انزلاق الكركرات

مسؤولية الأمم المتحدة... متى التجسيد؟

مسؤولية الأمم المتحدة... متى التجسيد؟
  • القراءات: 376
م. مرشدي م. مرشدي

هل كان للأوضاع في إقليم الصحراء الغربية أن تصل إلى ما وصلت إليه أول أمس من تطورات تنذر بانزلاق شامل باتجاه بؤرة صراع أخرى في قارة إفريقية منهكة بنزاعات إقليمية لا نهاية لها ؟ 

هو سؤال يطرحه المتتبعون للوضع في الصحراء الغربية ويطرحه الصحراويون أيضا وبإلحاح، ولكن الإجابة عنه قد لا يجدونها سوى عند الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيريس الماسك بخبايا ملف النزاع في الصحراء الغربية. فقد قدم غوتيريس، نهاية الشهر الماضي، تقريره الدوري أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي الذي اكتفى بإصدار قرار روتيني مدد من خلاله عهدة بعثة مينورسو ولكنه لم يشر إلى خطر انفجار يوشك على الوقوع في منطقة، يحق لهؤلاء المتتبعين أن يصفوها بـ«الساخنة إذا أخذنا بهذه التطورات في سياقها الإقليمي سواء في دول الساحل أو منطقة غرب إفريقيا وحتى في ليبيا. ويجهل إلى حد الآن لماذا لم يستشرف تقرير الأمين العام الأممي ما سيحدث نهاية الأسبوع مع أن بوادره كانت ظاهرة للعيان وكان بإمكان أعضاء بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية مينورسو أن يتفطنوا لذلك وخاصة وأن مهمتهم تبقى بالإضافة إلى ترتيب استفتاء تقرير المصير، السهر على مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار ومنع انهياره رغم تحذيرات الجانب الصحراوي الذي ما انفك يؤكد أن السكوت على تصرفات المغرب في الكركرات المشمولة بالاتفاق العسكري رقم واحد سيؤدي بالأوضاع إلى العودة إلى ما قبل شهر سبتمبر 1991 تاريخ توقيع طرفي النزاع على اتفاق وقف اطلاق النار بحضور الأمين العام الأممي الراحل، كوفي عنان.

وبالعودة إلى مضمون هذا الاتفاق والتطورات التي تلت مراسم التوقيع عليه وخاصة خلال السنوات الأخيرة فإن الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية مباشرة في هذه التطورات بعد أن التزمت الصمت تجاه تهور المحتل المغربي الذي أراد أن يفرض منطقه في هذا الإقليم من خلال فتح معبر الكركرات، في تحد للأمم المتحدة مستغلا في ذلك فشلها في فرض تنفيذ بنود اتفاق هي التي رعته قبل ثلاثة عقود. فبعد أن استبشر الصحراويون خيرا بجولات المفاوضات التي أشرف عليها المبعوث الخاص الأممي السابق الألماني، هورست كوهلر، علها تكون الأخيرة في مسار تسوية هو الأطول في تاريخ النزاعات الدولية، إلا أنهم تفاجأوا كما في المرات السابقة باستقالته في منتصف مهمته، بسبب متاعب صحية، ضمن تبريرات معلنة ويبقى المبرر المسكوت عنه متاعبه مع المخزن المغربي وسياسة الهروب إلى الأمام التي يتفنن في التعاطي وفقها كلما طرح الملف الصحراوي بجدية أكبر من طرف مجلس الأمن الدولي. وكانت كل المؤشرات تسير باتجاه التأكيد أن الأوضاع سائرة لا محالة باتجاه المواجهة المفتوحة التي حذرت منها الحكومة الصحراوية مرارا من خلال رسائل متلاحقة وجهها الرئيس إبراهيم غالي للأمين العام الأممي بحتمية القيام بتحرك فوري واتخاذ القرار الذي يمليه الموقف وخاصة من هيئة أممية مهمتها الأساسية حفظ  السلم والاستقرار في العالم.

