مخطط حكومة تبون

الأولوية للمردودية، تحصيل حقوق الدولة وترشيد الدعم

الأولوية للمردودية، تحصيل حقوق الدولة وترشيد الدعم
  • القراءات: 1543
محمد. ب محمد. ب

يرمي مخطط عمل الحكومة إلى ضمان الانتقال المرن نحو منظومة اقتصادية عصرية متحررة من المحروقات، بدون الإخلال أو التخلي عن المكاسب الاجتماعية، هذا ما أكده الوزير الأول عبد المجيد تبون خلال رده نهاية الأسبوع على تساؤلات النواب وأعلن في سياق متصل، عن قرارات حاسمة لتفعيل محاور المخطط في شقيها الاقتصادي والاجتماعي، أبرزها رفع التجميد عن المشاريع العمومية، وتصويبها بمنح الأولوية للمشاريع التي تحمل طابعا اقتصاديا جواريا ومردودية اقتصادية كبيرة وسريعة، ومضاعفة جهود دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومنع الاحتكار الاقتصادي، وترشيد الدعم الاجتماعي بتوجيهه لمستحقيه، مع تمكين الفئات الهشة من إعفاءات في الضرائب والرسوم.

تبون أوضح في نفس السياق أن الحكومة تعتزم ترجمة محاور مخططها إلى برامج قطاعية مشفوعة بآجال تنفيذ دقيقة ومخصصات مالية للتنفيذ، لافتا إلى أن مشروع قانون المالية لسنة 2018 سيرفع من الغلاف المالي المخصص لإطلاق العديد من المشاريع الاقتصادية والتنموية عبر كامل التراب الوطني..

ترشيد الاستيراد وتوسيع التحصيل الضريبي

وستواصل الحكومة، حسب السيد تبون، جهودها للحد من الاستيراد بدون إحداث أي ندرة أو خلل في تموين السوق، موضحا في هذا الصدد أن الهدف من هذه الجهود هو حماية الإنتاج الوطني وترشيد عمليات الاستيراد.

وكشف في هذا الخصوص أن فاتورة الاستيراد تقلصت من 60 مليار دولار في 2014 إلى 46 مليار دولار في 2016، مضيفا أن الحكومة ستعمل بفضل سياسة تقليص واردات الكماليات ومكافحة الفوترة المبالغ فيها، على تقليص العجز في الميزان التجاري من 16 مليار دولار في 2016 إلى أقل من 10 ملايير دولار مع نهاية العام الجاري. كما لفت نفس المسؤول إلى أن التحسن المرتقب في أسواق النفط وتوسيع تحصيل الجباية العادية على المستوى الداخلي، من شأنه أن يشكل واردات إضافية تغطي ميزانية التسيير.

الاعتماد حصريا على الموارد الذاتية

كما أشار الوزير الأول إلى أن الحكومة لن تلجأ إلى خيار الاستدانة الخارجية لتنفيذ محاور مخطط عملها، وسيتم الاعتماد على الموارد الذاتية التي يتعين، حسبه، ترشيدها أكثر في إطار البحث عن الحلول الكفيلة بالحفاظ على التوازنات المالية الكبرى.

واعتبر السيد تبون في هذا الإطار أن «المشكل لا يكمن أبدا في نقص في الموارد المالية وإنما لمرحلة تقتضي ترتيب الأولويات»، لافتا إلى أن الانتقال من نمط اقتصادي إلى آخر يتطلب الوقت الكافي، «حيث استغرق جيلا أو أكثر في بلدان أخرى، وبالتالي سيتم العمل على تحول اقتصادي تدريجي في المرحلة الحالية». وكشف السيد تبون في نفس الصدد، أنه تم في 2017 تخصيص 70 مليار دينار لتمويل برامج الجماعات المحلية في مختلف المجالات التنموية، مع التركيز على دعم وتعزيز المشاريع الجوارية، لا سيما في المناطق الحدودية.

تحكّم أنجع في الموارد المالية المتوفرة

في نفس السياق أشار الوزير الأول إلى أن الحكومة ستعمل في إطار تسخير موارد تمويل مخططها، على ضمان تحكّم أكبر وأنجع في الموارد المالية، خصوصا في احتياطي الصرف الذي قُدرت قيمته الحالية بـ 114 مليار دولار، وفي نسبة التضخم، ومواصلة إصلاح المنظومة الجبائية، التي تُعتبر، حسبه، أساس التنمية، «ولذلك سيتم توسيع الوعاء الضريبي ورفع الرسوم على المنتجات الكمالية، والعمل على إعفاء ضريبي أكبر وأوسع لمحدودي الدخل، حفاظا على قدرتهم الشرائية، بينما ستشدد الحكومة من إجراءاتها الضريبية على أصحاب الثروات الضخمة». كما جدّد الوزير الأول حرص الحكومة على العمل على تجنيد الموارد المالية الداخلية واستقطاب أموال الادخار الداخلي من الدوائر البنكية الرسمية، «بدون اللجوء إلى الاستدانة الخارجية أو الإنتاج النقدي المفرط».

دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وحل مشاكل شباب «أونساج»

أكد الوزير الأول في حديثه عن آليات التحول الاقتصادي الذي يتوخى تحقيقه مخطط عمل الحكومة، أن تحقيق التحول النوعي يقتضي دعم نسيج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومرافقتها عبر جميع مراحل تطورها، باعتبارها الركيزة الأساسية لتنويع الاقتصاد المستحدث للثروة ولمناصب الشغل.

وإذ أشار إلى أن 85 بالمائة من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المنشأة في إطار الآليات العمومية لدعم تشغيل الشباب «أونساج» و»كناك» يسددون ديونهم، أعلن تبون أن الحكومة ستتكفل بالشباب الذين يعانون من مشاكل في تسديد ديونهم، ومنح المؤسسات الشبانية الأولوية في المشاريع الوطنية قبل اللجوء إلى خدمات المؤسسات الأجنبية.

السيد تبون الذي كشف أن الحكومة التي ليس لها أي نية لتوقيف برامج التوظيف في قطاع الوظيف العمومي ستعمل على تفعيل عمليات التشغيل وفقا لما هو محدد من طلب، أكد عدم تخلي الدولة عن الشباب الموظفين في إطار شبكات الإدماج المهني والاجتماعي، معلنا عن توصية تم توجيهها لوزارة المالية بالتنسيق مع وزارة التضامن الوطني لمواصلة دفع الاعتمادات المالية الموجهة لهذه الشريحة، والمقدرة حاليا بـ 5 ملايير دينار حتى نهاية 2017، مشددا في سياق ذي صلة على أن الحكومة لن تلجأ أبدا إلى خيار خوصصة المؤسسات العمومية، مثلما طالبت بذلك بعض الأطراف السياسية، على غرار الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى. وأكد تبون أن المجمعات الاقتصادية العمومية التي تُعد جزءا من المشهد الاقتصادي الوطني، ستبقى وستحظى بالدعم اللازم.

مكافحة المضاربة في العقار وتطوير الفلاحة والسياحة

من جهة أخرى، أبرز الوزير الأول حرص الحكومة على مكافحة الغش والمضاربة في مجال العقار الصناعي، كاشفا عن اعتزامها إطلاق إحصاء شامل ودقيق للوعاء العقاري الصناعي لتحديد الفضاءات غير المستغلة، مع الانطلاق «في القريب العاجل» في استحداث مناطق نشاط توجَّه خصيصا للشباب المستثمرين عبر العديد من الولايات.

كما أبرز تبون مؤهلات القطاع الفلاحي الذي ستُمنح له الأولوية ليكون مصدرا مهمّا للعملة الصعبة، وقاطرة أمامية للنمو، خاصة من خلال دعم قدراته التصديرية، مشيرا إلى أن هذا القطاع الذي يحقق نسبة نمو سنوية تناهز 8 بالمائة، فاقت إيراداته 30 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية.

كما سيعرف قطاع السياحة من جهته، نفس الاهتمام من قبل الحكومة، حسب الوزير الأول، الذي كشف عن سعي الحكومة إلى إقرار جملة من التدابير والإجراءات لتحفيز المستثمرين لإطلاق مشاريعهم.

وفيما أكد تبون أن الحكومة ستواصل أيضا دعم السكن بمختلف صيغه وإعادة تأهيل النسيج العمراني القديم في العديد من ولايات الوطن، استبعد إمكانية رفع سقف الأجر الشهري الذي يسمح بالاستفادة من السكنات الاجتماعية إلى أكثر مما هو محدد حاليا (24 ألف دينار)، قائلا بأن «الدولة ليست جاهزة حاليا».

لجنة وطنية استشارية لدراسة توجيه الدعم لمستحقيه

من الإجراءات الاستعجالية التي يُرتقب أن تباشرها الحكومة قريبا، أعلن الوزير الأول عن عزم الحكومة تنصيب لجنة وطنية استشارية لدراسة ملف الدعم الموجه للشرائح الهشة في المجتمع، حيث سيتم، حسبه، ضبط وإعداد القوانين والإجراءات الكفيلة بإيصال دعم الدولة لمستحقيه، وذلك في إطار جهود تكريس مبدأ الطابع الاجتماعي للدولة، لافتا إلى أن ما سيتمخض عن عمل هذه اللجنة التي ستضم خبراء وأخصائيين في قطاعات المالية والضرائب والتضامن الوطني من إجراءات وتدابير، سيتم ترجمته في شكل قوانين تُعرض على نواب الشعب للبتّ فيها لاحقا.

