منح دليلة العوفي شهادة دكتوراه بدرجة "مشرف جدا"

"آليات محاربة الجريمة الإلكترونية"

"آليات محاربة الجريمة الإلكترونية"
  • القراءات: 6940
د.مالك د.مالك

تحصلت الطالبة دليلة العوفي على ملاحظة "مشرف جدا"، لأطروحة دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال، عنوانها "آليات محاربة الجريمة المعلوماتية، دراسة حالة الجزائر 2016-2020"، مع تهنئة اللجنة المشرفة وتوصية شفهية بالنشر في دار نشر جزائرية.

أثنى أعضاء اللجنة بعمل الطالبة واعتبروه مرجعا يمكن أن تعتمد عليه الجامعة الجزائرية، في حين اعتبر بروفسور كريم خلفان الأطروحة دليلا لأصحاب القرار، إن أرادوا محاربة الجريمة المعلوماتية في الجزائر، كونها اعتمدت على طريقة الهيئات الدولية في طرح الموضوع من حيث الشمولية.

بخصوص مذكرة تخرجها، تقول الطالبة في مدخل بحثها، إن العالم يشهد في هذه المرحلة المعاصرة تحولات جذرية عميقة، وبصفة مستمرة، في مجال المعلومات والاتصالات بفضل الثورة التكنولوجية التي غيرت حياة المجتمعات بشكل جوهري. وهي مستمرة في إحداث التغيرات في المجالات الأخرى، الثقافية والسياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية.

بات من السهل اختراق مختلف الأنظمة المعلوماتية وتكسير الحواجز الأمنية التي تحمي المعلومة، خصوصا بشكلها الرقمي. فأمام ارتفاع عدد مستعملي الأنترنت في العالم، الذي بلغ عام 2016 حوالي ثلاثة ملايير ونصف (3.424.971.237) مستعمل أنترنت، فإنه لم يبلغ عددهم المليارين(1.766.403.814) عام 2009.

هكذا يزداد عدد ضحايا الجرائم المرتكبة بسبب هذه الشبكة، إما للاستخدام الخاطئ للأنترنت ومختلف تطبيقاتها المتطورة باستمرار، أو بسبب الهجمات الموجهة لأجهزة مستعملي الأنترنت غير المحمية، وفقا للمعايير التقنية المعمول بها، أو بسبب الهجمات الموجهة لهم بصفة عمدية.

أمام كل هذه الرهانات، اندفع المهتمون بأمن المعلومات إلى إجراء العديد من الدراسات واتخاذ مختلف التدابير، بهدف "حماية سرية وسلامة محتوى المعلومات ومكافحة أنشطة الاعتداء عليها، واستغلال نظمها في ارتكاب الجريمة، أو ما يسمى بجرائم الكمبيوتر أو جرائم المعلوماتية".

الجرائم المعلوماتية.. الجرم الجديد

ظهر في المجتمعات نوع جديد من الجرائم هو "الجرائم المعلوماتية" التي يصعب التعامل معها، في ظل قواعد قانونية وجدت خصيصا لمكافحة مختلف الجرائم التقليدية، وهذا النوع يفرض تحديات كبيرة قانونية وتقنية وإجرائية على المستويين الوطني والدولي، مما يتطلب تنسيقا دوليا يفرض تسطير استراتيجية شاملة، تسمح بمواجهة هذه الجرائم الناشئة في البيئة الرقمية، بهدف تعزيز الثقة والأمن في مجتمع المعلومات. كما يتطلب الأمر أيضا، الاهتمام بالحماية الفنية للبيانات المتداولة عبر شبكة الأنترنت أو المخزنة في أجهزة الحواسيب، وكذا مختلف البرمجيات المستعملة، تكون عادة متداولة بين مستعملي الشبكة عن طريق وضع ضوابط على استخدام هذه الأجهزة، بمعنى جعلها أكثر نفعا للمستخدمين وأكثر أمنا، وليس فرض قيود على الاستعمال وكبحا للحريات.

لقد أصبحت الجرائم المعلوماتية تشكل تهديدا حقيقيا لأمن شبكات الإعلام الآلي، أي الاعتداء على البنية التحتية، بما تتضمنه من دخول وخروج وتخزين واعتراض للمعلومات، وتشكل تهديدا لأمن الأنترنت، بمعنى "المواطن الرقمي" و«المستهلك الرقمي"، خاصة ما يتعلق منها بتخريب البيانات الشخصية وتحويرها وتدمير المعطيات والتلاعب بالحياة الخاصة وغيرها، وتعد أيضا تهديدا هاما لاستقرار النظام المالي الدولي، لاسيما الجانب المتعلق بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب عن طريق شبكة الأنترنت.

