شهادات عن آثار التفجيرات النووية بمنطقة رقان

جريمة حرب ينكرها المستعمر

جريمة حرب ينكرها المستعمر
  • القراءات: 1744
بلقاسم بوشريفي بلقاسم بوشريفي

في كل سنة، يتذكر سكان منطقة حمودية برقان جنوب ولاية أدرار الجريمة النووية التي فجرتها فرنسا الاستعمارية، وجعلت من أهلها فئران تجارب، ومن طبيعتها الخصبة الشاسعة فضاء للجريمة.. لم تبال فيها بالقيم والأخلاق ولا بعواقبها التي لا يزال أهل المنطقة يدفعونها غاليا إلى اليوم.

يواصل المؤرخون والباحثون جهودهم لتسليط الضوء على حجم المعاناة، جراء انتشار الإشعاعات النووية والإصابات السرطانية. تنقلت ”المساء” إلى منطقة رقان للوقوف ونقل شهادات حول الآثار التي خلفتها التفجيرات التي وقعت بتاريخ 13 فيفري سنة 1960.

قدم سكان بلدية رقان شهادات مؤلمة لـ ”المساء”، خاصة ما تعلق منها بالآثار الناجمة عن التفجيرات التي لا تزال آثارها باقية، وتمتد إلى يومنا على الرغم من مرور 60 سنة عليها، علما أن الأخطار الإشعاعية النووية في تزايد مهول نتيجة زحفها، ما سبب ظهور عدة أمراض سرطانية إلى جانب تأثيراتها على البيئة. جدد أهالي منطقة رقان مطالبهم إلى السلطات الفرنسية بضرورة التعويض المادي عن كل ما لحق بهم من أضرار، إلى جانب إنجاز مستشفيات لعلاج المتضررين من أمراض سرطانية، علما أن هؤلاء يصرحون بأنه مهما كان حجم التعويضات فإنها تبقى غير كافية ولن تعوضهم عن كل الأضرار التي لحقت بهم، والتي تنتقل إلى الأجيال خاصة الصحية منها، حيث لوحظ أطفال مولودون بتشوهات خلقية. وحسب بعض الأطباء من مستشفي رقان، فإن السبب يعود إلى انتشار الإشعاع النووي الذي أثر على الجينات.يذكر شاب في عقده الثالث يدعى إبراهيم بأن التفجيرات النووية الفرنسية حولت الحياة في المنطقة إلى جحيم، على الرغم من مرور الزمن لكن آثارها باقية.

وكشف المتحدث عن تزايد عدد الأمراض في العقدين الأخيرين، مشيرا إلى أن سكان رقان كانوا بعد الاستقلال يتنقلون إلى أماكن التفجيرات لنقل الحديد وصفائح الزنك لاستعمالها في تغطية أسقف المنازل، ولم يكن السكان على دراية بخطرها، مضيفا أن قصر تاعرابت بالمنطقة يعد من أكثر المناطق تضررا، وهو يضم مئات العائلات، تم به إحصاء 50 إعاقة بالصم الكم، إلى جانب عدة إصابات أخرى بالسرطان والتشوهات الخلقية وضعف البصر. ويضيف نفس المتحدث بأن بعض السكان الذين يجهلون تأثيرات هذه الإشعاعات الموجودة في مادة الحديد لا يزالون يستعملونها في أسقف المنازل إلى يومنا هذا.

السرطان وضعف البصر والتشوهات الخلقية أكثر الأمراض المنطقة...

وعن أكثر الأمراض انتشارا في صفوف السكان، يتحدث طبيب عام  بمستشفى رقان عن السرطان والتشوهات الخلقية وانتشار الإعاقات خاصة الصم البكم والإعاقات الحركية والذهنية والإجهاض.. وكلها ـ حسبه ـ نتيجة آثار الإشعاعات النووية. كما توقف أيضا عند أمراض جديدة نادرة غير معروفة من قبل، يرجح أنها راجعة هي أيضا لآثار الإشعاعات النووية التي بدأت تزداد في العقود الأخيرة.

وفي السياق ذاته، تحدث عدد من أهالي رقان في شهاداتهم عن آثار التفجيرات وانتشار أمراض ضعف البصر. ويؤكد هؤلاء بأن الأمر لا يتعلق بكبار السن فقط، بل حتى الأطفال الذين أصيبوا بهذا المرض، وهو ما يؤكد ـ حسبهم ـ امتداد آثار هذه الإشعاعات وتزايدها خلال السنوات الأخيرة. من جانب آخر، وفي الوقت الذي اختار أغلب السكان الصمود والبقاء في رقان ومواجهة هذه الأخطار الناجمة عن التفجيرات النووية، اختار آخرون الرحيل والتوجه إلى المناطق الأخرى كأدرار وتمنراست هروبا من جحيم وآثار هذه التفجيرات والبحث عن مكان آمن لا تصله آثار الإشعاعات النووية لهذه التفجيرات.

