في ذكرى رحيل سيراط بومدين

«شعيب الخديم» سيبقى نصيرا للمستضعفين

«شعيب الخديم» سيبقى نصيرا للمستضعفين
  • القراءات: 1852
مريم. ن مريم. ن

تعود ذكرى الراحل سيراط بومدين وتعود معها أيام العز التي عاشها الفن الجزائري، وبعد زمن طويل على الرحيل يبقى الرجل حاضرا في مخيّلة الجماهير الجزائرية والمغاربية عموما، حيث كان صوت الشعب والراصد لكلّ الظواهر والمتغيّرات الاجتماعية بأسلوب ساخر ومتهكم، لكنه راق في الطرح ولا يخرج عن نطاق الفن البنّاء، الذي ساد في أوساط جيله من الفنانين والمبدعين. تتذكّره الباهية ومستغانم ومعهما كلّ الجزائر، التي كانت تسكت عندما يتحدث السي بومدين «الله يرحمو».

سيراط بومدين من مواليد 1947 بوهران وتوفي في 20 أوت 1995 بمستشفى مستغانم. اكتشفه أحد عمالقة المسرح الجزائري ولد عبد الرحمان كاكي، وأسند له عدة أدوار في مسرحيات منها «القراب والصالحين» سنة 1966. اشتهر بقدرته الرائعة على تقمّص عدّة شخصيات في نفس الوقت سواء على المسرح أو أمام الكاميرا. كما تميّز بقدراته الإبداعية وتقنياته في التعبير من خلال حركاته الجسمية.

توفي سيراط بومدين في بمستغانم، المدينة التي احتضنت مهرجان المسرح الهاوي في طبعته 27 والتي شارك فيها. بدأ حياته المهنية كضارب على الآلة الراقنة في المسرح. وفي سنة 1965 كانت أول مسرحية له تحت عنوان «إفريقيا قبل العام الأوّل». وفي 1968 انخرط في مسرح الهواة، ثم في المسرح المحترف سنة 1969. شارك رفقة بوعلام حجوطي في مسرحيات «اللثام» و»اللي كلا يخلّص» و»البلعوط». كما شارك في العديد من المسرحيات الخالدة لعبد القادر علولة، مثل «العلق» و»الخبزة» و»حمام ربي» ورائعة «لأجواد».

في سنة 1990 التحق سيراط بتعاونية «أول ماي» التي استحدثها عبد القادر علولة، ثم التحق عامين من بعد بالفرقة المستقلة «القلعة»، التي ضمت السيدة صونيا ومحمد بن قطاف وزياني شريف عياد وعز الدين مجوبي، حيث شاركهم في أداء مسرحيات مثل «ألف تحية للمشردة» للكاتب محمد ديب ومسرحية «آخر المسجونين» لمحمد بن قطاف وإخراج زياني شريف عياد، إضافة إلى مشاركته في أزيد من 20 مسرحية معظمها لعبد القادر علولة. شارك سيراط بومدين في العديد من الأعمال التلفزيونية مثل مسلسل «عايش بالهف» للمخرج محمد حويذق ومسلسل «شعيب الخديم». كما شارك في بعض الأعمال السينمائية مثل «الرماد» للمخرج عبد الكريم بابا عيسى و»حسان نية لغوثي بن ددوش، وفي بطولة فيلم «الصورة» للمخرج الحاج رحيم سنة 1994، وكان آخر عمل له. شارك سيراط في العديد من مهرجانات المسرح المحترف. وقد نال سنة 1986 جائزة أحسن أداء في مهرجان قرطاج بتونس بعد منافسة مع المصري عبد الله غيث. كما كُرم في المهرجان الأول للمسرح المغاربي الذي نُظم بوهران سنة 1995.

مات سيراط على خشبة المسرح، حينها تمت دعوته من طرف المسرح الجهوي لولاية مستغانم لتمثيل وهران في المهرجان الوطني للمسرح، حيث عُين من طرف إدارة مسرح وهران من خلال أمر بمهمة. كان مرهقا بفعل توالي جولاته الفنية، ومع ذلك أصر على المشاركة في المهرجان. بعد تكريمه في ذلك اليوم أحس بمغص في معدته، لتتدهور صحته، فتقيأ الدم، وتم نقله إلى المستشفى، وتم الاتصال بزوجته، فحضرت في اليوم الموالي، وطالبها بأن تعود إلى أبنائه بوهران وترعاهم، وأنه سيأتي في اليوم الموالي، وأمام إصراره رجعت لكن للأسف مات في الغد، وكان قد رفض مرافقة بعض أصدقائه إلى بيوتهم، بل فضل المبيت على الركح بعدما جلبوا له فراشا، مما يبرز تعلقه بالمسرح، ورحل ولم يترك وراءه دينارا ولا درهما، وظلت عائلته تلهث وراء حقوقه وتعيش على الكفاف. وكغيره من العمالقة، فقد عمل من أجل فنه ووطنه والتزم صف الكادحين، ما خلّده في قلوب كل الجزائريين.

اليوم يطلب جمهوره الواسع من داخل الوطن ومن بعض الجيران، أن تعاد أعماله على الشاشة الصغيرة، منها ما لم يُبث، كتمثيلية يناير التي أداها مع الراحل بن قطاف ووردة آمال. وظل الراحل سيراط بومدين يستثمر في جيل الشباب، ويتوسم فيه خيرا ويمده بكل ما يملك حتى ينهض بالفن ويكون امتدادا لجيله ولجيل من سبقوه، لذلك أسس جمعية «ناس الموجة» المسرحية بمستغانم، وظلت ملتزمة وسائرة على الدرب ووفية لأستاذها من خلال الوفاء لعائلته.