الباحث والمؤلف سليم سوهالي لـ’’المساء":

‘’شيشناق" أمازيغي الأصل حكم مصر

‘’شيشناق" أمازيغي الأصل حكم مصر
  • القراءات: 1195
 حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

نصب التمثال رمز للوحدة بين الشعوب وليس للتفرقة بينها

كثر الحديث عن أصل الملك "شيشناق"، خاصة بعد نصب تمثال له بمدينة تيزي وزو، وفي هذا السياق، اتصلت "المساء" بالباحث في التاريخ والفنان والكاتب سليم سوهالي، الذي سبق له إصدار كتاب بعنوان "شيشناق"، وطرحت عليه أسئلة حول الموضوع، فكان هذا الحوار.

❊ ما تعليقك حول الجلبة التي حدثت حول أصل "شيشناق" بعد نصب تمثاله في تيزي وزو؟

❊❊ يندهش الإنسان من هذه النقاشات العقيمة التي تصدرت وسائط التواصل الاجتماعي، وجاءت بعد نصب تمثال الملك "شيشناق"، حيث توسع النقاش الذي بدأ محليا إلى خارج الوطن، واتخذ مسارا مغايرا لما كنا نرجوه، فشهدنا تداخل الآراء وتعدد الرؤى، حتى أنه تحول الكثير منها إلى شتم وسب وقلة أدب.

كان من المفروض أن يكون هذا النقاش هادئا، نتبادل فيه المعلومات والآراء دون إقحام الدين والمعتقد في مثل هذه المواضيع ذات الطابع التاريخي. وقد سمعنا من بعض "الشيوخ" الإدلاء بآراء لا تمت للدين والمعتقد بصلة، كما أنها بعيدة كل البعد عن التاريخ . في المقابل، علينا أن نرتقي ونحول هذا النوع من النقاش إلى حوار علمي يفسح فيه المجال لذوي التخصص، ولدينا من الأكاديميين والمؤرخين ما يكفي لمناقشة مثل هذه المواضيع، كما يفترض عدم إلصاق الطابع العنصري أو الطائفي والإيديولوجي لهذا النوع من النقاش. 


التاريخ يفقد مصداقيته إذا ما أخذ كمسلمة لا جدال فيها


❊ لماذا يكثر اللغط في مناقشة مثل هذه المواضيع؟ 

❊❊ ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال الصعب، لكنني أرى بكل تواضع، أن ظاهرة العودة إلى التاريخ، أصبحت طريقة شائعة لاستعادة الانتماء المفقود أو محاولة العثور على الذات الضائعة، فاهتزاز وجدان الأمة وإحساسها بأن شخصيتها بدأت تضمحل، لسبب أو لآخر، يدفعها إلى فتح سجلات الماضي لإيجاد حل لمأزقها ورفع معنوياتها.

لكن لابد أن ننبه إلى أن التاريخ يفقد مصداقيته إذا ما أخذ كمسلمة لا جدال فيها، بل ولا تعود له أي قيمة علمية· إذا ما تم تقديسه، لهذا السبب نجد أن أغلب ما كتب لا يتضمن أي قيمة معرفية، بل هو عبارة عن تكرار ممل لما هو موجود في كتب التاريخ السقيمة، التي لم تخضع لعين العقل إلى اليوم.. إن مصداقية التاريخ تحتاج إلى إثارة الشك فيها أولا، الشك العقلي المعروف بالشك الديكارتي.

❊ هل تطالب بضرورة تنقيح التاريخ؟

❊❊ نعم هذا ما يجب أن نقوم به حتى لا يتحول تاريخنا الوطني إلى تاريخ مجزأ، فيجب أن نصحح تاريخنا بأنفسنا، لأن التاريخ يساعدنا في بناء الدولة الوطنية التي نسعى إلى تجسيدها على أرض الواقع، أي الوصول إلى دولة متصالحة مع ذاتها .

