رسالة دكتوراه الراحل بشير ربوح تصدر بقطر

قراءة مختلفة للفكر الفلسفي الغربي

قراءة مختلفة للفكر الفلسفي الغربي
  • القراءات: 707
مريم.ن مريم.ن

صدر عن ”سلسلة أطروحات الدكتوراه” بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بقطر مؤخرا، كتاب للراحل بشير ربوح بعنوان ”المساءلة النقدية لمفهوم الميتافيزيقا في فضاء اللغة عند مارتن هايدغر”، وهو كتاب بالغ الأهمية، خاصة لجمهور الباحثين، إذ يقدم رؤية وتناولا جديدين في عالم الفكر والفلسفة.

يستمد هذا الكتاب أهميته من اشتغاله على مسار فلسفي، يهتم بنقد مفهوم الميتافيزيقا بطريقة مغايرة تماما لما هو سائد في الفكر الغربي، تم الاعتماد فيه على قراءة للمسار الهايدغري، وتتبع سؤال الكائن وسؤال الكينونة المنسي من متن النص الميتافيزيقي. عبر هايدغر عن مرحلة فكرية خطرة في الفكر الغربي؛ لأنه استشكل المسألة من جهة النسيان، لا من جهة الذاكرة، فهو بحث في الوجه المستبعد والمقصي واللامفكر فيه.

هذا الكتاب به خمسة فصول، في 456 صفحة بالقطع الوسط، موثقا ومفهرسا، وهو عمل نقدي يعاين لغة النص الهايدغري التقويضية النقدية ومدى انفكاكها عن مسار الميتافيزيقا الغربية أو امتدادها فيها.

في الفصل الأول، ”الأبعاد الأساسية لفكر هايدغر: اللاهوت، الفينومنولوجيا، الهيرمينوطيقا”، يقف ربوح على بعض المعالم الكبرى في المسار الهايدغري، حيث تشكل في الفضاء اللاهوتي، ومنه أدرك أن اللاهوتيات عاجزة عن فهم ذاتها، لأنها لا تمسك بموضوعها، ولا تحوز الأدوات والتقنيات والتقاليد التي تجعلها فكرا أو فلسفة، وعلى أساس هذه التجربة، حكم على عسر الجمع بين المسيحية والفلسفة.

يرى ربوح أن هذا المسار يبين أن هايدغر سيكون مع موعد تاريخي من الناحية الفلسفية، يتمثل في البحث عن سؤال الكينونة باعتباره السؤال المنسي من متن الفكر الغربي، ”وبحكم أن هذه الإشكالية هي بحجم تاريخ الفلسفة، فإن المشروع الهايدغري سيدخل في اشتباك معرفي مع الشخصيات المرجعية الكبرى، والأطاريح التي أثثت البيت الفكري الإنساني”.

في الفصل الثاني، ”سؤال الكينونة من النصوص الصباحية إلى الانخراط في المشروع اللاهوتي”، يقرأ ربوح الدرس التاريخي في فضاء الفلسفة، فيجد أن الكينونة هي سؤال القدر بالنسبة إلى الفكر الغربي، لكن هذا الفكر انخرط في مسار النسيان، بسبب عوامل متعددة وأنواع مختلفة من الحجب، وإدراك هذه العوامل خطوة لازمة لفهم تمفصل سؤال الكينونة، وقد ساهمت اللغة في تكريس نسيان الكينونة.

في الفصل الثالث، ”سؤال الكينونة وبراديغم الذات”، يسجل ربوح خمس ملاحظات مهمة، الأولى منها مثلا، تشير إلى أنه رغم قيمة المنجز الذي قدمه ديكارت، خصوصا في مسعاه الكبير لجهة تأسيس حداثة تنبني على فكرة الكوجيتو، والبحث عن يقين يتعايش مع البداهة القائمة في ساحة الوعي الذاتي المزود بالنور الطبيعي، فإن هايدغر اكتشف في فلسفة ديكارت جملة من القوادح، تتلخص في أن الديكارتية تنتمي معرفيا إلى أفق البحث عن الكائن، وأنها ضاعفت منسوب نسيان الكينونة.

في الفصل الرابع، ”من سؤال التأسيس إلى تخوم التجاوز”، يقول ربوح إن هايدغر لم يكتف بتوجيه النقد إلى براديغم الذات، بل حرص على التفكير في البديل المعرفي الذي قدمه في صيغة ميتافيزيقا جديدة.

في الفصل الخامس، ”سؤال الكينونة وأفق اللغة”، يشتغل ربوح معرفيا على مرحلة المنعطف في فكر هايدغر، فيجد أن المنعرج كان استجابة معرفية لمقتضى فكري، ”تمثل في اكتشاف انخراط اللغة في الميتافيزيقا”.

للتذكير، رحل الكاتب ربوح  الناشط الثقافي وعضو الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية في شهر أكتوبر 2019، إثر حادث سيارة، رفقة صديقه محمد الصادق بلام، في طريقهما من مدينة رأس الوادي إلى جامعة باتنة، حيث يدرسان.

الباحث الأكاديمي وأستاذ الفلسفة الغربية المعاصرة، الدكتور لبشير ربوح، من مواليد أوت 1967، اشتغل كثيرا في البحث، خاصة ما تعلق بحقل الفلسفة والعلم والمعرفة، حاور الكثير من الباحثين والأكاديميين المشتغلين بالفلسفة والمتنزهين والضالعين في دروبها وحقولها، وآخر ما أصدره، كتاب حوارات مع نخبة منهم بعنوان ”حوارات في الثقافة العربية الراهنة”، صدر عن منشورات ”الاِختلاف” بالجزائر ومنشورات ”ضفاف” بلبنان ومنشورات ”دار الأمان” بالمغرب، بالتنسيق مع الشبكة المغاربية للدراسات الفلسفية والإنسانية.