"بلاصة العرب" بالبليدة..

سوق توارثها التجار أبا عن جد

سوق توارثها التجار أبا عن جد
  • القراءات: 721
رشيدة بلال رشيدة بلال

تنفرد البليدة بخاصية تميزها عن غيرها من حيث طبيعة أسواقها، فالداخل إلى قلب المدينة، إن رغب في التبضع، عليه أن لا يسأل السكان عن أسماء أسواقها، لأنها لا تحوي على سواق، إنما على "زنيقات" تحولت مع مرور الوقت إلى أسواق، اختصت كل واحدة منها ببيع نوع معين من الأغراض، فنجد منها على سبيل المثال "زنقة اليهود" أو "رو عبد الله"، وزنقة "الدروج"، وزنقة "الدزاير" التي تباع فيها الملابس والأفرشة، وزنقة "الباي" التي يجد فيها المتسوق كل ما يشتهي من الخضر والفواكه والأواني، وحتى الأكلات التقليدية والحلويات الشعبية، مثل "القريوش"، أما "بلاصة العرب" فتعد من أعرق وأشهر وأقدم الأسواق التي تباع فيها المواد الغذائية والمكسرات والتوابل، وهي الحرفة التي توارثها التجار أبا عن جد.

يجد الزائر لأسواق أو "زنيقات" البليدة، صعوبة في التجول بين أزقتها، بالنظر إلى تداخلها مع بعضها البعض، وكثرة الوافدين عليها من سكان الولاية والمناطق المجاورة لها، بالنظر إلى توفرها على مختلف السلع وبأسعار معقولة نوعا ما، حيث نجد في "زنقة اليهود" أو"رو عبد الله"، محلات بيع الذهب التي عادة ما تعرف إقبالا كبيرا خلال موسم الصيف، لاقتناء الحلي الذهبية للمقبلين على الزواج، بينما "زنقة دزاير"، فقد غلب على محلاتها بيع الألبسة والأفرشة، التي سعى التجار من خلالها، إلى عرض أجود الأنواع، وتتخل هذه المحلات بعض الدكاكين الصغيرة التي لا يزال أصحاب المهن القديمة متمسكين بها، مثل الترقيع وحياكة الملابس بماكنات تقليدية، أما إذا انتهى بك المطاف في "زنقة الباي"، فلا بد أن تقصد هذه السوق في وقت مبكر، بالنظر إلى الزحام الكبير الذي تعرفه السوق، كونها تختص في بيع الخضر والفواكه وكل أنواع الحشائش، من زعتر وزعينرة ونعناع وحبق، بما في ذلك المعجنات التقليدية، كـ"المقطفة" المصنوعة باليد، و"الديول" و"القطايف"، إلى جانب الأواني المنزلية، الأمر الذي جعلها تعرف تدفقا كبيرا عليها، رغم ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية، سواء تعلق الأمر بالخضر أو الفواكه أو الأسماك.

 "بلاصة العرب"... قصة سوق

إذا قررت الخروج من "زنقة الباي"، تجد نفسك تتجول فيما يسمى بـ"بلاصة العرب"، التي يزيد عمرها على 46 عاما، توارثها التجار من أبناء الولاية أبا على جد، والتي يرجع تسميتها، حسب بعض التجار الذين توارثوا تجارتهم منذ الحقبة الاستعمارية، حيث كان المستعمر الفرنسي يتجول في ساحة "التوت"، وهي الساحة التي تقع في قلب مدينة البليدة، بينما كان يمنع على العرب التواجد فيها، وفي المقابل، كان المكان الذي يتسوق فيه العرب يسمى بـ"بلاصة العرب" التي كانت تضم العرب فقط، ويمنع على المستعمر التواجد فيها، وهي عبارة عن سوق تختص في بيع التوابل التي عطرت أجواء السوق بروائحها القوية والمخللات والمكسرات، بمختلف أنواعها وأشكالها، إلى جانب تجارة بيع الأسماك التي تعد واحدة من أهم الأنشطة التجارية بالسوق، هذه الأخيرة التي يكثر الطلب عليها في شهر رمضان.

العجائن والمخبوزات التقليدية حاضرة بقوة

لا تخلو مختلف أزقة أسواق البليدة من تجار اختصوا في صناعة كل ما يرمز إلى تقاليد الولاية، ولعل أهمها "المقطفة" التي عادة ما تزين "شوربة المقطفة" موائد البليدين، في اليوم الأول من شهر الصيام، إلى جانب "الديول" الذي اختص في بيعه شباب ومراهقون، وفي دردشتنا مع بعضهم، أكدوا بأن صناعة "الديول" من أقدم الصناعات التي اختصت بها العائلات البليدية، حيث تنتعش تجارتها في شهر رمضان، إذ تتحول كل المنازل إلى ورشات لصنع وتعليم كيفية تحضير أوراق "الديول"، حيث تعد، حسبهم، من الأنشطة التجارية الموسمية المربحة، رغم مشاقها، تباع بأثمان مختلفة تصل فيها الدزينة الواحدة إلى 100 دج.

من جملة ما وقفت عليه "المساء" من مهن عريقة بـ"زنقة الباي"، صناعة الأجبان في المنازل بطريقة تقليدية بسيطة، وحسب ما أكد شاب كان يعرضها للبيع، أن والدته توارثت "الصنعة" عن والدتها، وتحرص على تحضيرها وبيعها، حيث تلقى إقبالا كبيرا في شهر رمضان، تزين بها السلطات أو تقدم مع أطباق الأسماك التي تبدع المرأة البليدة في تحضيرها بشهر رمضان.

البليديون يقبلون على شراء الأسماك رغم غلائه

بالحديث على الأسماك، احتلت تجارتها حصة الأسد بمختلف الأزقة، مما يعكس شغف البليدين إلى تناول الأسماك بطرق مختلفة، وهو ما وقفت عليه "المساء"، من تزاحم للزبائن على أغلب طاولات بيع الأسماك، وعلى الرغم من ارتفاع ثمنه الذي فاق في بعض الأنواع 500 دج إلى 1200 دج للكيلوغرام، إلا أن البعض كان يشتري ولو بضع سمكات من أجل تحضير شوربة السمك، وحسب بعض الباعة، فإن المرأة البليدية تميل إلى التنويع في مائدتها الرمضانية، ولا يغيب عنها السمك، حيث تحضره محمرا أو مقليا، أو شوربة السمك، وحسبهم، فإن خبرتهم الطويلة في بيع الأسماك جعلتهم يقدمون النصيحة للزبائن حول الطريقة الأفضل لطبخ مختلف الأنواع، ومن طرائف ما رصدناه على ألسنة بعض الباعة، أن الجزائري يحب شراء "السردين"، ولأنه غير متوفر، يختارون شراء الأسماك التي لا تحوي على أشواك، حتى يأكلونها مباشرة دون التفكير في عناء تنظيفها من أشواكها.