السوق اليومي عباشة عمار "لاندريولي" بسطيف

مقصد "الزوالي" والجيب الخاوي

مقصد "الزوالي" والجيب الخاوي
  • القراءات: 1072
 منصور حليتيم منصور حليتيم

مخطئ من يختزل أسواق سطيف، في شارع دبي بالعلمة، المعروف بتجارة الأثاث بأنواعها، والأواني والأدوات الكهرومنزلية، ومخطئ أيضا من يعتقد أن سطيف مشهورة بسوقها الأسبوعي للسيارات، الذي يحج إليه التجار والزبائن من مختلف ربوع الوطن، ومخطئ أيضا من يلخص أسواق الجملة بسطيف، (بالماقرو) "MAGROS" أكبر سوق للخضر والفواكه بالشرق الجزائري، أو (القرو) "GROS" بترقية قيرواني، المنافس الرئيسي لأسواق أخرى عبر الوطن في تجارة المواد الغذائية، ولمن لا يعرف سطيف، فإن بها أكبر سوق يومي شعبي وهو سوق عباشة عمار، أو كما يعرف محليا بـ"لاندريولي".

يعد السوق اليومي عباشة عمار أو "لاندريولي"، كما يعرف لدى سكان مدينة سطيف وما جاورها، من الأسواق الشعبية التي تشهد إقبالا كبيرا من طرف المواطنين، لما يتميز به من خصائص جعلته يستقطب يوميا أكبر عدد من المتسوقين من مختلف الفئات والأعمار، أبرزها موقعه الاسترتيجي بتوسطه مدينة سطيف، بالإضافة إلى الأسعار التي هي في متناول الجميع، لاسيما من العائلات المعوزة ومتوسطة الدخل التي جعلت الكثير يسميه بسوق الفقراء أو (بوُيّ الزوالي) يعني بها "بابات الزوالي".

"لاندريولي".. من "فيرمة" معمر إلى أكبر سوق شعبي

يعود تاريخ إنشاء هذا الفضاء التجاري سوق "لاندريولي"، إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، فوق قطعة أرض محاذية لحي المستقبل (أوندري يولي) سابقا، كنقطة لبيع الدواجن في الهواء الطلق، اتسعت دائرة نشاطه لتشمل شتى أصناف البضائع والسلع، من ملابس جاهزة وأفرشة وأغطية، إلى جانب أنواع الخضر والفواكه واللحوم والأواني المنزلية وكل ما يحتاجه المتسوق، ويؤم السوق يوميا آلاف المواطنين من داخل وخارج المدينة لاقتناء حاجياتهم من البضائع المعروضة، وسط ازدحام كبير، خاصة خلال الفترة الصباحية، حيث يزداد الإقبال على أجنحة السوق وممراتها الضيقة في أجواء من الفوضى العارمة.

أصل تسميته بـ"لاندريولي" هو نسبة للمنطقة المتواجد به بحي المستقبل، والتي كانت خلال الحقبة الاستعمارية عبارة عن مزرعة لأحد المعمرين يدعى "أوندري يولي"، بعد الاستقلال مباشرة، تعرضت المزرعة إلى شبه نزوح من قبل سكان المنطقة الشمالية لولاية المسيلة "برهوم، مقرة وعين الخضرة" بحثا عن لقمة العيش، مشكلين بذلك شبه قرية من السكنات القصديرية، وصل عددهم إلى قرابة الألف عائلة، يعتمد أغلبيتهم على تجارة الدجاج والبيض والخردوات والأعشاب، في شكل سوق صغيرة يقصده سكان الولاية من جميع البلديات، وحتى بعض الولايات المجاورة، على غرار المسيلة وبرج بوعريريج.

بداية الثمانينات.. من سوق فوضوي إلى سوق بمواصفات حديثة

مع بداية ثمانينيات القرن المنقضي، توسعت رقعة هذه المنطقة التجارية الفوضية وباتت تشكل نقطة سوداء في مدينة سطيف، مما دفع بالمسؤولين المحليين إلى التفكير في إيجاد حلول كفيلة بتنظيم هذا الفضاء التجاري، الذي هو عبارة عن قطعة أرض مفتوحة محاذية للبيوت القصديرية، يقصده المواطنون من الجهات الأربعة، وظهرت معه بعض الآفات والسلبيات المنافية لقيم المواطن الجزائري، تم إنشاء سوق جديد بمواصفات تتماشى والأسواق الحديثة، سواء من ناحية التنظيم أو التأطير اللذين تشرف عليهما بلدية سطيف، حيث تم إحصاء التجار الذين بلغ عددهم آنذاك أزيد من 400 تاجر، تم تحويلهم جميعا إلى محلات جديدة للقضاء على التجارة الفوضوية التي طبعت المكان لسنوات طويلة.

