الكاتب لوحال يستحضر ”نافورات وعيون القصبة” بميدياتيك منتوري

آثار طمست ولم تبق إلا الذكريات

آثار طمست ولم تبق إلا الذكريات
  • القراءات: 1270
مريم . ن مريم . ن

إستضاف ميدياتيك، بشير منتوري أول أمس، الكاتب الصحفي نور الدين لوحال للحديث عن ”نافورات وعيون القصبة” وما يحيط بها من ذكريات وتاريخ وخصوصية ثقافية، وقدم الضيف كتابه الخاص بـ«عيون القصبة”، مؤكدا أن أغلبها اندثر لكنه أشار إلى أنه حاول التوثيق لتلك المعالم لتبقى شاهدة للأجيال.

أكد الأستاذ لوحال (من مواليد سنة 1955 بالقصبة) أن كل قصبات الجزائر تحتاج للدراسة والتوثيق لأنها جزء من تاريخنا الوطني الزاخر، مشيرا إلى أن قصبة الجزائر كتب عنها الكثيرون وبطرق رائعة منهم الراحل مومو الذي قال عن القصبة ”إنها ليست مجرد حومة بل إن القصبة أمة شهدت تاريخا حافلا”.

كما أشار الضيف إلى أنه غاص في تفاصيل يوميات القصبويين الذين رآهم أو يعرفهم منذ أن فتح عينيه على هذه الدنيا منهم مثلا ”عمي أحمد”  ”عمي بلعيد” وغيرهم.. وكلهم حرفيون وتجار. وأوضح لوحال أنه التزم بالكتابة عن قصبته، واصفا إياها بأنها أصبحت ”خطه الافتتاحي” الذي لا يحيد عنه، علما أنه سبق له أن أصدر كتبا عن القصبة بمواضيع مختلفة.

بدأ الضيف حديثه وبالتالي كتابه بالحديث عن ”عين بير جبّاح” التي وصفها بعاصمة القصبة وهي تختصر تاريخ وذاكرة ليس فقط القصبويين بل كل الجزائريين خاصة ما تعلق بتاريخ الثورة التحريرية وهو ما جسدته المجاهدة زهرة ظريف في كتابها، حيث أكدت أنه لولا العيون لمات الفدائيون عطشا ولذلك سميت أبرز عين اليوم بـ«عين الفدائيين”، كما تغنى بها فطاحلة الشعر والطرب منهم الراحلين العنقى ومصطفى تومي.

بالنسبة لباقي العيون (الينابيع والحنفيات العمومية)، فقد شهدت ـ حسب لوحال - صخب الفتيات ولعبهن (سماها تشقلالة) وهن يملأن الأواني والدلاء، كما شهدت لقاء النساء كموعد اجتماعي للحديث والتنفيس عن الذات وبالتالي زدن من أهمية وجمال وذكريات هذه الأماكن.

عين سيدي امحمد شريف المشهورة وعين بير جباح التي صورت بها وعنها عدة أفلام وغيرها ذكرها المتحدث بالتفصيل علما أنه اجتهد في مجال البحث كمؤرخ وأوضح أنه اعتمد أيضا على بعض الكتابات وليس الأرشيف لأنه شبه مفقود، ليصل عند العيون التي اندثرت وحملت معها الذكريات والأحداث ومنها عين المالحة التي طمست وتوجد قرب دار السلطان وعين أخرى بمنطقة طاغاران (فونتان فراش)، وكذا عين ”الهجاجل” التي تأوي إليها المطلقات للشكوى وللاستئناس ببعضهن.

أكد الضيف أن القصبة كانت بها أكثر من 150 عينا، علما أن جل المساجد الـ175 كان بها عيون وأيضا الزوايا وأغلبها طمس أيضا.

قال الضيف إن كتابه هو الأول من نوعه في هذا الموضوع واستغرقت كتابته سنتين (2016-2018) وعرضه أول مرة في الطبعة الأخيرة بالصالون الدولي للكتاب ويتضمن تفاصيل غير معروفة.

معالم تاريخية واجتماعية غائبة

ارتبطت العيون والينابيع أيضا ببعض القيم الاجتماعية والثقافية ومن ذلك منبع ”سبع عيون” بالقصبة وارتبط بالبوقالات، وهنا ذكر أن نساء القصبة كن يجلبن الماء لتحضير ”البوقالة” من 7 عيون مختلفة وطبعا كانت المرأة الشابة لا تستطيع أن تجوب 7 عيون متفرقة في مدينة الجزائر، بل كانت تكلف بذلك المرأة العجوز كي لا تلفت النظر، أو يكلف رجل من العائلة لأداء المهمة، لكن هذا الأخير لم يكن دوما متعاونا حيث يستحي أن يطوف بدلوه (قزديرة) الينابيع فيختصر الموضوع ويتوجه لعين واحدة ولذلك سميت بسبع عيون.

تجاوز الضيف لوحال أحيانا عيون القصبة ليتحدث عن بعض عيون العاصمة منها عين الفحص ببئر خادم، هذه العين التي ارتبطت بخادمة جاءت من إفريقيا وكانت تسقي جنود المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي فسميت باسمها وكانت المياه تتدفق من منطقة العاشور ثم الدرارية لتصل إلى بئر خادم، وكذلك عين تقصراين (القصران) التي أقامها الشيخ علي حفيد الشيخ الحداد. وعن ”العيون” أيضا كان هناك 7 عيون (نافورات) بالأبيار ولذلك سمي بـ«سبع أبيار”، وكانت تمتد من شاطوناف ومن بن عكنون (منها عين زبوجة)، وكانت هناك أيضا عيون بحيدرة وبوادي كنيس وغيرها ردمت كلها، فيما تم السطو على عيون أخرى من طرف الخواص رغم أنها ملك عمومي وتراث.

كما أشار المتحدث أيضا إلى بعض العيون التي لم تبق إلا معالمها ويجهلها اليوم حتى أبناء القصبة منها تلك الموجودة على درب محمد صالح إلى ابن شنب بالقصبة وعددها 4 عيون  وبشارع عرباجي عبد الرحمان، كما تم اكتشاف ينبوعين أثناء ترميم جامع البراني بشارع محمد طالب وعينان أثناء أشغال ميترو الجزائر بساحة الشهداء.

أشار الأستاذ لوحال إلى أن أغلب العيون في القصبة بناها الجزائريون الأمازيغ من أبناء مزغنة وكانت ذات شكل بدائي لكن عند مجيء واستقرار أهل الأندلس بها تطورت وتجملت بفضل علماء الري والمهندسين والفنانين الأندلسيين الذين كانوا يملكون العلم والحرفة واختصوا في الري وفي إنشاء قنوات الصرف والتي تظهر جليا في القصبة ومن ذلك دار السلطان.  وكان في كل دويرة بالقصبة نافورة بوسط الدار الكثير منها نهبت تماما كما نهب الزليج والرخام.

للإشارة، فقد شهد هذا اللقاء الذي حضره جمع غفير من المهتمين بالشأن القصباجي، قراءات شعرية لفوزية لرادي عن ذكريات طفولتها بالقصبة، كما نشطت هذه الأخيرة جلسة بوقال، وأدت المطربة أمينة مقاطع من الحوزي، كما أقيم معرض تشكيلي مشترك لمجموعة من الرسامين.