قسنطينة تحيي الذكرى الأولى لرحيل الشيخ درسوني

المالوف ميراث الأجيال

المالوف ميراث الأجيال
الشيخ درسوني
  • القراءات: 788
مريم. ن مريم. ن

نظم المسرح الجهوي لقسنطينة "محمد الطاهر الفرقاني" سهرة أول أمس، حفلا تكريميا لروح الفنان القدير الشيخ قدور درسوني معلم الأجيال، الذي تتلمذ على يده العديد من الفنانين، وذلك في الذكرى الأولى لوفاته، بمشاركة وجوه فنية عديدة، منها فرقة "الإخوة درسوني"، التي بثت، منذ أيام، تدريباتها؛ تحضيرا لهذا الموعد.

حضر الحفل محبو الفن الأصيل وبعض نجوم فن المالوف، منهم الفنان القدير كمال بودة، وتوفيق تواتي وفرقة الفنان رياض بلام. وصدح المالوف عاليا بأجمل الروائع، ليزيّن هذه السهرة الرمضانية التي تذكّر بليالي سيرتا الساهرة، وبعاداتها وتقاليدها، كما تعيد للبال صورة الشيخ قدور درسوني، الذي ظل وفيا لهذا التاريخ الفني العريق، الذي هو جزء من الهوية القسنطينية. وكتب الراحل الدكتور عبد المجيد المرداسي في كتابه "معجم الموسيقى الحضرية لقسنطينة"، عن الشيخ والأستاذ قدور الدرسوني، رحمه الله، معتبرا إياه قامة من قامات الفن القسنطيني الأصيل؛ إذ يُعد عميد الموسيقى الأندلسية المالوف، وتخرّج على يده مجموعة من الفنانين. وُلد الشيخ قدور درسوني سنة 1927 بقسنطينة. بدأ مغنيا في جوق جمعية محبي الفن، ثم الشباب الفني إلى غاية توقيف نشاطاتها سنة 1939.

كان تكوينه الأساس على آلة الناي. وخالط الأوساط الطرقية، ثم الفنادق طوال سنوات الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، ليظهر بعدها بالدربوكة والناي في جوقتين موسيقيتين، قبل أن يلتحق بجوقة خوجة بن جلول سنة 1947، الذي لازمه، ولفت هناك انتباه الموسيقيين المحترفين. ولولعه بالموسيقى فقد تخلى عن حرفة التجارة التي كان يمارسها، وتفرغ نهائيا للموسيقى، فكان يتردد على أوساط الموسيقيين المحترفين؛ حيث اكتشف الزجول لدى الفنان معمر بن راشي، ثم عمل مع محمد العربي بن العمري، وأتم تكوينه.

وظهر في عدة مناسبات ضمن أجواق مختلفة كعازف عود، على غرار فرقة محمد العربي بن العمري وفرقة ريمون ليريس. وفي سنة 1965 اضطر قدور درسوني لإيقاف نشاطاته الموسيقية لمروره بفترة مهنية وشخصية عصيبة، خاصة بعد أن تم اعتقاله، حيث أقام مدة 31 شهرا بمركز اعتقال بحامة بليزانس؛ حامة بوزيان حاليا. وبعد الاستقلال التحق درسوني بجوق الفرقاني، ثم انفصل عنه ليؤسس تشكيلته الخاصة، وبدأ يشارك في كل المشاريع الموسيقية المقامة في قسنطينة. وقد عُرف عن قدور درسوني أنه من محبي الوحدة والحفاظ على التاريخ والتراث؛ حيث نظم وأدار جمعية "المستقبل الفني". وفي الستينات ظهر هذا الفنان كقائد جوق مع مجموعة بن طوبال، إلى جانب مشاركته في جهود المعهد الوطني للموسيقى لحفظ وحماية التراث الموسيقي الوطني، خاصة بمقارنته النصوص الشعرية والموسيقية التي أصدرتها بعد ذلك الشركة الوطنية للنشر، في كتاب.

ولأنه عمل كمدرس في المعهد البلدي لقسنطينة، فقد أثر في أجيال الموسيقيين الجدد؛ حيث فرض أسلوب درسوني في عزف الناي. وبعمله في المعهد تمكن من اكتشاف أصوات جديرة بأن تضاف في سجل المالوف؛ كمحمد الشريف زعرور، الذي جعله المغني المفوض لفرقته.  وفي بداية الثمانينات عمل قدور درسوني في باريس مع سيمون علوش تمار، وسجل معها أشرطة كاسيت. ومنذ التسعينات أصبح فاعلا أساسيا في تمثيل قسنطينة في مناقشة وتنفيذ السياسة الرسمية للتراث الموسيقي؛ ما خوّله لأن يكون عضو إدارة الجمعية الوطنية لحماية الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية، حيث عُين سنة 1999 مديرا تقنيا مكلفا بنشر نوبات المالوف وتسجيلها لدى الديوان الوطني لحقوق التأليف، بقيادته الجوق المتكون من عبد المومن بن طوبال، ومحمد الطاهر الفرقاني وحمدي بناني.

وقد نادى قدور درسوني بضرورة حماية المالوف من الاندثار؛ قال: "كنا نلاحظ ضياع النصوص الشعرية والألحان، وقررنا حماية ما كان معروفا في تلمسان والجزائر وقسنطينة. وكانت المرحلة الأولى تتمثل في حماية المتون الشعرية. وفي مرحلة ثانية كان علينا تسجيل الموسيقى، وكان ينبغي أن تتصل المرحلة الثالثة بكتابة الموسيقى". وللفنان آثار بليغة في عالم المالوف القسنطيني؛ لعل أهمها أجيال الموسيقيين الذين تتلمذوا على يده، وخلّدوا بعد ذلك المالوف بطريقة صحيحة؛ أمثال كمال بودة، وحسان برمكي، وغيرهما كثيرون. وتوفي الشيخ قدور الدرسوني، رحمه الله، يوم 20 أفريل 2020 عن عمر 93 سنة.