أبرزت مشاهد عنف وتنكيل غير مسبوقة

«خريف» تعرّي الصمت العربي

«خريف» تعرّي الصمت العربي
  • القراءات: 1438
رضوان.ق رضوان.ق

كما كان منتظرا، التزم المخرج العراقي صميم حسب الله بالتصريحات التي أطلقها خلال ندوته الصحفية التي سبقت عرض مسرحيته «خريف»، وهي المسرحية التي انطلقت من فكرة القتل الطائفي بالعراق، وهو المشهد الذي سيطر على كلّ الجمهور قبل دخوله قاعة العرض الخاصة، التي كانت كذلك لأوّل مرة، قاعة للعرض خارج المسرح العادي، حيث اختار المخرج وفريق العمل قاعة الميدياتيك الواقعة بالمكتبة البلدية «بختي بن عودة» ببلدية وهران.

بداية العرض انطلقت بأصوات صاخبة ممهدة لمشهد مرعب تصاعد معه الدخان واللون الأحمر الرامز للدم، ومعه تعالت أصوات أنين وصراخ لرجل يتعذّب ظهر وهو يسحل على الأرض، ليتبعه رجل آخر يعذب كذلك لكن بطريقتين مختلفتين، الأوّل يعذَّب من طرف وحش بشري متعطّش للضرب وهو يحمل خنجرا. أما الثاني فسفاح سادي، ظهر ذلك من خلال تعامله مع ضحيته وحركاته السادية. ومع تواصل التعذيب إلى أقصى درجاته قرّر المعذِّبان قتل ضحيتهما بإشعال النار فيهما بعد رشهما بالبنزين... غير أنّ ارتفاع صوت الأذان كان سببا في توقف الوحشين عن إتمام جريمتهما، وهو ترميز اعتمد من خلاله المخرج على إيصال رسالة وجود طائفة تقتل لكنها تحترم الأذان، الأمر الذي ذهب بالجمهور إلى تحليل هوية هذه الطائفة وانتمائها الديني.

وعلى مر 45 دقيقة، فضّل المخرج عدم إدراح أيّ حوار بين الشخصيات الأربع للعرض المسرحي، فيما اعتمد على لغة الجسد من خلال مشاهد التعذيب والتنكيل والسحل على الأرض، مع سيطرة الدم كمشهد بارز، أعطى للعرض نوعا من الترهيب، كدلالة على ما يعانيه الموقفون في العراق ممن يقعون تحت طائل الخطف والتعذيب من طرف طوائف دينية لا يهمّها سوى القتل.

مع تواصل العرض الذي خلا من أيّ موسيقى أو إضاءة خاصة، انتقل المخرج إلى مشهد ثان، مشهد المحاسبة وتقاذف المسؤولية، حيث خرج الشخصان اللذان كانا يقومان بالتعذيب وهما في حالة يرثى لها؛ فالسادي أصيب بالعمى، والثاني هرم ولم يعد يقدر على المشي، فيما لم تفارقه الأغلال مع إبقاء خنجره. كما ظهر الضحيتان كذلك، وكلّ الشخصيات تلبس الأبيض، لينطلق العرض في مشهد ثان للمحاسبة وتقاذف المسؤولية، وسط بحث من الضحيتين عن سبب حبّ القتلة القتل وسط تساؤلات إن كانا الجلادان قد ندما على ما فعلاه، وهو ما لم يعترف به أحد الجلادين الذي كان المسيطر على الحوار، فيما لم ينطق الجلاد الثاني، وهو السادي، بأي كلمة طيلة العرض.

مع تواصل الحوار الناري بين شخصيات المسرحية تواصلت مشاهد العنف والضرب بين الشخصيات، ومع استمرار ذلك يقوم أحد الضحايا بنزع كساء الجلاد، ليلبسه ويتوجّه إلى القاعة بالحديث ولغة حوار وتأنيب مباشرة للمجتمع (الذي كان يقصد منه الدول العربية)، التي حمّلها ما يحدث في العراق من قتل وتنكيل وتقتيل طائفي، بالقول: «هناك مسؤولون كانوا منشغلين في الجانب الآخر من المذبح»؛ في تلميح إلى بعض الدول العربية، مضيفا: «رأيتمونا نقتل ولم تتحرّكوا، أنتم تتحمّلون المسؤولية كما نتحمّلها نحن»، لينتهي العرض بجملة «بئسا لكم».