض يتردد في بعض المواقع هنا وهناك في الوطن العربي في أن تكون فلسطين راية عالية في محفل ما، في مناسبة ما، إن مناسبة كهذه (الأيام المسرحية العربية بسطيف) ومناسبات أخرى تشبهها تقول لهؤلاء لا تترددوا التاريخ لن يرحم من لم يكن مع فلسطين سيكون له حساب عسير في المستقبل، ليس من الفلسطينيين ولكن من ذاته ومن من يحيطون به من أهل بيته، لأن فلسطين هي قضية مستمرة.

الأمر الثاني، أن يرتبط تكريم فلسطين باسم غنام غنام، وهذه مسألة بالنسبة لي هي جزء من حلم شخصي، أنا قلتها قبل سنوات طويلة، أتمنى أنه عندما تذكر فلسطين يذكر غنام، وعندما يذكر غنام تذكر فلسطين، وهذا جزء من الصورة التي أحبّها لأنها تشكل تاريخي الشخصي ويمثل تاريخي العائلي وتاريخي النضالي، وأنا لا أستحي من كلمة تاريخ نضالي ومن التزام حزبي ومن عمل ثوري، بل أعتز به لأنها هي التي جعلتني غنام الذي يتحدث الآن لذلك أحس بفخر مضاعف فخر فلسطين وفخر الفلسطيني في نفس الوقت.

من الجميل أنه هذا ليس التكريم الأول في الجزائر فأنا في 2012، كُرمت إلى جانب مسرحيين فلسطينيين، وتسلمته من لدن الراحلين أمحمد بن قطاف وصونيا، في المسرح الوطني "محي الدين بشطارزي" في الجزائر العاصمة، وهذه صورة لا تنسى، فأي شرف كان أن أحاط بعملاقين من المسرح الجزائري، واليوم بهذا التكريم الثاني وكأن الجزائر تطبطب على كتفي بعد 12 سنة وتقول لي استمر، أنت في الاتجاه الصحيح، أنت في المكان الصحيح، لذلك أعتبر هذا التكريم فخرا شخصيا.

❊❊كيف هو المسرح الفلسطيني اليوم؟

❊ المسرح الفلسطيني اليوم كما كان وكما سيكون، الحقيقة أن القضية حشرته في زاوية النضال، يعني ليس للفلسطيني خيار آخر.. جرب أن تعمل مسرحا تافها أو مسرحا سخيفا هدفه الإضحاك، لا يمر على الإطلاق، لأن الناس تتحدث عن السياسة في المقهى وفي البيت وفي المدرسة وفي الحاجز الأمني، وهو شغلها الشاغل.

للمسرح الفلسطيني خصوصية في المسار وهي مختلفة عن باقي المسارح، ذلك أن فلسطين قسموها تقسيما هو جزء من المؤامرة، جزء كبير من الأرض الفلسطينية هي تحت الاحتلال وتسمى إسرائيل هؤلاء أصبحوا أكثر من 3 ملايين فلسطيني، لهم مسارح وهذه المسارح ليست إسرائيلية، هذه المسارح فلسطينية وفلسطينية بامتياز، ويقدمون أعمالا في منتهى الأهمية.

توجد العديد من المسارح في فلسطين، وهي تجارب على أرض الواقع، ويجب أن ندرك أن من هؤلاء من لا يستطيعون أن يؤسسوا مسارحهم دون ترخيص من دولة الكيان، وهذا لا يعني أنهم يعملون مع الكيان، هناك من عمل هناك من آمن بالتعاون والتعايش ولكنهم لا يشكلون الأكثرية، لذلك يجب أن ننظر إلى المسرح الفلسطيني حتى في داخل الأرض التي احتلت عام 1948 نظرة إيجابية وكجزء من المسرح الفلسطيني.

❊❊هل هناك رقابة للاحتلال الإسرائيلي عليها؟

❊ لا توجد، دعيني أقول لك لماذا، لأن هذا العدو عنده قوانين وأنظمة، وإذا أدركت اللعب مع هذه الأنظمة تستطيع أن تنفذ، بمعنى إنه إذا كان هناك مشكلة لدى أحدهم مع العرض يستطيع أن يرفع عليه دعوى لدى المحكمة ويقاضوك، ممكن أن يتهمك متطرف بالتحريض على العنف فيأخذوك إلى المحكمة، فالممثل المعروف محمد البكري صاحب فيلم "جنين" له قضية في المحاكم منذ 18 سنة بسبب الفيلم، لكنه لم يعتقل، وما زالت المسألة في المحاكم، لأن هناك محامون ممتازون، يمسكون القضية ويدافعون عنها بذكاء، يعرفون جيدا اللعب بهذه القوانين والأنظمة.

