مديرة مركز الفنون والمعارض بتلمسان الدكتورة سميرة أمبوعزة، لـ “المساء”:

أدعو إلى تمثيل الجزائر بلباس موحَّد، وكورونا أعادتنا إلى تراثنا

أدعو إلى تمثيل الجزائر بلباس موحَّد، وكورونا أعادتنا إلى تراثنا
  • القراءات: 1079
حاورتها:  لطيفة داريب حاورتها: لطيفة داريب

دعت الدكتورة سميرة أمبوعزة، مديرة مركز الفنون والمعارض بتلمسان في حوار خصت به جريدة “المساء”، إلى تمثيل الجزائر بلباس تقليدي موحد، وتدريس القانون المتعلق بالتراث في المناهج الدراسية. كما طالبت بوضع استراتيجية محكمة لجعل التراث في خدمة الاقتصاد الثقافي، لتؤكد في معرض حديثها، وجود مرممين جزائريين أكفاء، ينتظرون فرصتهم لإبراز قدراتهم في الترميم والصيانة. وقد جاء تفصيل ذلك في هذا الحوار:

كيف تفسرين تعلّقك بالآثار في مدة لا تزيد عن 15 يوما، حينما تم توجيهك لدراسة هذا التخصص في الجامعة؟

❊❊ اختياري الجامعي كان عشوائيا ولم يكن عن اقتناع شخصي، وكنت سأغير تخصص علم الآثار الذي تم توجيهي إليه، لكن بعد مزاولتي الدراسة لمدة 15 يوما، اقتنعت به بعدما اكتشف أنه عالم المغامرات، وبحر من العلوم المتعدد، يبعث على الفكر، وحب البحث في الحياة القديمة، وفي التفكير القديم الذي كان يستعمله الإنسان في البناء والأكل واللبس والتنظيم العائلي والاجتماعي... وغيرها من مناحي الحياة.

أحببت علم الآثار، وكنت فيه من الأوائل في دفعتي. وبعدما تحصلت على شهادة الليسانس سنة 2011، توظفتُ كمرشدة ثقافية للوفود العربية، ونلت من خلالها تكريمات من سفراء دول عربية بالجزائر، أهمها سفير الكويت، وسفير السودان. هذه الوظيفة هي التي كان لها الفضل في حبي العميق للتراث الجزائري وتعلقي به، والبحث والغوص فيه أكثر، مما شجعني على مواصلة الدراسة. وبتوفيق الله نجحت في مسابقة الماجستير سنة 2012 بمعهد الآثار بالجزائر العاصمة، وتحصلت على شهادة الماجستير سنة 2015، والتسجيل لسنة أولى دكتوراه تخصص صيانة وترميم الآثار، مما سمح لي بالمشاركة في الملتقيات الوطنية والدولية للتعريف أكثر بتراث الجزائر من الجانب العلمي الأكاديمي والتدريس بالجامعة، حيث كانت أول محطة لي بجامعة مصطفى اسطنبولي بولاية معسكر بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، ثم بنفس الكلية وكلية العلوم الإسلامية بجامعة ابي بكر بلقايد بتلمسان إلى غاية تحصلي على شهادة الدكتوراه سنة 2020.

تعلقك الشديد بالآثار تَكلل أيضا بتعيينك، حديثا، مديرة لمركز الفنون والمعارض بتلمسان؟

❊❊ تعلقي بالآثار لا علاقة له بالمنصب، بل هو تخصص جامعي من ليسانس بتلمسان، ثم ماجستير ودكتوراه بمعهد الآثار بالجزائر تخصص صيانة وترميم الآثار، إضافة إلى الحفريات وأعمال الترميم التي شاركت فيها، مما جعلني أدرك أهمية هذا الموروث الثقافي، علاوة على وظيفتي الأولى التي تحصلت عليها كمرشدة ثقافية خلال فعالية تلمسان عاصمة الثقافية الإسلامية 2011، التي جعلتني أكثر تعلقا بالمواقع التاريخية والأثرية، وكذا إحساسي بأنني سفيرة المكان الذي أعرّف به.

أما منصبي الحالي فما هو إلا نتيجة جهد مبذول في خدمة التراث، والسعي للتعريف به وحمايته من خلال الملتقيات الجامعية العلمية والمعارض وطنيا ودوليا.

