الرئيس تبون يعيد للدبلوماسية مجدها ويجدّد المواقف الثابتة للجزائر

نفس جديد.. ومبادئ مقدّسة

نفس جديد.. ومبادئ مقدّسة
  • القراءات: 470
م  ب – وأ م ب – وأ

❊وسطية وحياد..ودعم غير مشروط لحق الشعوب في تقرير مصيرها 

❊عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدتها 

❊فلسطين أم القضايا..تصفية الاستعمار بالصحراء الغربية ومقاربة ناجعة في مالي وليبيا

تعزّز الدور الدبلوماسي للجزائر على الساحة الدولية منذ تولي رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون مقاليد الحكم، لا سيما في تسوية النزاعات الشائكة، بفضل الوسطية والحياد الذي طبع رصيد الجزائر الدبلوماسي منذ الاستقلال، ما أهّلها للعب دور مهم في مسار تسوية عديد النزاعات الجهوية.

وعرفت الساحة الدبلوماسية الجزائرية نفسا جديدا في عهد  الرئيس تبون، الذي أكد حرصه على إعادة إحياء صورة الجزائر على الساحة الدولية من خلال إعادة تفعيل دبلوماسيتها التي بنت مبادئها على ترقية الحلول السلمية للنزاعات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدتها وحق الشعوب في تقرير مصيرها والتصرف في ثرواتها.

وأكد الرئيس تبون في عديد المناسبات على أن "مصداقية ونزاهة الدبلوماسية الجزائرية" يخولانها لأن تلعب دور الوسيط في حل مختلف الأزمات والقضايا الإقليمية والدولية".

مقاربة الجزائر في ليبيا ومالي أكدت نجاعتها..

تجسّدت أولى التحركات الدبلوماسية الجزائرية، في مشاركة رئيس الجمهورية تارة ورئيس الدبلوماسية صبري بوقدوم تارة أخرى في عديد اللقاءات الدولية، للنظر في الأزمات المستعصية، لا سيما تلك التي تشكل تهديدا لأمنها القومي.

فكانت البداية مع الأزمة الليبية، التي شكلت أولوية للقيادة الجزائرية، لا سيما بعد التطوّرات الخطيرة التي عرفتها الأوضاع في الدولة الجارة، حيث جددت عديد الأطراف الفاعلة في الأزمة التأكيد على أهمية المقاربة الجزائرية، التي ما فتئت تنادي بضرورة حل سياسي للأزمة من خلال حوار ليبي-ليبي يضم كل الأطراف في البلد، تحت رعاية الأمم المتحدة، يفضي إلى بناء مؤسسات شرعية عبر انتخابات نزيهة وشفافة تقود ليبيا إلى بر الأمان. وهو الأمر الذي أكد عليه الرئيس تبون خلال مشاركته في مؤتمر برلين بدعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في جانفي الماضي، حيث أبرز بالمناسبة دور "التدخل السلبي" في عودة ظهور العنف في ليبيا، مطالبا المجتمع الدولي، ولا سيما أعضاء مجلس الأمن، بتحمّل مسؤولياتهم لضمان السلم والأمن في ليبيا مع احترام سلامتها الوطنية وسيادتها الإقليمية.

ولم تغفل الجزائر مجريات الأحداث التي طرأت في مالي، البلد الذي تتقاسم معه 1329 كلم والذي يشهد هو الآخر أزمات أمنية وسياسية تهدّد أمن واستقرار منطقة الساحل الإفريقي، حيث كانت الجزائر قد ساهمت من قبل في إطار المساعي الأممية لاستقرار مالي، من خلال مرافقة الفرقاء الماليين للتوقيع على اتفاق السلم والمصالحة في 2015.