الآن هذا المسرح ما هي مشكلته؟ مشكلته مثل الكثير من المسارح العربية، أنه بلا استراتيجيات وطنية، أريني بلدا عربيا يحتوي على استراتيجية بما في ذلك المتقدمة، لذلك وقعت المسارح الفلسطينية، في فترة ما، ضحية التمويلات الأجنبية، لغياب مؤسسات وطنية، والتمويلات الأجنبية استغلت هذه الفرصة وبدأت تعطي أموالا دون أن تقوم بتوجيه، وعلى فكرة الممولون ليسوا أغبياء، لا يوجهونك، أنت توجه نفسك، لأنك حريص على استمرار هذا التمويل، فينتج له ما يشاء.

ثم تأتي الانتفاضة التي أرعبت الممولين من المستفيدين من التمويل، الذين هم مع الانتفاضة، فيٌطلب منهم قبل أي دعم التوقيع على "إدانة الإرهاب"، وطبعا يقصد ما نقوم نحن به من مقاومة، وبالنسبة لنا الإرهاب هو دولة الاحتلال، ثم سرعان ما تفطن الفلسطينيون لهذا الفخ، وقد نجوا إلى حد كبير.

هناك مؤسسات في العالم، في الحقيقة، تدعم القضية الفلسطينية وتؤمن بها، لكن معظم المؤسسات ذات أجندات وكلّها مربوطة ببعضها، حتى هناك بعض الصناديق العربية هي عبارة عن واجهة لمؤسسة "فورد فونديشن"، والمسألة واضحة فشبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت فضحت كل شيء، إنها لا تخفي شيئا، لما تدخل على موقع "فورد فونديشن" يخبرنا أنه قدم المبلغ الفلاني للمؤسسة العربية الفلانية، وهذه المؤسسة العربية الفلانية تدعي أنها هي الداعم.

وهناك مؤسسات وطنية في فلسطين، مثل مؤسسة عبد المحسن قطان مثلا تقدم جهدا كبيرا في دعم الطلبة والمعلمين وكل شيء له علاقة بالفنون، هذه المؤسسة محترمة فعلا، وكذلك لما تم الاشتغال على مشروع المسرح المدرسي، كانت فلسطين أكثر دولة أنجزت المشروع.

أدعو لأن تكون راية فلسطين في المحافل المقامة، وأدعو أيضا كل الدول العربية لأن تكون فلسطين على أجندة كل وزارة ثقافة عربية، بمعنى أن لكل دولة محافظات وولايات تقوم بإضافة فلسطين كولاية تابعة لها، وتخيلوا أن كل دولة عربية تفعل ذلك، وتمنحها حصة من الميزانية الموجهة لكل محافظة من محافظاتها أو ولاية من ولاياتها، سيكون عندنا 22 دولة فلسطينية تشتغل في كل الوطن العربي ببساطة شديدة، وأيضا يمكن أن تصدر كل دولة مثلا خمسة كتب عن فلسطين في السنة، بمعنى أكثر من 100 كتاب يتحدث عن فلسطين.

❊❊ هل تطرق المسرح العربي للقضية الفلسطينية؟

❊لا أفترض أن كلها تتطرق للقضية الفلسطينية، ولكن أفترض أن تكون مع مفاهيم الحرية والعدالة، وعليه فهذه الأعمال المسرحية تتحدث وبشكل عملي عن فلسطين، وهذا لا يمنع من المطالبة بالتوجه، وأرى أن هذا التوجه يجب أن يكون تربويا، نحن لا نريدها فقط هبة تأتي في فترة أو وقت ساخن، بل ممتدة، بفضل تربية الأجيال على عدالة القضية، والتي من شأنها أن تنتج فنانين في الكثير من المجالات، الذين بدورهم سيقدمون إبداعات عن فلسطين.   