ما هي الخطوط العريضة لبرنامجكم الذي تنوون تطبيقه بمركز الفنون والمعارض بتلمسان؟

❊❊ التركيز على الملتقيات الدولية والوطنية للتعريف وتثمين التراث المادي وغير المادي، وإنجاز معارض ثقافية وفنية لما هو مهم ويمثل ثقافة الوطن.

حدثينا عن مهامك كمحافظ تراث ثقافي بالمركز التفسيري ذي الطابع المتحفي للباس التقليدي الجزائري؟

❊❊ مهامي كمحافظ تراث بالمركز التفسيري للباس التقليدي الجزائري، ساعدني أكثر في التنقيب عن التراث غير المادي، والتنقل من مكان إلى مكان منذ بداية وظيفتي كملحق بالحفظ في المركز. كما زاد من تعلمي، أكثر، طرق العرض، والجمع بين المعرض والمحاضرة، وتنظيم البرامج الثقافية. وهذه الخبرة ساعدتني في تنظيم فعالية تراثية دولية، تتمثل في أسبوع التراث الجزائري بإمارة الشارقة، ضمن فعالية التراث العالمي التي ينظمها معهد الشارقة للتراث.

وماذا عن مهامك كمديرة الثقافة والتراث بمنظمة “رواد الخير” بتركيا؟

❊❊ تجربتي مع منظمة رواد الخير كانت قصيرة جدا، لم توثق لانسحابي منها لأسباب شخصية. وكان الهدف منها الترويج للتراثي الجزائري خاصة، والتراث العربي العالمي عامة.

هل تخصصك في اللباس التقليدي مردّه حبك لصنع الألبسة التقليدية؟

❊❊ حبي للباس التقليدي الجزائري ليس له علاقة بهوايتي القديمة المتمثلة في صنع الألبسة التقليدية، بل يعود لوظيفتي كملحق بالحفظ، ثم محافظ تراث ثقافي بالمركز التفسيري للباس التقليدي الجزائري، والمهام التي كُلفت بها في مصلحة التنشيط والبحث.

كيف نثمّن اللباس التقليدي في الجزائر، خاصة أنه يجمع بين التراثين المادي وغير المادي؟

❊❊ تثمين اللباس التقليدي ليس بالأمر الهيّن خاصة ونحن في زمن العصرنة، لكن هذا لا يمنع من الحفاظ عليه من الزوال؛ من خلال إنجاز بطاقات تقنية وطنيا للتعريف به، وحث المجتمع المدني على دعم الصناعة التقليدية واللباس التقليدي، إضافة إلى ضرورة دعم السلطات المعنية في إنجاز تصورات آفاقية لتثمين اللباس التقليدي، وذلك بتحضير ملف خاص حوله لتسجيله وطنيا ودوليا.

ماذا تَغير بتلمسان منذ تصنيف الشدة ضمن التراث الثقافي غير المادي للإنسانية؛ أي منذ 9 سنوات؟

❊❊ منذ تصنيف اللباس التقليدي لتلمسان “الشدة”، أصبحت هذه الأخيرة أكثر رواجا وأكثر طلبا من الولايات الجزائرية الأخرى. كما أصبحت تلمسان أكثر وجهة ومحطة للإعلام الثقافي، إضافة إلى أخذها موضوع دراسة أكاديمية من ناحية العادات والتقاليد والتراث غير المادي.

كيف يمكن التعريف بتراثنا محليا ودوليا؟

❊❊ الوسيلة الأنجع في التعريف بتراثنا هي الاعتماد على الإعلام بكل أنواعه، هذا أولا، وثانيا تنظيم الملتقيات العلمية الدولية وحتى الوطنية، لتعميم مفهوم التراث والتبادل الثقافي، إضافة إلى المعارض الثقافية التراثية وطنيا ودوليا، وكل هذه النقاط تستجدي حضور الإعلام حتى تنجح المهمة السامية والهدف الرئيس للفعاليات، والمتمثل في توحيد لباس وطني يمثل الجزائر عالميا.

