المجاهد الصالح زردومي واحد من الرعيل الأول

شمعة في درب الحرية تنطفئ

شمعة في درب الحرية تنطفئ
المجاهد الصالح زردومي المعروف باسم "سي الصالح أو باله"
  • القراءات: 753
 ع.بزاعي  ع.بزاعي

وُوري جثمان المجاهد الصالح زردومي المعروف باسم "سي الصالح أو باله"، بمقبرة طريق تازولت بباتنة، نهاية الأسبوع، وسط حضور مكثف لشخصيات بارزة، ورفاق السلاح، ومواطني ولاية باتنة وأهله من منطقة إينوغيسن وإشمول، وسط أجواء جنائزية مهيبة. وكان الفقيد الذي وُلد في 1932 بزلاطو بالمكان المسمى "إسوكسار" ببلدية إينوغيسن، التحق بالرفيق الأعلى يوم الخميس الماضي بالمستشفى الجامعي بباتنة عن عمر يناهز 90 سنة، بعد صراع طويل مع المرض، ألزمه الفراش. وتوافد، منذ الساعات الأولى، جمع كبير من المعزين ورفقاء الكفاح وأقارب المرحوم، على بيت العزاء المخصص لنعش المرحوم، لإلقاء النظرة الأخيرة عليه، والترحم على روحه.

وفي كلمة تأبينية للأستاذين زردومي أحمد المدعو محمد أو ابراهيم وغقالي بلقاسم أحمد، أبرزا مناقب الراحل، الذي سخّر حياته فداء للواجب الوطني. الراحل زردومي كرس حياته مناضلا للقضية الجزائرية، ثم مكافحا عبر ربوع الأوراس. ويُعد الفقيد من الرعيل الأول للثورة التحريرية، التحق بها سنة 1954 رغم صغر سنه، مؤمنا بقدسيتها، فأخلص لها قلبا وقالبا. وانخرط في العمل النضالي في صفوف الحركة الوطنية، لمقاومة المستدمر الفرنسي في سنة 1950؛ حيث عُين نائبا للسيد عاشوري أونيس الذي كان على رأس فرع منطقة إينوغيسن لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وساهم في توعية المواطنين وتعبئتهم سياسيا بالاتصالات المباشرة. وساهم في مساعدة عائلات المسجونين. وكُلف بالأعمال التي تناسب قدراته؛ كتنفيذ العمليات الفدائية. وشارك في قطع أعمدة الهاتف، والحراسة، ونصب الكمائن بين شيليا ويابوس. كما عمل مع عدد من القيادات؛ منهم: عاجل عجول، ومسعود مختاري وغيرهما. وبعد أن قرر القائد مصطفى بن بولعيد التوجه إلى تونس بنية جلب السلاح، تم إرساله رفقة المجاهد حمزة أحمد أزروال، إلى جبل عالي الناس، ضمن استراتيجية وضعتها قيادة الثورة لتأمين الطريق المؤدية إلى تونس من جهة الصحراء.

وشارك المجاهد الصالح زردومي في عدة معارك وكمائن، وفق ما نقل الأستاذ مصطفى عاشوري أحد أقرباء الفقيد عبر صفحته النشاط الثقافي، والذي أنجز له عملا عن سيرته، ونشره للمرحوم سنة 2016. ونقلا عن المصدر، فقد عايش المرحوم الظروف الصعبة التي مرت بها قيادة الولاية الأولى بسبب الخلافات السائدة بين مختلف الأطراف، وكان قريبا من عاجل عجول، ومسعود عايسي (المسعود أو عيسى)، ومحمد الصغير تيغزه، ومختاري مسعود وغيرهم. وفي سنة 1957 أُلقي عليه القبض وكان في مهمة جلب السلاح من تونس رفقة المجاهدين علاوي أحمد وعمر عايشي (عمر أو العايش)، إثر وشاية لا يُعلم مصدرها. وتمت محاكمته بالجزائر. وصدر ضده حكم يقضي بسجنه ثماني (08) سنوات مع النفي ثماني (08) سنوات، وحرمانه من حقوقه المدنية لمدة ثماني (08) سنوات أخرى.

وقد خضع لعمليات التعذيب عبر سجون بوشبكو، وتبسه، وخنشلة وبوحمامة إلى غاية يوم 05 أفريل 1962؛ حيث أطلق سراحه، فالتحق، من جديد، بصفوف جيش التحرير الوطني. وساهم في عدة أمور تنظيمية في كل من منعة وآريس وبوزينة، إلى غاية إحالته على لجنة الانتظار بشعبة أولاد شليح، ليتقرر إعفاؤه من الخدمة بسبب معاناته من ضعف البصر نتيجة تلقّيه إصابة في إحدى عينيه في إحدى المعارك قبل سجنه، ثم حُول إلى باتنة، ليتم تسريحه بأجرة كانت تقدر بـ 100دج. ودرس القرآن بإينوغيسن. وشارك في تقديم خدمات لأهل بلدته. وأشرف على تدريس مجموعة من الطلبة ممن حفظوا القرآن الكريم أو ما تيسر منه وتحكموا في القراءة والكتابة، خاصة ممن يقطنون في تيمشتاوين وإسوكسار وتاجرنيت، وأرسلهم إلى السيد رحماني محمد بباتنة، الذي أدخلهم المركز لمزاولة دراستهم، وتخرجوا فيما بعد إطارات، ومنهم حتى من واصل دراسته في المشرق العربي.

كما يُعد المرحوم زردومي من الشخصيات الجزائرية النادرة؛ إذ عايش أحداثا تاريخية كبيرة، وشخصيات وطنية عدة خلال الثورة وبعدها. وبعد الاستقلال شغل منصب عون في قطاع التربية إلى غاية إحالته على التقاعد سنة 1990. وكان خلال سنة 1970 انتُخب نائبا لرئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية إشمول آنذاك، ممثلا لقرية إينوغيسن؛ باعتبارها تابعة لها إداريا، ليتفرغ بعد ذلك لشؤونه الخاصة، وملازمة بيته... ولاتزال خزانة ذاكرته بالأسرار تحتاج إلى استثمارها؛ لإماطة اللثام عن العديد من القضايا التاريخية بالمنطقة؛ حيث كان يقيم في حي 1050 مسكن (الصوندا) بآريس قبل وفاته.