إنشاء السوق الجديد وتحويل التجار إلى محلات تتماشى والمعايير المعمول بها في الأسواق الحديثة، بعد إخلاء المكان الذي كان يستغله التجار الفوضويون، لقي استحسانا كبيرا لدى سكان سطيف، تلاها عقب ذلك بسنوات قليلة، القضاء نهائيا على السكنات القصديرية المحاذية له في منتصف التسعينات، في عملية ترحيل واسعة أشرف عليها آنذاك وزير الداخلية الأسبق المرحوم يزيد زرهوني، بترحيل أزيد من 600 عائلة، وتوطين بالعقار سكنات ترقوية، بالإضافة إلى بعض الإدارات، منها محكمة سطيف ومقر مديرية الصناعات التقليدية، مع تحويل بعض المنشآت والهياكل التابعة للدولة المحاذية للسوق. إلى مراكز تجارية، كلها عوامل ساهمت في نجاح السوق.

من "لاندريوليإلى "عباشة عمار"...

الكثير من سكان سطيف يعرفون السوق باسم "لاندريولي"، رغم أن مكان تواجده بحي المستقبل، ووثائقه الإدارية تحمل اسم "عباشة عمار"، هذا الأخير هو أحد شهداء وأبطال الثورة التحريرية المباركة، ينحدر من مدينة تيزي نبشار بالمنطقة الشمالية لولاية سطيف، ورغم تغيير تسمية السوق الشعبية باسم الشهيد عباشة عمار، إلا أن الأغلبية من سكان سطيف، يفضل تسميته بسوق "لاندريولي"، فيما تجهل نسبة أخرى تماما تسميته الجديدة سوق عباشة عمار".

ليس كباقي الأسواق من حيث الأسعار...

الحديث عن السوق اليومية الشعبية عباشة عمار أو "لاندريولي"، يجرك مباشرة إلى الحديث عن إحدى الخصائص التي جعلته يستقطب يوميا الآلاف من المواطنين،وهي الأسعار التي يعرفها في مختلف السلع الاستهلاكية، على طول أيام السنة، عكس باقي السواق التي تخفض أسعارها خلال الأعياد والمناسبات، فهو فرصة للعائلات السطايفية لاقتناء مستلزماتها سواء من الآواني أو اللحوم أو الخضر والفواكه، وقد تعودت المرأة السطايفية على التحضير للشهر الفضيل، وشراء حاجياتها من أواني المطبخ وتجديد الكثير منها من سوق "لاندريولي"، وهو الحال نفسه بالنسبة للرجال الذين يفضلونه عن باقي الأسواق، لسد حاجياتهم من الخضر والفواكه واللحوم بأنواعها، وجميع المستلزمات، لأسعاره التي تعد في متناول الجميع، حتى أنها أصبحت مضرب مثل بسطيف، من يقتني شيئا ذا قيمة بسعر منخفض، يقال له "واش جبتها من لاندريولي"، أظف إلى ذلك، أن الأسعار بهذا السوق تأخذ مع اقتراب نهاية اليوم مسارا تنازليا، بداعي تسويق البضاعة وعدم تركها للغد.

الباعة المتطفلون والفضلات.. حل لن يكون قريبا...

شكل سوق "لاندريولي" وسط المدينة، أحد أبرز النقاط السوداء التي ما فتئت تؤرق السلطات المحلية، التي وجدت نفسها عاجزة عن فعل أي شيء تجاه هذا السوق الشعبي الذي تتضاعف همومه من يوم لآخر، وقد وجد مئات الباعة المتطفلون، الذين ينشطون بهذا الفضاء التجاري  ضالتهم، في ظل غياب مصالح الرقابة لعرض سلعهم المختلفة بأي مكان شاغر، ولم تسلم حتى الشوارع والأزقة العابرة للسوق لتكون مكانا مفضلا للبيع والشراء، كون الربح هو القاسم المشترك بين الجميع.

ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل إن أطنان الفضلات والأوساخ الناتجة عن بقايا الخضر والفواكه زادت من هموم السوق، الذي يتحول في ساعات المساء إلى شبه مفرغة عمومية، وسط مدينة أخذت من الشعارات "سطيف مدينة نظيفة"، وما يلاحظ هنا، أن عمال النظافة التابعين للبلدية يجدون صعوبة كبيرة في جمع هذه الأطنان من الفضلات والنفايات المترامية هنا وهناك، لاسيما إذا علمنا أن الإمكانيات المسخرة لذلك غير كافية، حيث تم تسخير شاحنتين فقط، مما يجعل المهمة صعبة للغاية.