الدكتور حيولة في ندوة بالمكتبة الوطنية:

تقرير ستورا يعكس البنية الثقافية الفرنسية المُشبَعة بالتمركز حول الذات

تقرير ستورا يعكس البنية الثقافية الفرنسية المُشبَعة بالتمركز حول الذات
الدكتور سليم حيولة
  • القراءات: 804
لطيفة داريب لطيفة داريب

قدم الدكتور سليم حيولة من جامعة المدية، مداخلة بعنوان "الذاكرة الثقافية، إعادة تركيب الحضور الهوياتي ما قبل الاستعمار"، خلال مشاركته في ندوة "الذاكرة الثقافية" التي أقيمت مؤخرا، بالمكتبة الوطنية الحامة في الجزائر العاصمة، رفقة مجموعة من الباحثين الجزائريين في مجال الدراسات الكولونيالية وما بعد الكولونيالية، التي تُعنى بتخليص الثقافة الوطنية من المخلفات الثقافية للاستعمار، وهم الأستاذ وحيد بن بوعزيز من جامعة الجزائر "2"، علي خفيف من جامعة عنابة وخالد عثمانين من جامعة خميس مليانة.

جاء في محاضرة الدكتور سليم حيولة، أن الاعتراف بجرائم الاستعمار شفاءٌ حضاري للمستعمَر والمستعمِر كليهما، والإنسان ليس كائنا تاريخيا فحسب، بل هو أيضا كائن ثقافي، فلم تخلُ من الثقافة حاضرة بشرية منذ بداية الخلق، ويُعد كل تفكيك لهذه البنية، تفكيكا لعراها الوثقى وتحطيما لخصوصياتها التي تُمكن أبناءَها من العيش الكريم، والتفاعل الناجح مع المستجدات المختلفة.

الهوية الجزائرية تأسست على الموروث الديني المتسامح

أضاف أنه ضمن هذا الإطار، تأسست الهوية الجزائرية على الموروث الديني الإسلامي المتسامح عبر تاريخها الطويل مع كل الديانات والاعتقادات، كاليهودية والمسيحية، وعلى اللغة العربية التي ورثت اللغةَ البونيقية (مزيج من اللهجات السامية والمحلية)، مشيرا إلى أن الاستعمار فكك البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع الجزائري منذ بدايات سيطرته على الجزائر، وهي المسألة التي أفاض عبد القادر جغلول" في كتابه "الاستعمار والصراعات الثقافية في الجزائر" في الحديث عنها.

اعتبر الدكتور أن الاستعمار قام بعمل تخريبي من النواحي الاجتماعية والنفسية والثقافية، ليس علينا كمستعمَرين، فحسب، وإنما على المستعمِرين أيضا، كما ذهب إلى ذلك "فرانز فانون" في مؤلفاته المتعددة، وهو ما مثلته رواية "نزل سانت جورج" للروائي الجزائري رشيد بوجدرة، الذي تابع وصف ما حصل للفرنسي صانع التوابيت  جراء مشاهداته اليومية للقتلى، الأمر الذي جعله يُصاب بلوثة أصبح معها عاجزا عن الكلام، لذلك فالاعتراف بجرائم الاستعمار شفاءُ للمستعمِر والمستعمَر في الوقت نفسه. قال الدكتور، إن تاريخ تبلور الهوية الجزائرية التي ما زالت معالمها واضحة إلى اليوم، رغم الشوائب الاستعمارية، يعود إلى ما قبل فترة الاستعمار، وعلى الخصوص إلى القرن العاشر، حيث تأسست دولة الزيريين في مكان يُسمى "الكاف لخضر" في ضواحي بلدة عين بوسيف التابعة لولاية المدية، وما زالت شواهد تلك الحاضرة ظاهرة للعيان إلى اليوم، وبحاجة للتنقيب عما تكتنزه من تقنيات وما تُخفيه من معارف.

إعادة الاعتبار للموروث العمراني

أضاف أن خبرة الزيريين الحضارية على يد زيري بن مناد الصنهاجي وأولاده، مكنت من التقدم في الكثير من المجالات العلمية، الأمر الذي سمح لهم بإعادة تكوين الواقع الاجتماعي والثقافي السامي- الحامي في تلك الفترة، وكما يرى عبد الرحمن جيلالي في كتابه "تاريخ المدن الثلاث"، فقد قام الزيريون بإعادة بناء ثلاث مدن في 970 للميلاد، هي؛ مدينة المدية (لاميدا) ومليانة (زوكابار- مليليان) والعاصمة (إيكوسيوم) بعد تخريبها في القرن الخامس الميلادي، جراء غزو الوندال شمال إفريقيا، للقضاء على الوجود الروماني فيها، وفي هذه الفترة بالتحديد، بدأت معالم الهوية الثقافية الجزائرية تتأسس، من خلال الجمع بين تلك العناصر التي تم ذكرها، والمنصهرة لتكوين ما أصبح يُحدد ملامحَ الهوية الجزائرية الحالية.

