أمطار الخريف تفضح المستور بالعاصمة وعدة ولايات

الرئيس يأمر بفتح تحقيق فوري لتحديد المسؤوليات

الرئيس يأمر بفتح تحقيق فوري لتحديد المسؤوليات
  • القراءات: 517
مليكة.خ  مليكة.خ

❊ ارتفاع منسوب المياه عبر الطرقات والأنفاق كان غير طبيعي

أمر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أول أمس، المديرية العامة للأمن الوطني، بفتح تحقيق فوري حول أسباب ارتفاع منسوب المياه عبر عديد الطرقات والأنفاق بشكل غير طبيعي جراء تهاطل الأمطار الأخيرة التي تسببت في أضرار مادية جسيمة.  وجاءت الأمرية في سياق الكشف عن الاختلالات و تحديد المسؤوليات، لا سيما وأن هذه الظاهرة باتت تتكرر كلما تساقطت بعض قطرات من الغيث، لتحول مدننا الى برك من الماء كثيرا ما تشل حركة المرور وتعطّل مشاغل المواطنين. وقد باشرت مصالح الشرطة التحقيق.

كانت الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على بعض مدن البلاد في ظرف قياسي، كفيلة بكشف العيوب حول نقص الفعالية على مستوى البلديات في مواجهة الظروف الطارئة، لاسيما وأن صور الفيضانات التي تتناقلها وسائل الإعلام كل عام باتت مألوفة لدى المواطن، لتثير برأي مراقبين الكثير من التساؤلات بخصوص أسباب تكرار هذه الظاهرة وعدم وضع حل نهائي لها، رغم صرف الملايير من خزينة الدولة التي يكون مصيرها السيول الجارفة.

المسؤولية مشتركة.. لكن

وإذا كانت المسؤولية برأي ملاحظين، يتقاسمها المسؤول والمواطن على حد سواء، كون انسداد البالوعات يكون نتيجة تراكم النفايات التي تحول دون امتصاص منسوب المياه التي تطفو إلى السطح، فإن هذه الوضعية تجر أيضا إلى الحديث عن مدى فعالية مخططات إنشاء شبكات صرف المياه والمجاري  والبالوعات على مستوى الاحياء والأنفاق والطرقات، التي يكمن دورها الأساسي في تفادي الفيضانات التي شهدتها البلاد على غرار باب الوادي بالعاصمة  سنة 2001. والتي كشفت آنذاك عن عوامل رئيسية متسببة في هذه الكارثة أبرزها اللجوء في كل مرة الى حلول سطحية غير مدروسة.

غير أنه لم تؤخذ العبرة من فيضانات باب الوادي، حيث تكررت هذه الصور في كل موسم ولو بدرجة أقل في العديد من مناطق البلاد سواء في مواقع "الظل" أو حتى تلك الواقعة في المدن الحضرية بما فيها العاصمة، مما جعل العديد من المختصين يؤكدون أن التقليل من حجمها كان ممكنا لو كانت الجزائر تمتلك مركزا خاصا بالوقاية وإدارة الكوارث الكبرى.               

التعامل مع الكوارث بعد وقوعها

فالجزائر ما زالت من الدول التي تتعامل مع الكوارث الطبيعية مباشرة بعد وقوعها، على رغم تعرضها للعديد منها، حيث تكتفي بإدارة التدخلات مباشرة بعد وقوع هذه الكوارث من دون أن يشمل ذلك وضع استراتيجية عملية لتسييرها  والوقاية منها.

فقد لوحظ ذلك في ولاية غرداية، حيث مازالت الصور المروعة للفيضانات التي ضربت وادي ميزاب، والتي اقتلعت كل شيء في 2008، محفورة في الذاكرة الجماعية للسكان المحليين، بسبب الخسائر البشرية التي تسببت فيها هذه الكارثة الطبيعية، غير أن "كابوس" الفيضانات عاد مرة اخرى الى الولاية والولايات الاخرى من الوطن عام 2018، ليكشف هذه المرة عن أسباب لها علاقة بالدرجة الاولى بالقرارات الاستعجالية لتنفيذ المشاريع الهامة، من بنى تحتية، شبكات الصرف الصحي، صرف الامطار والطرقات دون إجراء دراسات معمقة.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث يرى مختصون أن النوعية الرديئة في انجاز المشاريع التنموية على غرار التهيئة الحضرية والبنية التحتية، فضلا عن غياب الدور الرقابي في بناء مختلف المشاريع وعدم وجود مكاتب دراسات لتأطيرها، أو هيئة عمومية متخصصة في مراقبة جودة الأشغال، لها علاقة بمثل هذه  الكوارث الطبيعية، مما يستدعي الاعتماد على الامكانيات التقنية والعنصر البشري المؤهل، وكذا المقاولات لتهيئة قنوات الصرف الكبرى للأمطار من مختلف الردوم المتراكمة منذ سنوات.                  

تحقيقات أمنية لإنهاء "البريكولاج"

وبذلك يتبين برأي متابعين، أن الأمر لا يتعلق في كلّ الحالات باعتماد حلول ظرفية رغم أن التدخل الاستعجالي في المناطق السوداء يبقى أمرا ضروريا، إذ  أن ذلك يستدعي لا محالة التفكير في استراتيجية طويلة المدى لمنع تكرار مثل حدوث هذه الكوارث، عبر دراسة معمقة تأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل منطقة ونسبة التساقط الموسمي بها.

وعليه فإن قرار رئيس الجمهورية، بفتح "تحقيق أمني" حول هذه الظاهرة وما سبقها من تحقيقات بخصوص مشكل السيولة والحرائق ونقص التزود بالمياه الصالحة للشرب، يأتي لرفع اللثام عن بعض الأحداث "المشبوهة" التي شهدتها بلادنا خلال الأيام الأخيرة، والتي أثرت سلبا على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني.

كما أنها تعد رسالة أخرى للسلوكيات المتقاعسة التي تحاول كسر الجهود التنموية، حيث توعدها الرئيس تبون، خلال اللقاء الثاني للحكومة الولاة بمحاسبتها وإقالتها، مؤكدا وقوف الدولة "بالمرصاد" في وجه محاولات إثارة الغضب الشعبي عبر احتجاجات مدبرة ترمي إلى ضرب الاستقرار الوطني في إطار "أجندة قوى معروفة" تستهدف البلاد.