كما جدّدت الجزائر في 2020 التزامها بمرافقة مسار التحوّل السياسية الحالي عقب التغيير "غير الدستوري" الذي جرى في 18 أوت الماضي والذي أفضى إلى إعلان المجلس العسكري الحاكم تعيين العقيد المتقاعد، وزير الدفاع السابق، باه نداو رئيسا للدولة خلال المرحلة الانتقالية في البلاد.

ودعا الرئيس تبون، في شهر سبتمبر الفارط، إلى ضرورة احترام اتفاق السلام والمصالحة الوطنية الناتج عن مسار الجزائر والذي يظل حسبه، "الإطار المناسب لمواجهة تحديات الحكم السياسي والتنمية الاقتصادية في هذا البلد". وهو الموقف الذي عكس برأي مراقبين مركز الجزائر القوي كفاعل إقليمي مؤثر.

نصرة قضايا التحرر.. عقيدة ثابتة لا تتزعزع

وشكلت قضايا التحرّر أهم المسائل التي رافعت من أجلها الجزائر باعتبار ذلك أحد الثوابت النابعة عن مبادئ ثورتها المجيدة التي لم تحد عنها يوما، وهو الذي انعكس على مسيرتها الدبلوماسية، لا سيما فيما يخص قضيتي فلسطين والصحراء الغربية.

فالتطوّرات التي طرأت على القضية الفلسطينية، لا سيما ما يعرف بصفقة القرن التي اقترحتها إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، وتلاها إعلان عديد الدول العربية والإسلامية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، دفعت من جديد بالدبلوماسية الجزائرية للتحرك والتأكيد على رفضها لهذه "الصفقة"، الرامية إلى إنهاء القضية الفلسطينية، مجدّدة من خلال خارجيتها، دعمها القوي والدائم للقضية ولحق الشعب الفلسطيني الشقيق غير القابل للتصرف أو السقوط بالتقادم في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

وبعد أسبوع من إعلان التطبيع من قبل بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني، جاء رد الجزائر واضحا وصريحا لا لبس فيه من خلال تأكيد الرئيس تبون "إن مواقف الجزائر ثابت إزاء القضية الفلسطينية"، مضيفا أنها "قضية مقدسة بالنسبة إلينا وإلى الشعب الجزائري برمته وهي أم القضايا"، معربا عن أسفه بشأن "الهرولة للتطبيع" .

وكعادتها تبقى الجزائر وفية لمبادئها التحريرية أيضا، فيما يخص مسألة الصحراء الغربية التي عرفت هي الأخرى تطوّرات خطيرة، عقب العدوان العسكري المغربي في 13 نوفمبر الماضي على المتظاهرين السلميين في الكركرات. وحذر وزير الشؤون الخارجية من أن هذه الأحداث "شكلت تحديا خطيرا يمكن أن يعرض السلام والأمن في المنطقة بأكملها للخطر".

ووعيا منها بأهمية التموقع القاري، وضرورة تفعيل دور الاتحاد الإفريقي لتسوية الخلافات في البيت الإفريقي، دعت الجزائر على لسان رئيس دبلوماسيتها خلال أشغال الدورة الاستثنائية الحادية والعشرين للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد إلى ضرورة تحمّل مسؤولياته في الصحراء الغربية وسط "الفشل التام لآلية الترويكا".

ونظرا للمكانة والوزن الذي تحظى به الدبلوماسية الجزائرية على المستوى القاري، فقد كان لاقتراح الجزائر أذانا صاغية في الاتحاد القاري، حيث قرّر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في ديسمبر الجاري، استعادة ملف الصحراء الغربية، معلنا عن عقد اجتماع قريب للنظر في تطوّرات القضية.

على الصعيد الأممي لم تكتف الجزائر بموقف المتفرج، بل دعت إلى ضرورة إعادة الدفع بملف الإصلاح الشامل للمنظومة الأممية من أجل تحسين أدائها وتعزيز كفاءاتها. وهو الأمر الذي أكد عليه رئيس الجمهورية خلال مشاركته في الدورة العادية الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في سبتمبر الماضي.