"أحلامي" في عددها الثاني

مجادلة بين الأدب والفن السابع في الجزائر

مجادلة بين الأدب والفن السابع في الجزائر
العدد الثاني من مجلة "أحلامي" الجزائرية
  • 1017
مريم. ن مريم. ن

صدر العدد الثاني من مجلة "أحلامي" الجزائرية، مؤخرا، وهي مجلة مستقلة اجتماعية ثقافية متنوعة، ساهمت فيها بعض الأسماء الثقافية، منها الكاتب بوداود عمير بمقال حول العلاقة بين الأدب والسينما في الجزائر، وهي علاقة تبدو، حسبه، باهتة، لا تعكس مكانة السينما الجزائرية والأدب الجزائري.

كتب هذا المؤلف عن خلل العلاقة بين الأدب والسينما في الجزائر. واستحضر في البداية الروائي الراحل الطاهر وطار، حيث سُئل مرة عن سر عدم اهتمام السينما الجزائرية بأعماله الروائية، والأعمال الأدبية الجزائرية عموما، لا سيما منها المنجزة باللغة العربية، فأجاب بصراحته المعهودة، بأن السواد الأعظم من المخرجين الجزائريين يقرأون باللغة الفرنسية وحدها ولا يقرأون باللغة العربية، وأن قصته "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" التي تحولت إلى عمل مسرحي (من إخراج زياني شريف عياد)، ما كان لها أن تحظى بالاقتباس المسرحي - كما قال - لو لم تترجم إلى الفرنسية.

ولعل الأمر نفسه ينطبق على قصته "نوة" من مجموعته القصصية "دخان من قلبي"، التي تحولت إلى فيلم سينمائي على يد المخرج عبد العزيز طولبي. كما أشار الكاتب عمير إلى أن "الإشكالية التي طرحها الطاهر وطار على أهميتها، لا تشكل فيما يبدو، العائق الوحيد من وراء خلل العلاقة القائمة بين الأدب والسينما في الجزائر، وإلا كيف يفسَّر عدم اقتباس روايته الشهيرة "اللاز" إلى السينما رغم أن نسختها المترجمة حققت مقروئية معتبرة وسط شريحة واسعة من القراء المفرنسين، ورغم توافر جميع عناصر نجاحها سينمائيا. والسبب الرئيس ـ كما هو واضح لمن قرأ الرواية ـ ليس اللغة بالضرورة، إنما الثيمة المتناوَلة من طرف الكاتب، متمثلة في تسليط الضوء على الوجه الآخر للثورة بعيدا عن التمجيد، والتي تشكل، من المؤكد، "طابو" حقيقيا ضمن جملة من الثيمات التي تلامس دائرة المسكوت عنه، ومن ثم لا نترقب من سينما جزائرية بطابعها الرسمي، تناولها بكل حرية وبعيدا عن الرقابة، وهي التي تعتمد في تمويل ميزانيتها أساسا، على الدولة.

والأمر الأساس المهم في اعتقاد هذا الكاتب بصرف النظر عن لغة الكتابة، هو هذا القلق الذي يشبه التوجس في معادلة التصدي للعمل الإبداعي، بين كاتب شديد الحرص على أمانة الاقتباس، لعمل إبداعي وضع فيه عصارة فكره وخياله، وبين مخرج أسير أدواته الفنية التي تقتضيها المعالجة السينمائية للنصوص الأدبية؛ الأمر الذي قد يجبره على التصرف في النص الأصلي، وأحيانا اختيار أحداث أو شخوص وحتى نهايات أخرى للنص من بنات أفكاره؛ باعتباره كاتب السيناريو في الغالب، فليس غريبا ـ والأمر كما يرى ـ أن نشهد تفشي ظاهرة أثرت سلبا على إنتاج العديد من الأفلام الجزائرية، تتمثل في احتكار كتابة السيناريو من طرف أغلب المخرجين رغم أن السيناريو، كما هو متعارف عليه في عالم السينما، وظيفة فنية قائمة بذاتها.

ولعل فيلم "ريح الجنوب" للمخرج محمد سليم رياض المقتبس عن رواية الكاتب الجزائري الراحل عبد الحميد بن هدوقة، أكبر دليل على التشويه الذي طال النص الروائي موضوع الاقتباس، عندما اختار المخرج نهاية أخرى، مغايرة تماما لنهاية الرواية، كما تصورها بن هدوقة - ترجمها إلى الفرنسية مارسيل بوا - بصرف النظر طبعا عن النجاح الفني والجماهيري الذي حققه الفيلم، وأهميته التاريخية في الخروج من دائرة السينما الثورية، إلى السينما التي تغوص في قضايا المجتمع، ما بعد الاستقلال، وهو المشهد النهائي ـ في الفيلم يختار المخرج الفرار إلى المدينة كحل، في حين يختار الروائي الصمود داخل القرية ـ الذي أثار حفيظة بن هدوقة، معبرا عن ذلك بمضض؛ "أفضّل من قرأ الرواية أن يشاهد الفيلم، ومن شاهد الفيلم أن يقرأ الرواية".

علاوة على أن الرواية الجزائرية في معظمها، تتميز بالاشتغال المفرط على اللغة والإغراق في الإيحاء والرمزية، إلى جانب افتقارها إلى الحكي؛ الأمر الذي يصعب نوعا ما من مهمة تحويلها إلى السينما، وهو ما يؤكده الناقد السينمائي والمخرج سعيد ولد خليفة في قوله: "ما ينقص الرواية الجزائرية، حاليا، سواء تلك المكتوبة باللغة العربية أو الفرنسية، هو الاشتغال على التخيل".