❊ بالعودة إلى قضية "شيشناق"، ما تعليقك على جدل أصوله، والذي تدخل فيه باحثون من الجزائر ومصر وليبيا؟

❊❊ قبل الخوض في الموضوع، علينا أولا تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي أنتجتها منظومات تربوية مؤدلجة. وحسب أهل الاختصاص، فالمدلول التاريخي والجغرافي لكلمة ليبيا في التاريخ القديم، يعني ذلك الإقليم الممتد من مصر شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى ما يُعرف اليوم بالصحراء، والتي ثبت أنها لم تكن على هذه الطبيعة المورفولوجية آنذاك.

هذا الإقليم أصبح يُعرف بالمغرب القديم، ومن ثمة المغرب العربي، وهذا متفق عليه من قبل كل المهتمين بتاريخ هذه الرقعة الجغرافية، وربما افتقار بلاد المغرب القديم للوثائق المدونة حول تاريخها، نتيجة تأخُر أهل المنطقة في التوصل إلى وسيلة تدوين مثل هذه الوثائق، ساهم نوعا ما في تغييب ما خلفوه من  مظاهر حضارية، لكنهم في المقابل، خلفوا لنا إرثا عظيما من الفن الجداري المصاحب أحيانا لبعض الرموز، وهذه الرسومات نجدها قليلة بالمناطق الساحلية، لكنها كثيرة بالمناطق الداخلية مثل مرتفعات الأطلس الصحراوي وهي غزيرة في الجنوب على مرتفعات فزان، التاسيلي والأهقار.

❊ فيما تكمن أهمية هذه الرسوم  في رأيك؟

❊❊ سأستعين بما قاله أهل الاختصاص، الذين يعتقدون أن هذه الرسوم كانت بمثابة الوسيلة الأولى التي استعملها إنسان المنطقة في التواصل والتعبير عن هواجسه طيلة آلاف السنين، ويمكن القول، إنه ابتداء من الألف السادسة قبل الميلاد لم ينقطع هذا العطاء، حيث رسم الإنسان الآلاف من اللوحات التي تعتبر مصدرا خاما للدراسات، فهي وإن لم تكن وثائق تاريخية مدونة، فإنها في الواقع وثائق أثرية. وقد قدمت الباحثة الجزائرية مليكة حشيد الكثير من المعلومات القيمة في أبحاثها. 

❊ ما يمكن أن نستنتجه من هذه الرسوم؟ 

❊❊ من خلال تتبع تطور وتسلسل مواضيع هذه الرسومات، لوحظ مدى تطور المستوى الحضاري لأصحابها، كما أن هذه الرسوم تزودنا بصور عن التميز الحضاري الذي عرفه سكان المغرب القديم، بامتداده الطبيعي للصحراء الوسطى، بالإضافة إلى ذلك، فهي تمدنا بصورة مختلفة تتعارض مع تلك التي كثيرا ما يقدمها بعض الكتاب المعاصرين حول التأخر والعجز الحضاري لإنسان بلاد المغرب، وبقاؤه في غياهب العصور الحجرية إلى غاية وصول الفينيقيين إلى المنطقة. ولقد استقى هؤلاء الكتاب معلوماتهم من بعض المصادر الكلاسيكية التي أعطت صورة مشوهة للحقيقة، في حين أن هناك مصدرا أقدم وأقرب من الناحية الجغرافية، وأقصد من الناحية الإقليمية والإثنية واللغوية من أهل المنطقة، وهو المصدر المصري.


لجأ علماء التاريخ إلى الاستنجاد بالعلم والتكنولوجيا لمعرفة بعض الحقائق


❊ هل تعني بذلك، ضرورة الاعتماد على المصدر المصري دون غيره؟

❊❊ نعم بالنسبة للمراحل الأولى من تاريخنا، فالكثير من المهتمين بالتاريخ القديم اليوم يجمعون على أن هناك تفاعلا وتشابها في التقاليد والعادات واللغة بين المصريين القدماء والأمازيغ، ويؤكدون أن هذا التشابه نابع من التفاعل الذي كان قائما بين الحضارتين منذ فجر البشرية، فهذا ليس وليد الفترة التي استولى فيها الأمازيغ على عرش النيل، بعد نهاية حكم الأسرة المصرية الواحدة والعشرين سنة 950 ق.م، بل كان قائما منذ أن بدأت ملامح الحضارة الفرعونية تتشكل وتظهر على مسرح التاريخ، بل وأصبح من المؤكد أيضا أن شعوب شمال إفريقيا الأمازيغية، أو كما كان يطلق عليهم أحيانا اسم "الليبو" هم سكان أصليون وأوليون في منطقة نهر النيل. وأثارهم وصورهم موجودة بقوة في الآثار المصرية القديمة، مثلما هو الحال بالنسبة لنقوش منطقة Abu Ballas بالصحراء المصرية، التي تظهر رجلاصيادا يبدو ليبيا، يضع الريش (والتزيين بالريشة عادة أمازيغية متجذرة) على رأسه، ويلبس التنورة التي تظهر الليبيين في الرسومات المصرية يلبسونها.


