التثمين الاقتصادي للتراث الثقافيّ

إجماع على ضرورة الحماية والتأمين

إجماع على ضرورة الحماية والتأمين
  • القراءات: 538
نوال جاوت نوال جاوت

انطلقت فعاليات شهر التراث الممتدة إلى غاية 18 ماي القادم، أول أمس الأحد، تحت شعار "التثمين الاقتصادي للتراث الثقافي"، بتنظيم عدد من المعارض حول التراث الثقافي والمهن التقليدية، إلى جانب ندوات متخصصة، وورشات وخرجات بيداغوجية؛ حيث شهدت مختلف مناطق الوطن العديد من المحاضرات، التي تمحورت حول دور التكنولوجيات الجديدة في ترقية التراث الثقافي، وضرورة حفظ وحماية التراث من السرقة والنهب، إلى جانب إبراز خصوصيات التراث الجزائري المادي وغير المادي.

في هذا الصدد، أكد مدير مركز الفنون والمعارض بتلمسان، أمين بودفلا، أن التطور التكنولوجي "وسيلة ناجعة" للحفاظ على التراث الثقافي الوطني وترقيته. واستعرض في تدخله خلال يوم دراسي حول "التثمين الاقتصادي للتراث الثقافي" بدار الثقافة "مولود معمري" بتيزي وزو، تجربة مركزه في المجال، التي انطلقت منذ 2011 بفضل التكنولوجيات الجديدة.

الهولوغرام لترقية السياحة التاريخية

وأفاد المحاضر في السياق، بأن التكنولوجيات الجديدة سمحت بـ "إعادة تشكيل، بفضل تقنية ثلاثي الأبعاد، هولغرامات العديد من القطع التراثية، لا سيما قطع المتاحف، التي لا يمكن لمسها باليد أو غير القابلة للنقل، لجعلها في متناول جمهور أوسع". واعتبر أن هذا الأمر "يساهم في تعميم ومشاركة هذا التراث، وبالتالي إثارة الاهتمام والإعجاب بشأنه؛ من خلال التعريف به موازاة مع تخليده من خلال تركه أثرا". كما أشار السيد بودفلا إلى تقديم "اقتراح لسلطات البلاد، اعتماد هذه الوسيلة العصرية على مستوى الممثليات الدبلوماسية الجزائرية بالخارج؛ بغرض ترقية التراث الثقافي، والترويج للسياحة الجزائرية". ومن جهته، دعا الأستاذ محمد عشير من جامعة "مولود معمري" في مداخلته بعنوان "العمل الجماعي وتجماعث كقاعدة للاقتصاد التضامني القروي بالقبائل"، إلى التحول إلى مشاريع اقتصادية مدرّة للمداخيل لفائدة الجماعة". وأوضح بشأن الاقتصاد التضامني التدويري الذي يفيد جل سكان القرية في إطار مختلف التظاهرات على غرار "التويزة"، أنه اقتصاد مؤسَّس على "قاعدة" رغم أنها ليست نقدية، وفق تعبيره.

من حفظ الماضي إلى بديل اقتصادي

كما نظم مركز الفنون لقصر "رياس البحر، بنفس المناسبة، يوما اعلاميا تحت عنوان "التراث الثقافي.. من حفظ الماضي إلى بديل اقتصادي"، بمشاركة مختصين ومهنيين وفاعلين في القطاع والمؤسسات النظامية المكلفة بالتراث الثقافي، إلى جانب ممثلين عن الجمعيات المهتمة بالتراث. وأجمع المتدخلون على ضرورة حماية وتأمين التراث الثقافي الوطني. وقالت السيدة فايزة رياش مديرة المركز في كلمة الافتتاح، إن هذا الاهتمام بالتراث يجب أن يتواصل حتى يكون "منتجا ومساهما في الاقتصادي الوطني، مؤكدة على ضرورة العمل بكل الوسائل، وتعزيز التعاون المشترك مع كل المؤسسات المعنية بحماية التراث، لتوقيف "النزيف والسرقة والنهب التي تتعرض لها المواقع الأثرية".

وفي هذا الشأن، أشارت السيدة سعيدة كاشر ممثلة المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ والتاريخ وعلم الإنسان، إلى دور المركز في التكوين والمحافظة على التراث الثقافي المادي وغير المادي؛ مثل التراث الغنائي والرقص القديم، وأيضا طرق الاحتفال بالمناسبات الدينية والأسرية الموروثة عن الأجداد، مثل السبيبة، وبعض العادات والأطباق العريقة للتعريف بها وتصنيفها من قبل اليونسكو ضمن التراث العالمي.

فترة مفصلية لتاريخ الجزائر العمرانيّ

وشكّل موضوع "المنشآت المائية لمدينة الجزائر خلال العهد العثماني"، محور ندوة نُظمت بدار القاضي بالقصبة (مقر الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة)؛ حيث تناولت المهندسة المعمارية المختصة في تاريخ تقنيات حفظ التراث والمعالم التاريخية دليلة كماش أوزيدان، التجهيزات المكونة للنظام المائي، وأهم التقنيات المستعملة في وضع شبكة قنوات المياه والصهاريج والخزانات وقناطر المياه بمدينة الجزائر المنجزة خلال الفترة العثمانية، مبرزة أهمية هذه المنشآت في تثمين التراث الثقافي الجزائري. وفي هذا الصدد، ذكرت الدكتورة كماش أن القرن الأول من الوجود العثماني في مدينة الجزائر، شكّل فترة مفصلية لتاريخها العمراني؛ حيث تم إنشاء أربع قنوات مياه رئيسة لتزويد المدينة، وإرساء نظام مجاري تصريف مائية بكل أحياء وأزقة المدينة؛ حيث تصب في مختلف المنشآت كالقناطر المائية والخزانات الأرضية، ويتم توزيع المياه نحو العيون العمومية.

وأشارت المتحدثة إلى أن الفرنسيين توجهوا مبكرا في السنوات الأولى من الاحتلال، إلى دراسة نمط التجهيزات المائية لمدينة الجزائر، ومنهم الجيولوجي كلود روزيت، الذي قدّم وصفا دقيقا لشبكة قنوات المياه بمدينة الجزائر في كتابه "الرحلات الثلاث لمدينة الجزائر" سنة 1833. وأضافت المهندسة المعمارية أن الفرنسيين انبهروا لمستوى التقنيات المستخدمة، والممرات المستحدثة بدقة لهذه المنشآت المائية رغم التركيب الجيولوجي للمدينة القديمة؛ بغية إيصال الماء إلى مختلف أجزاء القصبة وكذا دويرات الفحص والأحواش المحيطة بالمدينة القديمة، وهو نظام متوارَث من العهد العثماني، مبرزة دور العثمانيين في تطوير ونقل هذه التقنيات إلى الجزائر؛ حيث إن مدينة الجزائر خلال الفترة العثمانية، كانت من المدن التي عرفت تطورا كبيرا في مجال العمارة المائية.