معرض جماعي برواق «عسلة حسين»

إحساس وغور في العمق

إحساس وغور في العمق
  • القراءات: 2059
مريم.ن مريم.ن

يجتمع فنانون ليتحدثوا بلغة واحدة، أبجديتها ألوان ورموز وحركات، تتناثر منها حبات اللؤلؤ التي ترصع الأعمال، لتبدو نماذج من ثروة تخزن ولا تظهر إلا في المناسبات الجميلة، وهو حال ما يعرض الآن وإلى غاية الثلاثين من هذا الشهر برواق «عسلة حسين»، حيث تعرض مؤسسة فنون وثقافة ما تكتنزه من لوحات تشكيلية خاصة بعدة فنانين من أجيال مختلفة.

يحوي هذا المعرض الجماعي عدة أساليب ومدارس فنية مختلفة، ويشترك في قوة الألوان وفي الإمكانيات الفنية الراقية لهؤلاء المشاركين، من الذين عرضوا نجد الفنان تعشيشت، حيث قدم لوحات من الأسلوب الكلاسيكي، مصورا يوميات القصبة إبان مجدها، فتظهر في إحدى اللوحات سيدتان ترتديان «الحايك» و«السروال المدور» وهن يتسامرن في وسط إحدى أزقة القصبة، مع منظر عام لهذا الحي العتيق، حيث المباني بكامل عافيتها والشوارع نظيفة وغيرها من مظاهر التحضر والجمال.

المشارك الثاني هو الفنان العصامي إدريس كاملي، المبدع في التجريدي، حيث يتقن تفجير الألوان وانسيابها واندماجها بسلام، هذا الفنان الحقوقي والمتأصل في ميدات التعليم وابن الباهية، يعشق البحث ويفتش عن الجديد، لذلك تميز بتقنية اللفتات التي تبرز حركة ما وفي لحظة ما، وفي هذا المعرض ركز الفنان كثيرا على الأزرق والأخضر المائي في إطار فضاء كوني يشبه المجرة، وفي لوحة أخرى تتجسد الألوان ضمن حلقات متداخلة تشبه الدوامة وتوحي بالحياة المركبة ضمن حلقات مترابطة ومتسلسلة ترض قانونها على بني البشر.

بدوره، يغوص الفنان مراد فوغالي في التجريدي ليعبّر عن خلجات نفسه، ويدخل عالم هذا الأسلوب الفني من بابه الواسع، ويعرض هذا المهندس والفنان العصامي ليقدم رسائل عميقة، ومشاعر فياضة ومواضيع حساسة تمسه في الصميم، وغالبا ما يكون الفنان صادقا حينما يقدم أعمالا بهذا الأسلوب نظرا لعمقه وتوّسعه الكبير، وهو  يحاول من خلال هذه الرسومات أن ينقل القضايا الراهنة، وقد وفق في اختياره للموضوع واللون.

يرسم فيها أشكالا هندسية منتظمة بألوان مختلفة، كأنّها تعكس انفجار الألوان التي تنير المدينة التي تبرز بشكل واضح في ظلمة الليل، هناك أيضا طغيان للون الأزرق كونه لون كوكب الأرض ورمز على اهتمامه الكبير بقضية حماية البيئة، كما يرسم في لوحات أخرى  بتقنية «فوزان»، أي الرسم بالاعتماد على الفحم، وهي تقنية جميلة يعتمد عليها في رسوماته التي تنوّعت مواضيعها.

من أجمل ما قدم؛ لوحة «الأطفال يلعبون الضامة» بتقنية «الفوزان» تظهر طفلين يلعبان «الضامة» وطفلين آخرين يشجعانهما أو ينتظران دورهما في اللعب.

فنان آخر لا يقل موهبة وهو جمال جيمو، يبرز في لوحاته اللون الأحمر بشكل واضح، كما أنه حاضن لكل الألوان الأخرى وتبدو كالحلم الذي يعكس الذكريات، وتعبر لوحاته أيضا عن البساطة والعفوية التي يجليها اللون الأحمر.

تبدو لوحاته منطلقة نحو الحرية، فالفنان يحتاج إلى مساحة كبيرة من أجل أن يضع بها مفردات وأحاسيس معينة، ويبدو أنه يرسم اللوحة بهدوء وإتقان وجرأة.

تحمل بعض لوحاته مسحة طفولية من خلال العديد من الألوان والتقنيات والمواضيع التي تتجاوز الفكرة والموضوع، لتهتم بالتعبير والإحساس في حد ذاته.

يستقبل المعرض أيضا الفنان التشكيلي طيب بن عباس يختي، الذي يختزل فيه عوالم الملكوت المزدحم بالألوان والأنوار التي قام هو برصدها بحركة ثابتة وبطيئة، لتترائ للعيان ككائن حي تختلف ملامحه وتراكيبه من لوحة إلى أخرى، فتحمل إحدى لوحاته مجموعة أحاسيس وانفعالات تولدت عبر لحظات زمنية مختلفة ذات وحدة الانفعال، لكنها تبدو كنوع من الانفجار الذي يرفض أن يبقى حبيس الوجدان وأعماق النفس التي لا تهدأ زوابعها كلما رأت ما يثيرها.

يوجه الزائر صوبا للعمق كي لا يضيع في تفاصيل الحوافي التي ماهي إلا انعكاس لما يدور في المركز، نلمس الفرح والحزن والثورة والسكينة وكل ما لديه علاقة بأحاسيس البشر التي فطروا عليها منذ بدأ الخليقة، تختلف الأشكال وتتحول من الخطوط إلى الدوائر، إلى المكعبات وغيرها، لترصد في الأخير شعورا ما أو قصة تحكيها الألوان بلغة الصدق والتصوير البطيء.

الفنان المخضرم مباركي أحمد تحوي أعماله تنوعا في المحاور والأفكار، وتعكس ميله للحرية وعدم التقيّد بحدود الخط واللون والمدرسة، توفر ضمان الانسجام والتناسق، لا يعترف بالقيود مهما كانت وخياله من ينتقي الألوان والأشكال.

لوحة ضخمة زينت المعرض رسمتها الفنانة مباركي أسمة تظهر ملابس منشورة في الهواء الطلق، تلامس شمس الجزائر الساطعة لتصيبها ببعض البلل وتمتد للمباني الشاهقة التي هي تحتها، وهي صورة معبرة عن يوميات الجزائرية التي تسمو بعملها إلى الشمس وتتجاوز العمارات الشاهقات.