تابع "لذلك وأمام كل عملية حفاظ على الذاكرة الثقافية، فإنه علينا العناية بحواضرنا التي ما زالت تحوي ممارسات اجتماعية أصيلة، وإعادة الاعتبار لكل موروث عمراني فيها، والعمل على إخراج المخطوطات التي ما زالت بعيدة عن أيادي الباحثين والمحققين لتحقيقها ودراستها، والنظر فيما تحويه من علوم ومعارف في مجالات مختلفة، الأمر الذي سيسمح لنا بإعادة بناء واقعنا الثقافي على ما كتبه أسلافنا وعلى ما خلفوه، وهي عملية لابد من أن تُشارك فيها مؤسسات الدولة ومجموعات مختصة من الباحثين الأكاديميين، لإعادة تركيب التاريخ الثقافي للجزائر الذي يسمح في نهاية المطاف، بالتحرك ضمن إطار هوياتي أصيل".

الفكر الأوروبي قائم على عقدة المركزية

كما قدم الدكتور قراءة في تقرير المؤرخ بنيامين ستورا، ذكر أنه يمكن ملاحظة أن كل ما يصدر عن فرنسا لا يمكنه ألا يكون مخالفا للبنية الثقافية والفكرية الفرنسية، المُشبَعة بالتمركز حول الذات، والتي ترى الاستعمار مشروعا حضاريا قام من أجل تحرير الشعوب غير الأوربية من تخلفها، متناسيةً ما خلفه من دمار نفسي وتفكك اجتماعي وانهيار اقتصادي، لأن الفكر الأوربي بعامة، قائم على عقدة المركزية Ethno-centrisme القائمة على اعتبار الذات الأوربية متفوقة ومتحضرة، وأن عليها تصديرَ القيم الإنسانية التي تراها مناسبة لباقي الكيانات الأخرى خارج أوربا وأمريكا، لكنها في حقيقة الأمر استعمارٌ بغيض لا يهدف إلى تحقيق التواصل الحضاري وتحضير الشعوب، بقدر ما كان قضاء على النظم الوطنية لتلك الدول ونهب خيراتها وتفكيك بنياتها الثقافية والاجتماعية.

تابع مجددا "لا يمكن أن ننتظر من فرنسا الرسمية أن تُقدم اعتذاراتها للشعب الجزائري، إنما علينا أن نُرغمها على ذلك، بعد أن نقيم دعائم حكم قوي مبني على أساس ديمقراطي فعلي متين، لتكون بلدنا قوية باقتصادها وسياساتها منفكة عن الموجهات الفرنسية والأجنبية، محققة استقلالها الاقتصادي والثقافي، حينها سترضخ فرنسا، وسيظهر خطاب آخر غير الذي هو قوي الآن، لأن الفكر الأوربي المُسيطر هو ذلك الذي يرى في البلدان الأخرى في إفريقيا وآسيا مكانا يُستعمر ويُهيمن عليه، رغم وجود عدد هام من المثقفين الفرنسيين الذين يُدركون أن الاستعمار كان عملا مُشينا وفعلا وحشيا، لابد من إدانته، لأنه لم يُقدم للدول التي استعمرها سوى الخراب".

أضاف أن الأدب الأوربي عبر عن هذا الفكر المتمركز من خلال الرواية الأوربية، التي ازدهرت خلال القرن التاسع عشر، فنص "روبنسون كروزو" للكاتب الإنجليزي دانييل ديفو، عبارة عن قصة رجل إنجليزي انقطعت به السبلُ في جزيرة مهجورة، بعد غرق السفينة التي كانت تقله، ومن خلال حياته فيها يقوم بالسيطرة على كل الموجودات في تلك الجزيرة، ويلتقي شخصا ليس له اسم يقوم بتسميته ويعلمه اللغة والدين والثقافة، وفي الأخير يكون تابعا له، وهو أقصى ما يمكن أن تكون عليه العلاقة بين الأوربي والآخر، فلحظة لقاء كروزو بفرايداي هي لقاء السيد الأوربي بالعبد الزنجي، وهنا تسقط مسألة الرسالة التحضيرية للاستعمار، والأمر نفسه بالنسبة للكاتب الآخر "ألبير كامو" في نصيه "الغريب" و"الطاعون"، حيث تبقى التمثيلات نفسها للآخر الذي يبقى غير معين وغائبا صامتا في نصوصه، وكأنه غير جدير بأن يتملك أرضَه، وهو عين منطق الاستعمار الذي سيطر على جزء كبير من قارتي إفريقيا وآسيا، وارتكب جرائم لن ينساها التاريخ.