الدكتور ناصر سليمان أستاذ في الاقتصاد والمالية لـ"المساء"

تدهور القدرة الشرائية مرتبط بتراجع قيمة الدينار

تدهور القدرة الشرائية مرتبط بتراجع قيمة الدينار
الدكتور ناصر سليمان أستاذ في الاقتصاد والمالية
  • القراءات: 811
شريفة عابد شريفة عابد

الدينار فقد 70% من قيمته منذ 2010

يربط الدكتور سليمان ناصر، أستاذ الاقتصاد والمالية بجامعة الجزائر، تدهور القدرة الشرائية للمواطن بالتراجع المتواصل لقيمة الدينار، على خلفية التخفيض من قيمته بـ5% من قبل البنك المركزي، حيث يشير في حوار مع "المساء" إلى أن العملة الوطنية فقدت 70% من قيمتها منذ 2010، مقترحا بعض الحلول المستعجلة لحماية القدرة الشرائية للمواطن، على غرار توسيع قائمة السلع المعنية بالدعم، ثم على المدى المتوسط تحرير قيمة الدينار وإخضاعه لقاعدة العرض والطلب، مع دفع العجلة الاقتصادية وكل روافدها على المدى الطويل..

❊ المساء: تشهد القدرة الشرائية للمواطن انخفاضا متواصلا، إلى ماذا يرجع ذلك؟

الدكتور ناصر سليمان: من الأسباب البارزة لانخفاض القدرة الشرائية للمواطن، الانخفاض المسجل في قيمة الدينار الجزائري، مقابل العملات الأجنبية، بسبب التخفيضات المستمرة التي يجريها البنك المركزي الذي أقر تخفيضا بقيمة 5% لكل سنة بداية من 2021، على أن يتواصل إلى 2023، ما يوحي بأن الاستمرار في تراجع القدرة الشرائية سيتواصل. فيجب أن تكون العملة حرة أي خاضعة لقانون العرض والطلب بالسوق، كما هو معمول به في البلدان المتقدمة، ففي المتوسط السنوي يصل سعر الصرف مقابل الدولار الأمريكي إلى 142,20 دينار في 2021، ليبلغ 149,31 دينار عام 2022، و156,78 دينار سنة 2023.

قياسا بما سبق بكم تقدرون نسبة انخفاض القدرة الشرائية؟

نسبة انخفاض القدرة الشرائية تساوي نفس قيمة الانخفاض التي يسجلها الدينار بالدرجة الأولى، والتي بلغت منذ سنة 2010 حتى السنة الجارية، ما بين 60 إلى 70% في المنحي السلبي.

ماهي الأسباب التي تؤدي بالحكومة إلى التخفيض المتواصل لقيمة الدينار؟

السبب الأول لتدهور قيمة الدينار، هو الركود الاقتصادي الذي بدأ منذ سنة 2019، إذ تأثر الاقتصاد بنسبة 50%، بسبب الحراك، ثم تواصل التراجع في 2020 بنسبة 80%، بسبب إجراءات الحجر والغلق التي فرضتها أزمة كورونا، فحتى المؤسسات التي كانت تنشط اشتغلت بـ50% من طاقاتها فقط. أما العامل الثالث، فهو التضخم المستورد، بحكم أن الجزائر تتأثر بما يقع في  بالاقتصاد العالمي الذي تستورد منه معداتها، إذ دخل قرابة 4 ملايير نسمة في الحجر، وسجلت  معدلات نمو سلبية بأوروبا وأمريكا، باستثناء الصين التي سجلت نسبة نمو اقتصادي بـ2,1%.. وبالتالي تأثرت الجزائر التي تستورد سلعا مصنعة ونصف مصنعة من هذه البلدان التي مسّها التراجع.

هناك مخاوف حقيقية من تهاوي أكبر لقيمة الدينار في المستقبل ومعه القدرة الشرائية للمواطن، ما رأيكم؟

نعم الأمر وارد، والدليل أن الجزائر حدث وأن تجاوزت المؤشرات المالية التي وضعتها، ففي سنة 2020 مثلا، جاءت التقارير المالية عند الإغلاق السنوي معاكسة للتوقعات، إذ قفز سعر صرف الدينار مثلا إلى 132 دينار مقابل الدولار الواحد، رغم أن المقرر في قانون المالية كان 130 دينار للدولار .

وخلال السنة الحالية، حدّد سعر صرف الدولار بـ142 دينار، ويمكن أن يرتفع مع الإقفال، لأن المعطيات الحالية تدل على أن القيمة سيتم تجاوزها، كون كل المؤشرات الاقتصادية الحالية سلبية.   

❊ هل سيتواصل تدهور القدرة الشرائية ؟

نعم سيستمر خلال السنوات القادمة، لعدة أسباب، أولها أن توقعات قانون المالية 2021، تشير إلى أن التخفيضات في قيمة الدينار ستتواصل حتى نهاية 2023، ومن الممكن أن يتم تجاوز تلك التوقعات قياسا بما وقع سنة 2020 مثلا، بالإضافة إلى أن الجزائر مرتبطة بالاقتصاد العالمي الذي لايزال هو الآخر يعيش ركودا، وعليه فإننا سنتأثر بطريقة مباشرة عندما نستورد سلعا كاملة أو بطريقة غير مباشرة عندما نستورد المواد الأولوية.. فتكلفة إنتاج المواد المستوردة ارتفعت، ما يعني تسويقها بقيم إضافية.

ماهي في نظركم الحلول الممكنة حتى نوقف تدهور القدرة الشرائية؟

هناك حلول قصيرة المدى وهي مستعجلة، وحلول متوسطة وبعيدة المدى، فبخصوص الأولى، فهي تتعلق بتدخل الدولة لاتخاذ إجراءات حمائية إضافية للطبقات الهشة المتضررة، من خلال توسيع قائمة المواد المدعمة، والتي هي محدودة جدا الآن، ومحصورة منذ 2011 في البنزين، والسميد، والسكر والزيت، ولا يفوتني هنا أن أثمّن إعفاء ذوي الدخل الذي يقل عن 30 ألف دينار من الضرائب.

أما بالنسبة للإجراءات المتوسطة المدى، فتتمثل في تحرير الدينار، لأنه في كل مرة يتم تبرير التخفيضات التي ستستمر لأكثر من 3 سنوات، كما أننا لا نعلم إذا كان التعويم كليا أم جزئيا، ولهذا فإن المؤشرات لن تكون دقيقة، وكان من الأجدر، أن يقوم البنك المركزي بتعويم كلي للدينار خلال فترة زمنية معينة، بدل التخفيضات المتكررة، ثم يقوم بعد ذلك بتحريره كلية مثلما قامت به مصر، بسنتين من التعويم ثم تحرر الجنيه الذي أصبح خاضعا للعرض والطلب.

لكن يجب أن يرافق هذا التعويم الكلي للعملة من أجل تحريرها بوضع حماية من طرف الدولة للفئات الهشة والمحدودة الدخل، حتى لا تتأثر قدرتها الشرائية. أما الحل الطويل المدى، فيتمثل في برنامج إنعاش اقتصادي متنوع مستقطب للاستثمارات ومشجع للصادرات، التي ترفع حتما من قيمة الدينار.