يتبين من خلال الدراسة، أن من أهم أسباب اختيارنا لهذا الموضوع، حيويته وتشابك أبعاده، إذ تركز مختلف الدراسات الموجودة حوله على البعد القانوني من مختلف جزئياته، حيث انصبت اهتمامات معظمها على القانون المقارن والقانون الجزائري. أما بالنسبة للدراسات التقنية، فهي جزئية ومتفرقة.

لهذا اعتمدت الباحثة على بعض النماذج التي أعدتها بعض الهيئات الدولية المختصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في دراستها لمثل هذا الموضوع، كالاتحاد الدولي للاتصالات، مركزين في ذلك على الإحصائيات التي تحصلنا عليها من طرف الهيئات الرسمية المعنية بمواجهة الجريمة المعلوماتية في الجزائر، رغم أنها ليست كافية لقياس حجم انتشارها.

تبرز أهمية هذه الدراسة في نواح عدة، من أهمها التعرف على أنواع الجرائم المعلوماتية الموجودة في الجزائر، والتي تتطلب وضع قواعد قانونية تواكب التطور السريع والمتنامي للمعلوماتية في حد ذاتها، والتركيز على آليات وجهود مكافحة هذه الجرائم والتصدي لها على جميع المستويات.

مؤشر أمن المعلومات.. أرقام مشكوكة

المؤشر الأمني الذي وضعه الاتحاد الدولي للاتصالات، لقياس درجة تأهب الدول واستعدادها لمحاربة الجريمة المعلوماتية، اعتمدت على 192 دولة بدلا من 193 الذي ورد في تقرير الهيئة المذكورة، حيث استثنت الطالبة اسرائيل، باعتبارها كيانا صهيونا مغتصبا لفلسطين المحتلة، وأجرت مقارنة بين (08 دول عربية) فيما يخص هذا المؤشر، انطلاقا من إحصائيات (الاتحاد الدولي للاتصالات) في 05 تدابير أساسية (القانونية، التقنية والإجرائية، التنظيمية، التعاون الدولي والبناء القدرات البشرية).

توصلت إلى أن تقارير الهيئات الدولية تفتقر للمصداقية، ورغم ذلك، يعتمد عليها الخبراء الجزائريون ويؤكدون هذه النتائج دون تمحيص ولا تدقيق. فبالنسبة لترتيب الجزائر من خلال التقارير السنوية والدورية التي تعدها الهيئات الدولية والإقليمية، لابد أن يعاد النظر فيها، لأن الإحصائيات التي تعتمد عليها غير محينة، فإذا أخذنا مثلا "مؤشر عدد المشتركين في الأنترنت خلال الفترة الممتدة بين 2009 و2016، نجد فيه اختلافا كبيرا مع الإحصائيات الرسمية التي تقدمها الهيئات المختصة في الجزائر، حيث قدر عدد المشتركين في الأنترنت في الجزائر عام 2010 مثلا، حوالي 06 ملايين مشترك، في حين "لم يتجاوز عددهم، حسب الاتحاد الدولي للاتصالات في نفس العام، 05 ملايين مشترك (4700000)"، وقفز عدد المشتركين في الأنترنت حسب الإحصائيات التي قدمتها سلطة ضبط البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية عام 2016، إلى ما يقارب 30 مليون مشترك (29 538 700)، في حين لم يتجاوز عددهم، حسب البنك الدولي من خلال الموقع 15 مليون مشترك، وهو رقم يقترب من الرقم الذي نشرته الموسوعة الحرة "ويكيبيديا"، والذي قدر بـ 17.440.299 مشتركا، وهذا يعني أن العدد الذي نشرته الهيئات الدولية واعتمدت عليه في إعداد تقاريرها الدورية، بعيدا عن العدد الذي قدمته سلطة ضبط البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية بمرتين. وهذا ما جعل الجزائر في المرتبة 36 عالميا من مجموع 214 دولة في ترتيب الدول من حيث استخدام الأنترنت.