علينا أن نستفيد من كل ما هو إيجابي لخدمة شعوبنا


❊ هل هناك أدلة أخرى تصب في هذا الموضوع؟

❊❊ بناء على ما قدمه الباحثون فيما يتعلق بالوثائق المصرية الفرعونية من أقدمها إلى أحدثها، فإننا يمكن أن نجزم أن قدماء مصر كانوا يطلقون على مجمل القبائل الأمازيغية المتواجدة غرب بلادهم، أسماء عديدة، وأهم هذه الأسماء أربعة التي ذُكرت حسب أقدميتها التاريخية وظهورها في الوثائق المصرية، وسأقدمها على النحو المعروف والمتفق عليه:

❊ أولا التحنو: وقد سجل أول ظهور لهم في الثلث الأخير من الألف الرابعة قبل الميلاد، وحسب المهتمين، فإن التحنو ظل اسمهم يتردد في الوثائق المصرية حتى عهد رمسيس الثالث (1198 ق.م.-1166) مؤسس الأسرة العشرين. كانوا يتميزون ببشرتهم السمراء ويعيشون غرب مصر من ناحية الدلتا.

❊ ثانيا التمحو: أما ظهور هؤلاء فيعود إلى منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد، في عهد الأسرة السادسة (2434 ق.م -2242). والتمحو من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعر الضارب إلى الشقرة، يعيشون أيضا غرب مصر من الناحية الجنوبية، ويبدو أن لهم امتدادا داخل الواحات الليبية.

❊ ثالثا الليبو: أول ظهور لهم عرف إلى حد الآن، كان في عهد الملك رمسيس الثاني (1298 ق.م - 1232 ق.م) من الأسرة الفرعونية التاسعة عشرة، وفي نصوص الملك مرنبتاح حوالي (1227 ق.م) الذي صد هجمة قوية علي الدلتا تزعمتها قبيلة الليبو تحت إمرة قائدها مرابي بن دد، بمشاركة القهق والمشواش، وهما قبيلتان أمازيغيتان، وبتحالف مع شعوب البحر. ومن هذا التاريخ لمع اسم الليبو. وتشير تحريات الباحثين إلى أنهم كانوا منتشرين غرب مواقع التحنو في منطقة برقة الحالية بليبيا.

وقد أطلق قدماء المصريين وفراعنة مصر على قبائل الأمازيغ التي تقطن غرب مصر اسم الليبيين. وعندما آلت المنطقة إلى الإغريقيين، أطلقوا هذا الاسم على كل شمال إفريقيا إلى الغرب من مصر. وقد استعمل أيضا هذا الاسم المؤرخ هيرودوت الذي زار ليبيا، في بداية النصف الثاني من القرن الخامس ق.م. ولمن أراد الاطلاع أكثر، عليه أن يعود إلى كتاب هيرودوت الذي حققه الدكتور عشي. 

❊ رابعا المشواش: بالنسبة لقبائل المشواش، تشير أقدم المعلومات المتوفرة حولهم إلى حد الآن، إلى أن اسمهم ورد لأول مرة على جزء من آنية فخارية من قصر الملك أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة، حيث جاء في الشطر الأول ما يدل على وجود أوان تحتوي علي دهن طازج من أبقار المشواش. كما ورد اسمهم في نصوص رمسيس الثاني الذي استخدمهم مع القهق والشردن في جيشه، وكذلك ورد في نصوص مرنبتاح، وظهر اسمهم بشكل بارز في نصوص رمسيس الثالث (1198 ¬1166 ق.م) مؤسس الأسرة العشرين الذي أحبط هجمتين قويتين، الأولي في العام الخامس من حكمه تضم القبائل البربرية: الليبو، والسيد، بتحالف أيضا مع شعوب البحر، والثانية في العام الحادي عشر بزعامة قبيلة المشواش هذه المرة، ومشاركة عدة قبائل منها الليبو، والأسبت والقايقش والشيت، والهسا، والبقن. وقد استقيت هذه المعلومات من عدة مصادر موثوقة ولا يمكن حصرها في مقال كهذا.