أراضي فلاحية شاسعة تحولت إلى جرداء

تحدث السكان عن التأثيرات الكبيرة للتفجيرات على قطاعي الفلاحة والبيئة. ويؤكد العديد منهم في شهاداتهم بأن الأراضي الفلاحية بالمنطقة تحولت إلى أراضي قاحلة وجرداء، ووقفت ”المساء” بالمنطقة على أراضي مجاورة لقصر الرقاني فوجدتها خالية من أي نبات أو شجر بعد أن كانت من الأرضي المنتجة.

ويذكر في هذا الإطار أحد سكان القصر المدعو محمد بأن رقان في سنوات الثمانينيات كانت تصدر الطماطم إلى أوروبا، في حين أنها اليوم تراجع إنتاجها بشكل كبير كما تراجع إنتاج القمح والحبوب المختلفة ولم يعد المحصول وافرا كما كان عليه من قبل، لقد تأثرت أشجار النخيل هي الأخرى بالتفجيرات النووية. وتحدث أحد المسنين المهتمين بالفلاحة أثناء تواجد ”المساء” بقصر الرقاني عن الحالة التي أصبحت عليها أشجار النخيل  التي ذبلت أغصانها وتساقطت، ولم تعد مثمرة. ونظرا للتأثر الكبير لقطاع الفلاحة بالتفجيرات النووية وتراجع المساحات الزراعية الكبيرة، لجأ السكان إلى مهن أخرى لا علاقة لها بالفلاحة لسد حاجياتهم.

مطالب التعويض قائمة والكشف عن الملف السري لتطهير المنطقة من الإشعاعات

يجدد سكان منطقة رقان مطالبتهم للسلطات الفرنسية بتعويضهم جراء التفجيرات النووية التي حولتهم إلى فئران تجارب، واعتبار ما حدث جريمة ضد الإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي، مؤكدين على أنهم لن يتنازلوا عن الحقوق مهما طال الزمن ومهما كانت قيمة التعويضات المالية التي لا تساوي شيئا أمام ما أصابهم، والمطالبة أيضا من فرنسا ببناء مستشفيات ومراكز صحية بالمنطقة لعلاج المرضى والمتضررين من هذه التفجيرات، كما فعلته مع دول أخرى نفذت فيها تفجيرات وارتكبت فيها جرائم. أكد السكان بأنهم يضطرون لعلاج المتضررين بالتوجه نحو المستشفيات الكبرى بأدرار والولايات المجاورة في ظل غياب مرافق صحية كافية بالمنطقة، ويجمعون بأن علاج الضحايا يبقى مسؤولية السلطات الفرنسية التي يتوجب عليها التكفل بهم.

كما أصبح مطلب الكشف عن الملف السري بغية تطهير المنطقة من انتشار الإشعاعات النووية التي ما تزال تؤثر على صحة سكان المنطقة وبيئتهم. وتم إطلاق عدة حملات تحسيسية ـ حسب رئيس جمعية 13 فبراير الهامل بن عمر برقان ـ لمنع المواطنين من الاقتراب من مكان الانفجار بحمودية نحو 60 كلم عن بلدية رقان وعدم جلب أي مادة حديدية أو غيرها المشبعة بالأشعة النووية، كما طالب الباحثين والإعلاميين بمواصلة كشف حجم معاناة سكان المنطقة من تلك الآثار التي خلفها التفجير النووي.

الباحث عبد الرحمن لمحرزي يؤلف ”رقان صراع الموت والحياة”

تدعمت المكتبة الأكاديمية للبحوث الجزائرية بمؤلف جديد صدر مؤخرا للأستاذ الباحث عبد الرحمن لمحرزي بعنوان ”رقان صراع الموت والحياة.. جرائم فرنسا النووية”. سلط المؤلف الضوء على قضية التفجيرات النووية الفرنسية بمنطقة رقان جنوب أدرار سماها بـ"الطريق إلى رقان”، مذكرا بالآلام القائمة والمتواصلة وانعكاساتها السياسية والبيئية. يحوي الكتاب 202 صفحة، ويقدم مادة أكاديمية للباحثين والمهتمين حول مختلف الجوانب المتعلقة بالقنبلة النووية، وفي ستة فصول يستعرض فيها الكاتب الأهداف السياسية والتأثيرات البيئية والصحية وقد ربط فيه بين العمل النظري والميداني من خلال شهادات مع عمال بالمنشأة النووية والضحايا.