واعتز أن كل مسرحياتي لم تغب عنها فلسطين، ولا لم أستعمل في نصوصي كلمة نابية، أستطيع أن أعبر عن الشيء السيء بطريقة محترمة، لا أحب خدش الحياء، والحقيقة.. كل هذا يمثل لي من أنت؟ لذلك لما أقول أنا فلسطيني أعرف جيدا المسؤولية التي أحملها، ولما أقول هذه فلسطين يجب أن أقدم عملا يليق بمستواها.

❊❊هل المسرح العربي يُعالج واقعه؟

❊ نعم، أعتقد أن المسرح العربي اليوم يقوم بذلك، وأقول ذلك من باب أنني محظوظ في مشاهدة أكبر عدد ممكن من المسرحيات العربية، التي تترشح للمشاركة في المهرجان العربي للمسرح، الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح سنويا، وعددها يفوق 300 عرض، وقد لاحظت أن المسرح العربي مشتبك مع واقعه.

لكن متى كانت العروض الجيدة والمشتبكة مع واقعها كثيرة في تاريخ المسرح ككل، وليس العربي فقط، دائما هي محدودة وقليلة، لأنها تعكس الوعي الغرامشي أو ما نسميه الوعي العضوي، وهذا غير متوفر عند كل المثقفين، فهناك مثقف ومثقف عضوي، مسرحي ومسرحي عضوي، في فلسطين نسميه المشتبك.

لكن، أعيد ما قلته سابقا، تبقى هذه الجهود فردية في ظل غياب الاستراتيجيات، وهذا مقتل، تنتهي التجربة مع موت الشخص، من بعد عبد القادر علولة مثلا واصل نهجه، وهي تجربة كان لابد لها أن تكبر، حاول البعض لكنهم لم يوفقوا، رغم مرور 30 سنة على اغتياله، وذلك حتى نصل إلى تجربة أخرى.

والأمر نفسه لغسان الكنفاني في الأدب، وظلت قصة الكنفاني الذي استشهد سنة 1972 هي أفضل قصة قصيرة في فلسطين، لا بد من خليفة له، قاص جديد ولامع.

❊❊هل الأمر يعود لغياب التواصل بين الأجيال؟

❊المشكل أن هذا التواصل يحتاج إلى مؤسسات ثقافية، وعمليا هي ليست موجودة، هي موجودة شكلا، بعد موت الأشخاص تنتهي تجاربهم معهم، ليس هناك توريث، وفي هذا الشأن يطول الحديث، لكن دعيني أحكي لك تجربتي، اشتغلت حكواتيا، هذا الأمر لا يعني أني لست مسرحيا، أنا مسرحي لكن ألعب في منطقة ثانية لها علاقة بالوصول للجمهور صغارا كانوا أم كبار، أحب الخروج من القاعة وهذا ليس وليد اليوم، والنتيجة أن تجربتي أثمرت حكواتيين آخرين، يؤدون الأداء نفسه، ويتعاقدون مع مهرجانات، وكان أحلى شيء فيهم في تلك المجموعة التي كانت مكونة من ثلاثة حكواتيين، أن كل واحد كان يقول "أنا أحكي الحكاية على طريقة غنام غنام"، وهناك من أخذوا الأسلوب ولم يذكروا غنام لأنهم لم يعرفوه ثم تراكمت التجربة.

الحكاية التي كنت أرويها عن ديك سيء، الحكاية قديمة ومعروفة في فلسطين تعود إلى ألف سنة، عنوانها "الديك الهادر"، لكني غيرت فيها شيئا واحدا، أن للديك مشكلة في النطق، فكان بدلا من قول حرف "حاء" يقول "خاء"، ولما يتحدث ينتبه الناس إلى أنه يهودي من لكنته، دون أن أشير إلى ذلك، فصاروا ينسبون هذا التحول للقصة إلى غنام.

وقد جاءتني الفكرة من منطلق ما هي الإضافة التي يمكن أن أقدمها في قصة معروفة جدا عند الفلسطينيين، وقد وجدت نفسي في لحظة تاريخية، حتى وإن انتهت قضية فلسطين، سيبقى موضوع اليهودي مثل موضوع شايلوك عند شكسبير، وبالتالي أنا أورث، عبر هذه القصة كلما أقدمها، لأسلوب غنام غنام، وبالمناسبة لدي أولاد وهم بالآلاف وينادوني "يا با"، يقتدون بطريقتي.