يعد بطريقة تقليدية ولا تستغني عنه العائلات الأوراسية

طبق «المرمز» يتربع على قائمة الأطعمة لقيمته الغذائية

طبق «المرمز» يتربع على قائمة الأطعمة لقيمته الغذائية
  • القراءات: 3185
ع.ز ع.ز

يعد المرمز أو البرغل أو الدشيشة من الأكلات القديمة لدى المجتمعات الأوراسية بصفة عامة، والعائلات الخنشلية بصفة خاصة، وهي الأكلة الناتجة عن طحن سنابل الشعير الأخضر التي نضجت، إلا أنها لم تصبح صفراء اللون بعد، أو بمعنى آخر، لم تجف، ليتم طبخها بطريقة معينة تكسب متناولها قوة ومناعة كبيرة من منطلق القيمة الغذائية لمادة المرمز، وكذا الطريقة السهلة لإعداد أطباق منوعة منه جعلته يتربع على قائمة الأطعمة لدى العائلات الأوراسية المحافظة على العادات والتقاليد.

يقوم الفلاحون نساء ورجالا، بإعداد المرمز قبل أيام فقط من بدء عملية الحصاد والدرس واصفرار الشعير، حيث يتم حصد الشعير الأخضر على مساحات صغيرة يتشارك فيها النسوة مع الرجال بمناجل تقليدية، ومنه تشكيل حزم صغيرة تنقل إلى أماكن صخرية قصد فصل حبات الشعير الأخضر عن سيقانها بواسطة ضرب خفيف بالعصي، وبعد عملية هرس حبات السنابل، يبقى التبن الذي يتم رميه ليصفى فيما بعد باستعمال الغربال «السيار» أو بالاعتماد على الرياح في حالة كثرة الكمية، حيث يقف الفلاحون ـ حسب خالتي شهلة ـ إحدى نساء البادية من جنوب الولاية، في مواجهة الرياح لتصفية حبات الشعير الأخضر، وهم يرددون الأغاني التراثية طلبا للرياح يطلق عليها «العون».

وحسب الجدة حضرية، تتجه النساء بعدها إلى وضعه في آنية كبيرة من الطين ليفور على الماء في مصفاة من طين تدعى «الكسكاس»، من خلال وضعه على النار، وتلي هذه المرحلة عملية عرضه للشمس حتى يجف وتتراوح المدة بين يومين و5 أيام، لتقوم النسوة بعدها بطحن الشعير الأخضر الجاف طحنا خفيفا داخل مهراس خشبي، يفصل بقايا السنبلة «السفا» لتنتج عنه حبات منقاة من كل الشوائب، بعدها يأتي دور الطحن من خلال المطحنة التقليدية «اسيرث»، ليتم تفتيت حبات الشعير الأخضر الجاف إلى فتات صغير، وهنا تأتي عملية غربلة الطحين باستعمال الغربال، لنزع النخالة وسميد الشعير الناتج عن عملية الطحن.

وبعد هذه المراحل، ينتج المرمز كمادة أولية ورئيسية لإعداد الكثير من الأطباق، على غرار طبق «الطمينة» وطبق «بوخمر» الذي يعد بالماء الساخن والمعروف أيضا باسم «ابخباخ» الذي يأكل بعد أن يفور، أما المرمز فيقدم كطبق مشهور يطهى على طريقة الكسكسي. وحسب عمي عمر أحد الفلاحين، فإن المرمز غلة وغذاء وثقافة توارثناها أبا عن جد، نتذوق فيها ما جادت به الأرض المعطاءة بقيمة غذائية كبيرة تكاد تكفي وتغني الفلاح العامل في وقت الحر مشقة تناول مأكولات أخرى.

الفتيات يعزفن عن تحضير طبق المرمز

أكدت الجدة حضرية أن أسبابا عديدة كانت وراء عزوف الفتيات المقيمات في الريف أو في المدينة عن تعلم تحضير مختلف أطباق المرمز، من أهمها أنه يتطلب جهدا بدنيا كبيرا، وفتيات اليوم لا يقوين على تحمل الصعاب للمحافظة على هذا الطبق التقليدي وتعلم كيفية طهوه. كما تجهل أغلب بنات الجيل الحالي، حسب الجدة حضرية، كيفية إعداده بحكم الدراسة أو الانشغال بالعمل، والحقيقة ـ حسبها ـ أن هذه الأطباق باتت اليوم غير مرغوب في إعدادها، وكل له سبب يتحجج به، لكن الأكيد، تقول «بأن أمهاتنا ظللن لسنوات طوال محافظات على هذه الأكلات التقليدية الشهية والصحية، مؤكدة أن زوجها الطاعن في السن وأبناءها وحتى أحفادها لا يزالون يهرعون إليها من حين لآخر، لتناول طبق المرمز الذي يعد من الاطباق الرئيسية على مائدتها اليومية.