إحياء ذكرى العازف المشهور "عليلو"

صاحب الصنعة والميزان ومرافق العمالقة

صاحب الصنعة والميزان ومرافق العمالقة
عازف الإيقاع المشهور علي دباح المعروف بـ"عليلو"
  • القراءات: 957
مريم. ن مريم. ن

أحيا التلفزيون الجزائري، مؤخرا، ذكرى عازف الإيقاع المشهور علي دباح المعروف بـ"عليلو"، من خلال عرض فيلم وثائقي تسجيلي للمخرج أولبصير، يستضيف فيه هذا الفنان، لسرد مشواره مع الفن ومع أحداث أخرى، منها شخصية وأخرى وطنية متعلقة بفترة الاستعمار. 

ارتبطت أنامله السحرية بآلة الإيقاع فراح يبدع في كل الطبوع، وأصبح يرافق أشهر المطربين ويلازمهم، كالراحل العنقى، فضيلة الجزائرية، قروابي، وحتى السيدة وردة الجزائرية، علما أنه أبهر الموسيقيين المشارقة في طريقة أدائه المتميزة، وأحيانا سبقت شهرته شهرة بعض المطربين الذين يتعامل معهم. ولد علي دباح الملقب بـ"عليلو"، يوم 28 ديسمبر سنة 1924 بالقصبة السفلى (سوق الجمعة)، حيث قضى فيها طفولته، وقد تميز في هذه الفترة من عمره بالاجتهاد في دراسته، وبرز أيضا من خلال انخراطه في فوج الكشافة الإسلامية الجزائرية المتواجدة بـ"السماكة" القديمة، رفقة أقرانه من أمثال جديات محمد المعروف باسم "سيساني"، وأيت عبد الرحمان الملقب بعبد الرحمان عزيز، وعلي عبدون وغيرهم ممن اشتهروا فيما بعد في الميدان الفني، كما يذكر في شهادته أنه كان أصغر إخوته وكان مدلل أمه، تحرص على ظهوره بأحسن حلة وتدافع عنه باستماتة.

بدأت حياة "عليلو" الفنية منذ الصغر بالعزف على آلة الدربوكة، حيث أدى عدة مقطوعات موسيقية في بعض المناسبات العائلية والدينية، وكان ذلك خفية عن عائلته، واهتمامه بالفن جعل والده ـ رحمه الله ـ يقلق على مستقبله، فما كان منه إلا أن أرسله إلى بجاية لمواصلة دراسته، وكان ذلك سنة 1939، إلا أن موهبة "عليلو" كانت أقوى إذ التحق فيها بجوق الشيخ الصادق البجاوي، عند رجوعه إلى الجزائر سنة 1942، التقى "عليلو" محي الدين باشتارزي الذي أدمجه ضمن المجموعة الموسيقية التابعة لأوبرا الجزائر. كانت الانطلاقة إلى عالم الاحتراف مع صديقه وجاره علي محمد القليعي، الذي كان يعزف على آلة الزرنة، فتعلم "عليلو" الرقن على الطبيلات والدربوكة. وأثناء زياراته للعديد من المناطق الجزائرية، تلقى "عليلو" نصائح مفيدة من أهل الفن، كمصطفى كشكول وأحمد السبتي، خاصة الراي مالك الذي علمه تقنيات الآلة الموسيقية.

عوض "عليلو" ابتداء من سنة 1949، الشيخ المعروف عمر مكرازة في العزف على آلة الدربوكة، ضمن الفرقة الموسيقية للحاج امحمد العنقى، كما كان يشارك في الوقت نفسه في المجموعات الفيلارمونيكية، تحت قيادة جاكلين مير وبارا وفاربار، علما أن "عليلو" شاركه أيضا محي الدين لكحل وحمود عين الكحلة وحميد وجيدير. كما رافق الراحل "عليلو" كل النجوم الغنائية العربية التي كانت تزور الجزائر آنذاك، مثل حسيبة رشدي، علي الرياحي، محمد الجاموسي، عبد الوهاب أقومي، فتيحة خيري، فضيلة خيتمي وغيرهم.

التحق "عليلو" سنة 1956 بصديقه الشيخ "حسيسن" في باريس، وسجل معه العديد من الأسطوانات وشارك في الكثير من الحفلات الفنية طيلة سنة كاملة. وبعد الإعلان عن إنشاء الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني في مارس 1958 بتونس، طلب من "عليلو" و"حسيسن" الالتحاق بها، ليجول رفقة زملائه الفنانين في عدة بلدان، للتعريف بالقضية الوطنية والثقافة الجزائرية، بعدها قضى قسطا كبيرا من حياته مع صديقه الراحل قروابي، واستطاع "عليلو" أن يكسب خبرة عالية جعلته مرجعا لباقي الموسيقيين، خاصة بالإذاعة والتلفزيون، فأصبح الأستاذ الأول في جميع الإيقاعات، سواء الجزائرية منها أو الشرقية أو العصرية والعالمية.

حمل "عليلو" صفات إنسانية راقية، عرف بشوشا مستعدا لعرض خدماته، متواضعا إلى أقصى حد، يهوى الشعر الشعبي ومتذوقا له، يحفظ الكثير من المقطوعات يحرص على جمعها. تحدث "عليلو" في هذا الفيلم عن حياته الشخصية، فرغم متانة علاقته مع عائلته، لكنه فشل في زواجه، والسبب أن هذا الارتباط لم يراع خصوصية العمل الفني، كما تذكر الفنان الراحل ذكرياته في مقهى بوسعادة بالعاصمة، التي جمعت الفنانين، خاصة مع صديقه الميسوم الذي عرف بميوله للطرب الشرقي، علما أن الأسطوانات كانت تدخل العاصمة مع البحارة الذين كانوا دوما يجلبون الجديد.

من ذكريات الراحل؛ تألمه لفقدان والدته، ورغم ذلك عمل في نفس اليوم الذي دفنت فيه، حيث كان مرتبطا بنشاط بالمسرح الوطني، كما تذكر رحلته الشاقة مع زملائه من فرقة جبهة التحرير من بلجيكا نحو ألمانيا، وقدم الراحل العديد من الصور النادرة عن فترات مختلفة من حياته. توفي "عليلو" ـ رحمه الله ـ يوم 11 جويلية 2000، ودفن بمقبرة القطار في الجزائر العاصمة عن عمر يناهز 76 سنة.