تأسف لعدم تطرقه للاعتذار والتعويضات.. الخبير لركش:

تقرير ستورا يلعب على شقين بشكل خطير

تقرير ستورا يلعب على شقين بشكل خطير
الخبير الدولي في تسيير الاستراتيجي للمخاطر، صديق لركش
  • القراءات: 410
و. أ و. أ

اعتبر الخبير الدولي في تسيير الاستراتيجي للمخاطر، صديق لركش، التقرير الذي أعده المؤرخ بنجامين ستورا، حول الاحتلال وحرب التحرير، "يلعب على شقين بشكل خطير من خلال وضع المسؤوليات في حالة تناظر، ولكن ليس تعويضات الضحايا".

وكتب الخبير في مقال رأي مخاطبا المؤرخ الفرنسي، "لقد راهنتم على اللعب على شقين حيث المسؤوليات دوما في تناظر من أجل إنقاذ محاولة إثبات مضنية، لم يكن لها لتنجح في مواجهة شياطين الماضي"، قبل أن يضيف بأن "هذه المعادلة لا يمكنها الصمود.. تناظر الذاكرتين والمسؤوليات مقابل لا تناظر التعويضات للضحايا، والكل في صياغة ذات طابع رسمي صعبة الإدراك وكأن الأمر مقصود". وإذ تأسف الأستاذ الجامعي "للعب الدائم على إقرار توازن بين القوة الاستعمارية والأوروبيين والحركى والجزائريين الأصليين"، وجه أصابع الاتهام إلى "الذاتية التي تحمّل مسؤوليتها المؤرخ بنجامين ستورا، والتي يزداد وضوحها من خلال ذكر عدة مؤلفين دعما لخطاب يركز على تاريخ الذاكرة وتاريخ حرب الجزائر". وأضاف الأستاذ لركش، مخاطبا ستورا "على ما يبدو فإنكم اعتمدتم توجها مبني على التناظر الدائم للظواهر المسجلة، بالابتعاد عن الحقيقة التاريخية والتي كانت بدورها بعيدة كل البعد عن التوازن بين مختلف الأطراف". كما عاب صاحب المقال على المؤرخ الفرنسي إرادته في "التغاضي عن ذاك العنف غير المسبوق في حق الجزائريين الأصليين، ما بين 1830 و1962.. في محاولة لتبرير تناظر الذاكرتين وقياس المسؤوليات".

وبعد التذكير بأن مسؤولية الاستعمار أحادية الجانب قال الأستاذ لركش، متوجها للمؤرخ الفرنسي ستورا "تظاهرتم بأنكم تجهلون بأن العنف من جانب القوة الاستعمارية والأوروبيين الداعمين لها كان واسع النطاق وآليا، في حين كان من جانب الأهالي ردة فعل بشكل متقطع وتقليدي.. فحرب التحرير لم تكن هي الأعنف وإنما إبادة ثلاثين بالمائة من الساكنة التي تعرضت لأبشع صور العنف والتقتيل"، يضيف الأستاذ صديق لركش، موضحا بأن الرواية الرسمية الفرنسية تتجنب الإطالة في هذه المأساة، "بل ويذهب البعض ـ كما تفعلون ـ إلى التخفيف من مفهوم هذا التعنيف". وأكد الأستاذ الجامعي بأن المؤرخ ستورا، لجأ إلى استعمال هذا المفهوم من أجل "دعم محاولته لإثبات تناظر المسؤوليات"، وكذا "الجوانب الجميلة للمجتمع الاستعماري ضمن عالم احتكاك وتفاعل  إيجابي".

واستطرد في هذا الشأن، أن "النهج الاستعماري شبيه بالنازية بل هو أسوء منها"، موضحا أن "الإيديولوجية الاستعمارية أكثر خبثا من الإيديولوجية النازية، بالرغم من كون هذه الأخيرة سعت إلى موت الآخر في ظل نظام شمولي". كما أشار إلى أن "العقيدة الاستعمارية (الكولونيالية) أكثر شرا لأنها مربوطة بنموذج ديمقراطي وتختبئ وراء مبادئ جمهورية، بغية ترسيخ خرافة المهمة الحضارية عن طريق المجازر والسيطرة". وشدد الكاتب على أن خزي فرنسا الاستعمارية في الجزائر تعكسه المجازر والمحارق المرتكبة طيلة مائة وثلاثين سنة، حيث تطورت من المحارق خلال مرحلة الغزو إلى الإبادة المتتالية لقرى بأكملها، ثم إلى جرائم ضد الإنسانية في الثامن ماي 1945".

تراجع في مسعى تصالح الذاكرتين

وتساءل الخبير الدولي، في هذا الصدد عن "التراجع الملاحظ ما بين 2011 و2021 لدى ستورا، الذي لم يعد يقترح في توصياته الاعتراف بـ17 أكتوبر 1961 كجريمة دولة، وأيضا عن صمته بشأن الاعتراف بـ8 ماي 1945 التي تعد جريمة ضد الإنسانية". وأشار إلى أن القارئ يلمس التحيز السياسي للمؤرخ في تقريره من البداية إلى النهاية إلى درجة محرجة".

وخاطب ستورا، في هذا الإطار بقوله "سرعان ما ندرك أن هدفك هو السعي من خلال بعض المقترحات إلى عدم التطرق إلى الأهم، أي الاعتراف التام والكامل بمسؤولية الدولة الفرنسية في الاستعمار، الذي كان رهيبا بالنسبة للجزائريين بجرائمه ضد الإنسانية وجرائم الدولة"، مسجلا أن "النظرة التي سعى المؤرخ الفرنسي إلى بلورتها والتي يفترض أن تكون طموحة تحمل في الواقع على التراجع في مسعى تصالح الذاكرتين". كما أعاب عليه "تضييع فرصة لتحقيق خطوة إلى الأمام.. خطوة نحو المسؤولية والاعتراف".

وفيما يخص التوصيات التي تضمنها تقرير المؤرخ الفرنسي، اعتبر الخبير أنها "لا تحمل شيئا جديدا" مقارنة بالنتائج التي تخلص إليها اللجان المختلطة الفرنسية ـ الجزائرية خلال اجتماعاتها المنتظمة، مضيفا أن الاقتراحات القليلة التي تضمنها التقرير "تركز على الأهم.. أي الموقف المأساوي القاضي بعدم الاعتراف الكامل بمسؤوليات الدولة الفرنسية". واسترسل الكاتب لركش، متوجها للمؤرخ بنجامين ستورا، "المذهل في الأمر، هو أنكم على ما يبدو تشددتم بمرور الوقت، وكأن مهنة المؤرخ طغى عليها البعد السياسي"، متأسفا لكون ستورا، لم يحذو حذو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان قد فتح الباب باعترافه بالجرائم ضد الإنسانية وبضرورة الاعتذار، وأضاف الأستاذ لركش، في نفس السياق "عوض إدراج عملكم ضمن الامتداد الإيديولوجي للرئيس ماكرون، فضّلتم التراجع إلى الوراء بنية التهرب من المسائل الجوهرية واللعب على تناظر المسؤوليات وطائفية الذاكرة التي تزيد من التمييز ضد حاملي الجنسية الفرنسية من أصول جزائرية".

في الأخير تأسف الأستاذ لركش، لعدم تطرق تقرير ستورا إلى الاعتذارات التي أعرب عنها الرئيس ماكرون، سنة 2017 وكذا إلى مشروع تجريم الاستعمار في الجزائر، أو قضية  التعويضات التي طرحها مثقفون فرنسيون وجزائريون والتي بت فيها المجلس الدستوري الفرنسي إيجابيا سنة 2018.