ولأن القاعدة الفيزيائية تؤكد أن الضغط يولد الانفجار فإن الطرف الصحراوي لم يعد يتحمل سيل الضغوط والاستفزازات المغربية ضمن حرب نفسية بدأت بملاحقة النشطاء في الأرض المحتلة ونهب الخيرات الصحراوية، وصلت ضمن منطق احتلالي مدروس إلى خرق اتفاق وقف اطلاق النار بفتح معبر الكركرات الذي تعاملت معه الأمم المتحدة في حينه بعين مغمضة وكأنها لم تر شيئا يحصل في جوهر اتفاق هي التي رعته وساهمت ضماناتها بالتوصل إليه سنة 1991. وهو موقف متخاذل زاد في اعتقاد الجانب الصحراوي بأن الأمم المتحدة تساهلت إن لم نقل انحازت إلى جانب الطرف المعتدي وتخلت عن مسؤوليتها في التعاطي مع وضع أصبح أشبه بـ”برميل بارود  فتيله معد لاشتعال وشيك، ولكنها فضلت سياسية النعامة ترى الرياح قادمة ولكنها تفضل وضع رأسها في عمق رمال متحركة رغم مخاطر ذلك على وضع قد يخرج عن السيطرة في كل لحظة. وهو ما حدث عندما حركت قوات الاحتلال المغربية قواتها للرد على مواطنين صحراويين مسالمين في منطقة عازلة لاسلاح لديهم سوى سلاح التمسك بحقهم التاريخي في بلدهم وعدم السكوت على تصرفات مخزن يريد طمس هوية صحراوية أبت الاندثار، رغم نصف قرن من سياسية التجاهل وطمس حقيقة شعب قالها أنا صحراوي ولن أكون مغربي حتى وإن أردت ذلك. ولذك فإن اكتفاء الأمين العام الأممي، أول أمس، بمجرد تصريح لا يخرج عن دائرة مواقفه السابقة التي لم تغير في المعطى شيئا بل أن استمراره في تجاهل قضية تكرست في سجلات الأمم المتحدة منذ 1964 لن يزيد الموقف إلا صبا للزيت على نار رمال ملتهبة.

وهو ما يجعل المواطن الصحراوي العادي يطرح التساؤل، إذا كانت الأمم المتحدة لا تضمن له الحماية من محتل استيطاني فما الفائدة من مواصلة الالتزام بنصوص قانونية لم تزد القضية الصحراوية إلا تجاهلا حتى من قوى فاعلة في مجلس الأمن الدولي ولكنها تعمل على الدوس على مبادئ، هي التي صاغتها ولكنها لا تؤمن بها إلا في حدود ما يخدم مصالحها، وهي حقيقة تعاطي دولة مثل فرنسا مع الملف الصحراوي، حيث دأبت على فرض الأمر الواقع على الجانب الصحراوي وإرغامه على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار في وقت أعطت فيه الضوء الأخضر للجانب المغربي ليجعل منه غطاء لتكريس خططه الاستيطانية وتمرير أمر واقع يرفض الصحراويون الخضوع له. ومهما كان موقف الأمم المتحدة وكيفية تعاملها مع مأزق الكركرات فإن الكرة في معسكرها ويتعين عليها التعامل معها بحنكة ودبلوماسية لأنها كرة أصبحت أشبه بزئبق متحرك ولم يعد بإمكان أي كان أن يمسك به وإعادة الأمور إلى نطاقها الذي يحكمه اتفاق 1991.

ولكن الأمم المتحدة إن تمكنت من التحكم في مادة الزئبق فلا يجب أن يكون ذلك في الاتجاه الذي يكرس الأمر الواقع المغربي ولكن من أجل حفظ الدرس جيدا من تطورات نهاية الأسبوع والعمل لحلحلة الوضع ووضع مسار التسوية على مساره الصحيح بعد أن دفعت به تصرفات المحتل المغربي إلى عنق زجاجة انكسرت في الكركرات. ولذلك فإن كل سكوت قادم على ما هو جار في الصحراء المحتلة سيؤدي إلى حرب مفتوحة وخاصة وأن الجانب الصحراوي لا يريد الاستسلام لنزوات نظام ضاقت من حوله هوامش تحركه، زادتها ضيقا تبعات تفشي وباء كورونا الذي أتى على اقتصاد مملكة انهكت قواها الاقتصادية ولم تعد رعيتها تستطيع التحمل وملكها فاقد لحلول عقلانية وفورية، سوى تفريغ شحنات غضبه على الصحراويين ولكن إلى متى؟