عبد المالك مجوبي يعرض بمتحف الفنون الجميلة
70 لوحة عن نور الليل وسكونه
- 854
لطيفة داريب
سبعون لوحة للفنان التشكيلي عبد المالك مجوبي تزين متحف الفنون الجميلة، من خلال معرضه الذي تتواصل فعاليته إلى غاية 19 فيفري المقبل، بعنوان "تتضح الرؤية في الظلام"، فهذا الفنان المرموق شرع في الرسم منذ كان يافعا، ثم التحق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، حيث تطورت موهبته وارتدت لباسا أكاديميا، وأصبحت لوحاته بعدها مؤسسة على بعض القواعد، لا يزال إلى حد اللحظة يتبعها، مثل استعماله الطاغي للون الأزرق بتدرجاته المختلفة، وكذا اعتماده على أشكال هندسية في غاية التوازن.
سبعون لوحة للفنان التشكيلي عبد المالك مجوبي تزين متحف الفنون الجميلة، من خلال معرضه الذي تتواصل فعاليته إلى غاية 19 فيفري المقبل، بعنوان "تتضح الرؤية في الظلام"، فهذا الفنان المرموق شرع في الرسم منذ كان يافعا، ثم التحق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، حيث تطورت موهبته وارتدت لباسا أكاديميا، وأصبحت لوحاته بعدها مؤسسة على بعض القواعد، لا يزال إلى حد اللحظة يتبعها، مثل استعماله الطاغي للون الأزرق بتدرجاته المختلفة، وكذا اعتماده على أشكال هندسية في غاية التوازن.
لم يكن الفنان مهندسا، لكنه تأثر بالفنان سيزان الذي مهد للتكعيبية، فكان يحبذ تقسيم العالم إلى أجزاء يمكن التعرف عليها بسرعة، بغية تركيبها واستعادة الأساس منها. كما يهدف الفنان من خلال لوحاته هذه، إلى تشييد نظام يعتمد على التوازن، علاوة على اهتمامه الكبير بالجانب التقني، وهو ما يظهر جليا في مواضيعه، وحتى في ألوانه التي تظهر وكأنها تخضع لحركية، تدفعها إلى ولادة مواضيع وألوان جديدة.
حب الفنان للأسلوب التجريدي، لم يمنعه من إضفاء تلميحات لمواضيع لوحاته، مثل لوحة "الموديل"، في حين أفصح بشكل جلي، عن موضوع لوحاته في "الطبيعة الصامتة"، وعشق الفنان لليل، لهدوئه، صمته وأسراره، جعله يرسمه في أكثر من لوحة، فهو الرسام الشاعر الذي لا يتردد في البوح، ولا يتوقف عن التغلغل في تفاصيل قد تبدو للكثيرين بسيطة، إلا أنها عميقة لدرجة لا تصدق.
في هذا السياق، يهتم عبد المالك، الذي أهدى معرضه هذا للمدير الأسبق للمدرسة العليا للفنون الجميلة الراحل جمال لعروق، بإخفاء عنصر ما وإبراز عناصر أخرى، مثل تعمده إخفاء الضوء مثلا، وإبراز ألوان باردة، مثل الرمادي الرصاصي في لوحة "من النافذة"، والأخضر الساحر في لوحة "أخضر بكل بساطة"، والمزيد من الأزرق بكل تدرجاته في لوحات "إنه أزرق" و"المرسى2" و"الشجرة الزرقاء".لا يهتم الفنان بالتعبير عن الواقع أو ما يسمى بالعالم المرئي، مثلما يراه الناس، بل مثلما يراه هو، مع إضفاء المزيد من الشاعرية، تدفع بلوحاته لأن تكون أكثر حضورا، وكأنها لا تسعى إلى تزيين جدران متحف الفنون الجميلة، بل في أن تكون جزء منها، لتتحول من ضيف إلى صاحب الدار.
ومع حبه للتغيير ورفضه للسكون، قد يكون الليل في لوحة من لوحات عبد المالك مجوبي ساكنا يحتضر، وفي لوحات أخرى مفعما بالحياة. فهو مولع بسحر المكان، رغم أن اختياره لليل قد يقدم له خدمة إخفاء العديد من الأمور التي قد يرسمها، لكن بشكل غير مباشر، أو أن تكون متخفية في جنحة الليل.أما عن علاقته بالزمان، فتتأتى من خلال اختياره لليل، لتلك الساعات المتأخرة من اليوم، حيث يمكن أن يحدث فيها ما لم يكن في الحسبان. ألم يعنون معرضه هذا "تتضح الرؤية في الظلام"؟. وفي هذا رسم مجوبي، وهو مدير المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بعزازقة، لوحة "ليلة هنيئة"، ولوحة "ليلة باردة في سطيف".
كما يرسم شخصياته بشكل محتشم، أي أنه يرسمها في شكل ظلال، كما يحب رسمها بشكل منفرد، ولا يرسمها جماعات. بالمقابل، لا يرسم الفنان الطبيعة وحسب، بل يهتم بدرجة كبيرة، بكل ما يتعلق بالجانب التربوي والثقافي والاجتماعي للإنسان، مثل لوحتي "زوج" و"أم وابن".تأثر عبد المالك مجوبي بالعديد من المدارس والأساليب الفنية، بارز حقا في هذا المعرض، رغم أن أعماله المعروضة حاليا بالمتحف، معظمها مرسومة بالأسلوب شبه التجريدي، لكنه في نفس الوقت، هو متأثر بالمدارس التعبيرية والسريالية والتكعيبية والواقعية. وعبر الفنان في معرضه هذا، عن ولعه بالموسيقى، مثل لوحة "على البيانو"، رغم أن كل لوحاته تنبض شاعرية، ويخيل للزائر أنه يسمع أصواتها لشدة قوتها التعبيرية.
كما رسم الفنان لوحة "أكوايزار2"، التي أعاد فيها مشهدا من فيلم يحمل نفس العنوان، وأضفى عليه الكثير من الغموض، مثل معظم لوحاته، ورسم أيضا في لوحات من الحجم الكبير، عوالم قد تبدو غريبة، لكنها معبرة عن غرابة واقعنا، مثل لوحات "ممر تصويري" و"تركيبة ج" و"مادة مبهمة"، وجاءت لوحة "عن قريب" مختلفة كثيرا عن قريناتها، رسم فيها الفنان بوضوح رجلا يقود أوركسترا تتشكل من قوارب، ويضع أمامه ورقة مكتوب فيها "نوتة، رسمة، شباب وميلاد أمل"، ورسم فيها أيضا طفلا يتأمل الرجل. كما رسم لوحة "قاعة 30"، عرفانا لما قدمته المدرسة العليا للفنون الجميلة، التي كان طالبا بها، ثم أستاذا، وكذا لوحة "المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية والفنون الجميلة".