بعض الدراسات الجينية أكدت أن أكبر جزء من المصريين ينحدرون من نفس أصول الأمازيغ


❊ هل يمكن للعلم إثبات هذه المعلومات، من خلال الاعتماد على علم الجينات والخريطة الوراثية؟

❊❊ نعم، أصبح العلم هو الفاصل في مثل هذه القضايا التاريخية التي كثيرا ما تثير جدالا كبيرا، فعلم التاريخ حاول منذ زمن بعيد، التخلص من الخزعبلات، فالكثير منها تم حشوها في أذهان الناس، وتعكس ذاتية  كاتبها أو اتجاهه، وفي الغالب هي من نسج الخيال. لذا لجأ علماء التاريخ إلى الاستنجاد بالعلم والتكنولوجيا لمعرفة بعض الحقائق التي ظلت مغيبة عن الوعي الجماعي، وبذلك قدموا قراءة جديدة للتاريخ وبعض وقائعه.

للإجابة عن سؤالك أقول، وحسب ما امتلكه من معلومات متواضعة، فإن بعض الدراسات الجينية أكدت أن أكبر جزء من المصريين ينحدرون من نفس أصول الأمازيغ، أو ما يسمى اليوم بالشعوب المغاربية، ويلتقون قبل آلاف السنين في تحورات جينية مشتركة، فكلاهما يحمل تحورات تعود قديما للسلالة EM215 المعرفة بـ E1B1B.

هذا يؤكد العلاقة الوطيدة بين شعوب شمال إفريقيا.

❊❊ نعم، وذلك منذ آلاف السينين، فجل النقوش والآثار والوثائق العائدة لفترة ما قبل الأسرات وبعدها المؤرخة بحوالي (3400- 3200 ق.م.) قبل ظهور المملكة القديمة المؤرخة بحوالي (2900-2280ق.م.)، تدل بوضوح وبشكل قاطع عن هوية من سكن مصر في تلك الفترات الأولى لعهد تأسيس الحضارة الفرعونية في الأراضي المصرية. والتي بينت أنه في حوالي 4 ألاف سنة ق .م، قامت حروب بين سكان مصر في شرق النيل وسكان مصر الحالية غرب النيل، وهم الليبيون، أو كما نسميهم الأمازيغ، حيث يؤكد الباحث في الآثار المصرية اريك باث أن اسم مازيغ  من خلال بحث سنوات 1900 م، منتشر بقوة في كل شمال إفريقيا وفي ليبيا الحالية بصيغ مختلفة أساسها جدر الكلمة "م. ز.غ".   


أتمنى أن تنقشع سحب الجهل من سماء هذا البلد الجميل.


❊ ماذا يمكن استنتاجه من كل هذا؟

❊❊ نستنتج أننا شعوب تشترك في الكثير من الأشياء ولنا جذور ضاربة في عمق التاريخ، لذا علينا أن نستفيد من كل ما هو إيجابي لخدمة شعوبنا والابتعاد عن كل ما يمكن أن يزرع بذور التفرقة بيننا، فنصب تمثال "شيشناق" أعتبره رمزا للوحدة بين الشعوب وليس للتفرقة بينها، علينا أن نعمل على تثمين تاريخنا المشترك، انظروا إلى أوروبا رغم اختلاف شعوبها وثقافتها، فإنها تمكنت من بناء اتحاد  مشترك  وحولوا اختلافهم الثقافي والعرقي وتنوعهم اللغوي إلى شيء إيجابي، واعتبروه إرثا مشتركا، بينما لا زال عندنا من يشتمك ويتهمك بالكفر لمجرد أن تحتفل بعيد تقليدي ورثته عن أجدادك، أتمنى أن تنقشع سحب الجهل من سماء هذا البلد الجميل.