ماذا تقصدين بذلك؟

❊❊ أقصد اختيار لباس موحد يمثل الجزائر وطنيا ودوليا. وأنا كتلمسانية أو من الصحراء أو من منطقة القبائل أو الشاوية أو أي منطقة أخرى، حينما أذهب إلى الخارج أرتدي البرنوس مثلا، وحينما يشاهدني الآخرون مرتدية هذا اللباس يدركون أنني جزائرية. وفي هذا السياق أدعو إلى أن يكون هناك يوم وطني للباس موّحد، نحتفل به رسميا كل سنة، وهكذا يُشترط في كل المسؤولين الذين يذهبون إلى  الخارج، ارتداء البرنوس مثلا، الذي يصبح اللباس الرسمي الذي يمثل الجزائر وطنيا ودوليا.

كيف يمكن تحقيق الاقتصاد الثقافي؟ وما دور التراث في هذا الشأن؟

❊❊ إن الاقتصاد الثقافي الجزائري كنز يحتاج للتنقيب وإعادة تدويره وصقله والترويج له وطنيا ودوليا، ليعود بفائدة اقتصادية للوطن. فالجزائر لها كم هائل من التراث المادي وغير المادي، مما يعزز التدفق السياحي لها، لكنها تحتاج لاستراتجية دقيقة، ودراسة كل الجوانب لتحقيق النتيجة الإيجابية.

استعانت الجزائر في السابق بمرممين أجانب لترميم بعض معالمها، هل نحن اليوم بحاجة إلى الخبرة الأجنبية في الترميم، أم أن جامعاتنا أخرجت مرممين يمكنهم إنقاذ تراثنا؟

❊❊ على العكس، الجزائر تملك كفاءات قيّمة جدا ورائعة، تحتاج الدعم المعنوي والمادي لإثبات قدراتها على ترميم آثارها، وهذا ما عشته شخصيا كمتخصصة في الصيانة والترميم؛ إذ لاحظت امتلاك الكثير من الطلبة الخبرة في الترميم والصيانة، لكنهم مهمشون، وليس لديهم أي فرصة للعمل!

يحدث في كثير من الأحيان صراع بين دول المغرب العربي حول أصل لباس تقليدي أو أكلة تقليدية، ما الذي يجب فعله في هذه الحال؟

❊❊ أولا، يجب الفصل بين التراث المغاربي ككل، والتراث الوطني. ولكي نقوم بذلك فمن الضروري العودة إلى الضوابط التاريخية والجغرافية التي تتحكم في التراث؛ مثلا إذا تناولنا البرنوس، وهو لباس بربري، فعلينا أن نتساءل عن أصل التسمية؛ نعم من أين جاءت كلمة برنوس؟ ومن هم البربر؟

أقول: لأول مرة ظهر هذا اللباس كزي رسمي في العهد النوميدي، فأول شخص ظهر بهذا الزي هو سيفاكس، والدليل عملة نقدية تُظهر سيفاكس ممتطيا جواده ومرتديا البرنوس؛ إذن إذا عدنا إلى السياق التاريخي نقول إن البرنوس برز في العصر النوميدي. أما عن السياق الجغرافي فيمكن تحديده من بداية حدود نوميديا الشرقية إلى نهايتها. ونفس الشيء بالنسبة لنوميديا الغربية، وهكذا سنحدد جغرافية اللباس وتسميته. وحتى للعامل البيئي مكانة في هذا الموضوع، فيمكن أن نحدد نوعية القماش من خلال العوامل الطبيعية التي أثرت على المكان الذي ينتمي إليه اللباس الفلاني، وكذلك الأكلة تنطبق عليها نفس القاعدة؛ إذ إن الأماكن الباردة تمتاز بالأكلات الثقيلة، والأماكن الحارة تُطبخ فيها الأكلات الخفيفة.

هل تمتلك الجزائر ترسانة قانونية تحفظ تراثنا وتروّج له؟

❊❊ الكلام في هذا الموضوع كبير وشاسع جدا؛ نعم الجزائر لديها قانون 04-98 لحماية التراث. وقد أضفت وزيرة الثقافة والفنون السابقة الدكتورة مليكة بن دودة، بعض التعديلات في ما يخص التراث غير المادي والتي لم تصدر بعد بشكل رسمي، لكن تطبيق هذه القوانين من السلطات المختصة لا يتم بالشكل الكافي، وهنا لا يجب أن نلوم الدولة فحسب، بل يجب توعية المواطن بأهمية تراثه، وأن أذيته للتراث هي المساس به شخصيا، ولهذا حينما نتأسف لقول المغاربة عن جزء من تراثنا بأنه تراثهم، هل ندرك فقط القوانين التي تحمي تراثنا؟ وهكذا  تجاهل المواطن الجزائري هذه القوانين، يساهم في تحطيم تراثه؛ فالمهم هنا أن يعرف المواطن الجزائري القانون الذي يحمي تراثه، ومن ثم يطبقه قبل ما تطبقه السلطات المختصة.