نتائج الدراسة

تعد ظاهرة الإجرام المعلوماتي جديدة ومتجددة، لأن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تطور مستمر، مما أثر على تحديد تعريف دقيق لمفهوم الجريمة المعلوماتية وطبيعة أفعالها، فهذا يعني أنه يمكن أن تظهر مستقبلا أنواع أخرى من الجرائم المعلوماتية.  لا يوجد اتفاق كلي بشأن طبيعة الأفعال الخاصة بالجرائم المعلوماتية لدى غالبية الدول في العالم، فما تعتبره دولة جريمة قد لا تعتبره دولة أخرى كذلك، وهذا الاختلاف موجود أيضا حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن هذا الاختلاف في التصنيف فرض نفسه في الجزائر، فرغم أن الجرائم المعلوماتية  متعددة الأفعال، مثلما بينها التصنيف المعتمد من طرف الهيئات الأمنية في الجزائر (الأمن الوطني والدرك الوطني)، إلا أنها لا تشكل أفعالا للجريمة المعلوماتية التي ترتكب بالمعنى الفني الدقيق، بقدر ما هي جرائم تقليدية تستعمل الأنترنت لارتكابها، مثل المساس بالأشخاص عبر الأنترنت (السب والقذف ..)  والاحتيال والتزوير والإعتداء على الملكية الفكرية وغيرها.

تدابير لمحاربة الجريمة المعلوماتية في الجزائر

اتخذت الجزائر، على غرار دول العالم، خمسة تدابير أساسية لمحاربة الجريمة المعلوماتية، وهي التدابير التشريعية والتقنية والتنظيمية والتدابير المتعلقة بكل من التعاون الدولي وبناء القدرات البشرية، بإعادة بعث مشروع مركز الاستجابة لطوارئ الحاسوب "CERT"، خاصة أنه كان مرشحا ليكون رائدا في الدول العربية والإفريقية، مع إنشاء وحدات إنذار مبكر للإبلاغ عن أية عمليات اختراق تتعرض لها أية منظومة معلوماتية في الجزائر.

ضرورة نشر الهيئات المعنية (وزارة الداخلية، وزارة العدل، وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، الأمن الوطني والدرك الوطني)، كل حسب تخصصها لتقارير دورية يطلع من خلالها الجمهور على اتجاهات الجريمة المعلوماتية وأخطارها وعلى المجهودات المبذولة لمواجهتها.

الجزائر مازالت على غرار الكثير من الدول، تستعمل الوسائل التقليدية في التعاون الدولي الرسمي لمواجهة الجرائم المعلوماتية، وهذا لا يتماشى مع طبيعة هذا النوع من الجرائم التي تتطلب السرعة، وتتميز بالديناميكية، لاسيما ما يتعلق منها بالأدلة الرقمية التي تزول بسرعة.

ترى العوفي أن الجزائر بحاجة إلى تنظم لاتفاقية بودابست الأوربية، شريطة تطوير البنية التحتية المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (شبكة الأنترنت)، وتطوير البنية القضائية والأمنية، وجعلها تتماشى مع التطورات الدولية، حتى يمكن لها تطبيق بنود اتفاقية بودابست المذكورة.

إن محاربة الجريمة المعلوماتية في الجزائر مرهون ببناء القدرات البشرية، وهذا لن يتأتى إلا بوضع برنامج وطني لتطوير مهارات المختصين في أمن المعلومات"، الذين يدعمون المؤسسات العمومية والخاصة، من أجل حماية أنظمتها الحساسة من التهديدات من جهة، وزيادة الوعي والتدريب في مجال أمن المعلومات لدى مستعملي الأنترنت من جهة ثانية.

تتطلب محاربة الجريمة المعلوماتية، إيجاد آليات تعاون بين مختلف الأطراف المعنية من حكومة ومجتمع مدني وقطاع خاص وأكاديميين ومؤسسات بحثية، مع  وضع هذا الاهتمام من الأولويات الإستراتيجية للجزائر، باستعمال وسائل الإعلام ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي في التوعية والتحسيس، بتأثير هذه الجرائم ومخاطرها على جميع الأصعدة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.   ضرورة مساهمة متعاملي الهاتف النقال في الحملات التحسيسية عن طريق تخصيص فضاءات في مواقعهم الخاصة، بهدف إعلام الزبائن والمشتركين بالاعتداءات التي قد ترتكب ضدهم (إجراءات وقائية)، وتأمين هواتفهم والتأكيد على سرية المعطيات الشخصية، مع استحداث نظام لغربلة (système de filtrage) وحماية المعلومات غير المؤمنة التي من شأنها تهديد المعطيات الشخصية للزبائن وحياتهم الخاصة.

الحاجة إلى إنشاء تخصصات في المدارس العليا والجامعات تعنى بشؤون أمن المعلومات والجريمة المعلوماتية بدون استثناء، وإدراج برامج خاصة للدراسات العليا، مع تحيينها بصفة دورية، تماشيا مع متطلبات عصر مجتمع المعلومات وإنشاء اختصاصات في هذا المجال، بهدف الاستفادة من خبراتها مستقبلا، وضرورة إدخال مادة "أخلاقيات الأنترنت" ضمن المناهج الدراسية من المتوسط إلى الجامعي.