ويأتي الإصدار متزامنا والذكرى الستين للتفجيرات النووية في 13 فبراير 1960.الأستاذ عبد الرحمن لمحرزي يعتبر من الباحثين القلائل في المنطقة، المهتم بتاريخ الجزائر وله عدة كتب تطرق فيها إلى عدة مراحل من تاريخ المنطقة في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وهو مدير متحف المجاهد لولاية أدرار، وقام بالبحث في تاريخ المنطقة على مدى 23 عاما ويستعد حاليا لمناقشة رسالة دكتوراه في التاريخ بجامعة أدرار، حيث أكد بأن تطرقه لقضية التفجيرات الفرنسية بمنطقة رقان كان بغية إيصالها وبصرخة عميقة إلى العالمية جراء المعاناة القائمة التي خلفتها القنبلة النووية على أهلنا وبيئتهم المعاشة إلى اليوم، مطالبا بتسليط الضوء أكثر لأن الإشعاعات النووية ما تزال تحصد الأرواح وهذا واضح من حجم الأمراض السرطانية التي تسجل كل سنة برقان.

16 باحثا جامعيا يؤلفون كتابا حول التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية

قامت مجموعة من الأساتذة والباحثين الجامعيين مؤخرا من مختلف جامعات الوطن، بالتعاون مع جامعة أدرار بإصدار أول مؤلف ذو ترقيم دولي، حيث تناول مقالات بالعربية والفرنسية من طرف أساتذة وباحثين من مختلف جامعات الوطن، تناولت قضية التفجيرات النووية بالصحراء الجزائرية، منها التفجير النووي بمنطقة حمودية برقان جنوب ولاية أدرار وكذا منطقة إينكر بولاية تمنراست التي قام بها المستعمر الفرنسي والتي تركت أثرا بليغا في حياة الأفراد وصحتهم والضرر الذي لحق أيضا بالبيئة، كما تطرق الأساتذة إلى جملة من المواضيع بغية تسليط الضوء حول قضية التفجيرات النووية بالصحراء الجزائرية والتي ما يزال السكان يعانون منها إلى اليوم.

المؤلف يعرض لأول مرة أمام القراء والطلبة والباحثين في الذكرى السنوية يوم 13 فيفري 2020 بجامعة أدرار حتى يلم الجميع بهذه القضية التي تبقى شائكة ومرفوعة أمام الاستعمار الفرنسي بغية الاعتراف والتنديد والاستنكار وتعويض الضحايا، مع المطالبة بكشف الأرشيف حول هذه الجريمة.


جمعية 13 فبراير 1960 برقان

تصنيف التفجيرات جريمة ضد الإنسانية

جددت جمعية 13 فبراير 1960 برقان بولاية أدرار، أمس، دعوتها لتصنيف التفجيرات النّووية التي أجرتها فرنسا الاستعمارية بمنطقة حمودية قبل ستين عاما جريمة ضد الإنسانية، بالنظر لما خلّفته من آثار مدمرة على صحة الإنسان والبيئة، حيث أكد رئيس الجمعية الهامل سيد أعمر، في تصريح لـوكالة الأنباء الجزائرية عشية إحياء الذكرى الستين لهذه التفجيرات النّووية، على مطلب الفعاليات المدنية بالمنطقة المتمثل في ”تصنيف التفجيرات النّووية الفرنسية بصحراء الجزائر جريمة ضد الإنسانية”.

وأعرب رئيس الجمعية عن ”رفض كل أشكال التهرب و المماطلة التي تنتهجها فرنسا في مسار الاعتراف بهذه الجريمة النّووية البشعة التي ارتكبت ضد الإنسان والبيئة”، مشيرا إلى أنه يتعين إدراج هذه التفجيرات النّووية ضمن البرنامج الدراسي بالمؤسسات التربوية كجزء هام من الذاكرة التاريخية للوطن. وأكد رئيس الجمعية، أن الاعتراف بالجريمة وتطهير منطقة حمودية من مخلّفات الإشعاعات النّووية يبقى وحده العامل الكفيل بحماية البيئة العامة للمنطقة، وإنهاء مسلسل الخوف الذي ظل ملتصقا بحياة سكان المنطقة لاسيما في ظل توفر التكنولوجيات الضامنة لتحقيق ذلك.

ق. و