صحيح أن الدولة الجزائرية لديها ترسانة قانونية قوية جدا في ما يخص تراثنا، كما أن قانون 04-98 لحماية التراث مطبق في الإدارات وما شابهها، لكن يجب أن يطبق أيضا من طرف المجتمع المدني. وفي هذا السياق أقترح دمج هذا القانون في البرنامج الدراسي؛ أي تدريس بعض مواده في  كل مرحلة من التعليم؛ حتى يفهم المواطن القوانين التي تحمي تراثنا.

كيف يمكن تحسيس المواطن الجزائري بأهمية التراث، خاصة أنه يعيش تحت ضغوطات عديدة؟

❊❊ أظن أن التراث لا يحسس فقط وإنما هو فطرة، أقصد بذلك أن كل جزائري يملك فطرة تراثية، تحتاج فقط لإيقاظها أو تحيينها؛ لأننا نرى في مواقع التواصل الاجتماعي، تفاعل الجزائريين وغيرتهم على التراث الجزائري حينما يريد البعض السطو عليه.

وأعتقد أن دمج التراث في الحياة الاجتماعية والتعليمية بشكل فعال، سيحفز المجتمع الجزائري على التأقلم مع الوضع التراثي الجديد؛ مثلا، حاليا نعيش أزمة كورونا، وهنا يمكن للشخص أن يبتكر لنفسه تغييرا من خلال العودة إلى التراث، والبحث، مثلا، عن كيفية تعامل الأجداد مع الأوبئة، وما هو الأكل الصحي؟ وهكذا نعود إلى التراث لنقاوم الوضع الذي نحن عليه، هذا من الناحية الاجتماعية. أما من الجانب الاقتصادي فنعود إلى “الصنعة” التي نأكل منها الخبز؛ مثل تربية المواشي بدلا من شراء الحليب، وغرس الخضار بدلا من استيرادها، خاصة أن التعامل مع التراب أمر مهم في الجائحة؛ لأنه عنصر معقم، وهكذا نبتكر مجالا جديدا لتغيير هذا الوضع.

وخارج سياق كورونا، يمكن دمج التراث غير المادي في الحياة الاجتماعية؛ مثلا ننظم ملتقى دوليا، ونخصص للضيوف أكلات تقليدية وحتى من يقدم هذه الأكلات يرتدي لباسا تقليديا خفيفا، يرمز إلى التراث الجزائري، ولا ضرر في أن يكون للباس أيضا لمسة عصرية. كما تكون هناك قعدات تراثية، تقدَّم فيها الأكلات التقليدية، إضافة إلى منح هدايا تمثل التراث الجزائري المادي وغير المادي، كل هذه الأمور تفرض عليك فرضا قاطعا أن تمارس التراث؛ سواء داخل البيت أو خارجه، وكذا داخل الجزائر وخارجها.

لقد لاحظت تطورا كبير جدا وانتشارا فظيعا للتراث الجزائري وطنيا ودوليا، وهذا راجع إلى فئة من المجتمع الجزائري، أفراد وجمعيات نشطة، روّجوا للتراث الجزائري بنفس الطريقة التي ذكرتها؛ أي أنهم  يحضرون الحفلات والملتقيات والندوات بلباس تقليدي، وهكذا سيتعودون على وجود مثل هذه الأمور داخل البيت.

على ذكر كورونا، هل تشارك الدكتورة سميرة في الحد منه بمنطقة تلمسان؟

❊❊ نعم، لقد قمت بعملية تعقيم كبيرة في ولاية تلمسان، مست كل قطاع الثقافة والمرافق الإدارية؛ كالبنوك والمكتبات، خاصة تلك التي توجد في مناطق الظل.