وتعتزم الحكومة ضمن نفس المسعى فتح نقاش وطني واسع ومعمق؛ بهدف تصويب جهود الدولة لوصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، وفق ما أكد الوزير الأول، الذي ذكر بالمناسبة بأن 25 بالمائة من الناتج الداخلي الخام يوجَّه للتحويلات الاجتماعية، وأن 85 بالمائة من الجزائريين يتمتعون بتغطية الضمان الاجتماعي، و36 بالمائة منهم يحوزون على بطاقة الشفاء، وأكثر من 2,3 مليون مواطن يستفيدون من معاشات التقاعد، مشيرا إلى أن هذه الأرقام تترجم صراحة حرص الدولة على الحفاظ على المكاسب الاجتماعية المحققة، «والتي لن يتم التخلي عنها أبدا».

إعفاء ضريبي لذوي الدخل الضعيف واقتراح ضريبة على الثروة

كشف الوزير الأول أن الحكومة ستشرع في التفكير في إعفاء المواطنين أصحاب الدخل الضعيف، من الضرائب مقابل فرض رسوم وضرائب جديدة على الثروة، موضحا أن الإعفاء من الضرائب يمكن أن يشمل المواطنين الذين يتلقون أجورهم بالساعة واليوم أو الذين لا تتجاوز أجورهم 30 ألف دينار أو 35 ألف دينار، في وقت توجد مجالات فرض ضريبي أهم بكثير، وتمثل 30 إلى 40 مرة حجم الضرائب المدفوعة من قبل الأجور الصغيرة. ولدى عودته إلى الموضوع في الندوة الصحفية التي نشطها عقب التصويت على مخطط الحكومة، شدد تبون على أن «الوقت حان ليدفع الأغنياء ضرائبهم، وتطالب الدولة بحقوقها في هذا المجال».

إنشاء مفتشية عامة لمراقبة المال العام وإبرام الصفقات العمومية

حرصا منها على ضمان الشفافية في التعامل مع المؤسسات ورجال الإعمال، ستعمل الحكومة على فرض احترام القانون والقواعد التي تنظم مجال المنافسة. وأعلن الوزير الأول في هذا الإطار أن أول خطوة ستقوم بها الحكومة عن قريب للمرة الأولى، هي تأسيس مفتشية عامة على مستوى الوزارة الأولى، تضم كل الكفاءات الاقتصادية والمالية والقضائية، تكون مهمتها التطرق لكبريات المشاكل المطروحة في مجال الصفقات العمومية، مشيرا إلى أن الهدف من تشكيل هذه المفتشية هو إعادة النظر في بعض المشاريع المجمدة، وإعادة بعث تلك المتعلقة بتطوير الاقتصاد الجواري والتنمية المحلية، مع المراقبة الدقيقة للمال العام، خصوصا الصفقات التي تحتاج لأموال طائلة، ومنع الاحتكار من خلال فرض احترام السقف المحدد بـ 40 بالمائة من حصص السوق.

مراجعة قانوني البلدية والولاية وتعيين وزير السياحة قريبا

الوزير الأول جدّد في رده على نواب المجلس الشعبي الوطني حرص الحكومة على استكمال المشاريع التي تمت مباشرتها في إطار الاصلاحات السياسية، مؤكدا أن الحكومة ستقدم للبرلمان مشاريع لمراجعة قوانين البلدية والولاية، تدعيما للديمقراطية المحلية عن طريق تحديد أفضل للصلاحيات بين الدولة والجماعات الإقليمية. كما ستواصل الحكومة توسيع نظام الولايات المنتدبة بالتكفل وفق نظرة متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار العوامل الديمغرافية والاقتصادية، على أن تكون الهضاب العليا المرحلة المقبلة في هذا المسار، فيما يعود الفضل في ترقية الولايات المنتدبة في الجنوب إلى ولايات، للبرلمان، حسب السيد تبون، الذي أعرب عن أمله في أن يتم استكمال هذا المسعى قبل نهاية السنة الجارية، موضحا في رده على سؤال للصحافة حول شغور منصب وزير السياحة بعد إقالة الوزير الذي تم تعيينه لمدة 48 ساعة فقط، أن التحقيقات في ملف الوزير المعني لازالت متواصلة، فيما يُرتقب أن يتم تعيين وزير للقطاع من قبل رئيس الجمهورية الذي تعود له صلاحيات ذلك، «عن قريب».

في ملف آخر، أعلن الوزير الأول التزام الحكومة بالتواصل مع فئات الحرس البلدي ومتقاعدي الجيش الوطني الشعبي؛ قصد دراسة سبل التكفل بأوضاعهم الاجتماعية.

تسوية وضعية القنوات التلفزيونية الخاصة قبل نهابة العام

أعلن الوزير الأول عن تقنين أوضاع القنوات التلفزيونية الخاصة قبل نهاية السنة الجارية، مؤكدا أنه سيتم اعتماد القنوات التي تُبث من خارج الوطن حاليا كقنوات جزائرية، وفق دفتر شروط أكثر دقة.

وأوضح السيد تبون بالمناسبة أن حرية التعبير مكتسب ديمقراطي، ستعمل الحكومة على تعزيزه من خلال تفعيل سلطات الضبط ودعمها، معربا عن حرصه الشخصي على تنصيب مجلس أخلاقيات مهنة الصحافة قبل نهاية العام الجاري.