شدّد على "التعددية" التي ميزت تاريخ الجزائر

سنوسي بريكسي يبرز "الدبلوماسية الجزائرية، من ملوك الأمازيغ إلى الحراكيّين"

سنوسي بريكسي يبرز "الدبلوماسية الجزائرية، من ملوك الأمازيغ إلى الحراكيّين"
  • القراءات: 778
ن. ج ن. ج

قصد تفكيك الأساطير التي ذهبت بعيدا في إنكار وجود الأمة الجزائرية "وليس فقط تقديم دليل على وجودها التاريخي"، صدر حديثا للدبلوماسي الجزائري المتقاعد عبد الحميد سنوسي بريكسي، مؤلف بعنوان "مدخل إلى الدبلوماسية الجزائرية، من ملوك الأمازيغ إلى الحراكيين".

في هذا السياق، أوضح المؤلف أن هذا المصنف سلط فيه الضوء على تاريخ الدبلوماسية الجزائرية منذ العصور القديمة، مشيرا إلى أن البحث في تاريخ الجزائر ودبلوماسيتها يتمثل أساسا في "التركيز على الأساسات التي كونت الأمة الجزائرية"، مشددا على "التعددية" التي ميزت هذا التاريخ.

الكتاب الصادر عن "منشورات رافار" باللغة الانجليزية، جاء في أربعة أجزاء و111 صفحة. الجزء الأول حمل عنوان "الدبلوماسية الجزائرية عبر الزمن"، تناول فيه بريكسي تاريخها منذ ملوك الأمازيغ (الأغليد)، مرورا بالرومان والوندال والبيزنطيين، فالعرب والأتراك، ثم فترة الاحتلال الفرنسي، وأخيرا مرحلة الاستقلال.

ويقول الكاتب في مستهل مؤلفه، إن بداية تواصل المنطقة المسماة اليوم الجزائر بسكانها المحليين الأمازيغ مع الأجانب، كانت مع الفينيقيين، الذين "لا يُعرف عنهم الكثير" سوى أنهم أسسوا قواعد بحرية كان لها دور "حيوي" في "التبادل التجاري والتلاقح الحضاري". ويعتبر أن الأمازيغ وملوكهم "لم يكونوا يوما خانعين ولا تابعين" لا للفينيقيين ولا للقرطاجيين ولا للرومان، وإنما "مقاومون ومدافعون عن إفريقية" أرضهم، وعلى هذا الأساس كانت "علاقاتهم الدبلوماسية"، على حد قوله.

وعاد بريكسي بعدها إلى وصف الدبلوماسية الجزائرية عبر مختلف الممالك التي عرفتها البلاد بعد قدوم العرب، ممثلا بالدولة الرستمية التي "ربطت الصحراء بمنطقة المغرب"، والحمادية التي "سادها التسامح مع الأجانب"، وتلمسان التي اعتبر أنها كانت "أهم مركز تجاري يجمع بين إفريقيا وأوروبا".

ويخصص الكاتب مكانة مهمة للدبلوماسية الجزائرية إبان العهد العثماني، معتبرا أن الجزائر في عهد الدايات كانت "حليفة للعثمانيين، ومرتبطة روحيا بالخليفة"، ولكنها "مستقلة عن إسطنبول؛ حيث إن علاقاتها الدبلوماسية كانت تتم باسمها فقط"، كما قال. ويؤكد على أن "في عهد هؤلاء الدايات تشكلت الدولة الجزائرية" التي صار لها حدود وجيش نظامي وعاصمة عالمية (مدينة الجزائر) لها وزن كبير في البحر المتوسط والعالم، وتتمتع بالرفاهية والسلام والأمن؛ ما جعلها مطمعا للأوروبيين. ويضيف أن علاقات الجزائر آنذاك ودبلوماسيتها كانت "عالمية"؛ فقد كانت، مثلا، من أولى الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1783، كما أن علاقاتها التجارية كانت مع مختلف بلدان أوروبا وآسيا، إضافة إلى الدولة العثمانية.

وأما عن حال هذه الدبلوماسية في العهد الاستعماري الفرنسي فقد قسم بريكسي هذه الفترة إلى ثلاث مراحل؛ تميزت الأولى (1830- 1919) بالثورات الشعبية كثورة أحمد باي، والثانية (1919- 1954) بالحركات السياسية المقاومة كحركة مصالي الحاج، بينما وصف الثالثة (1954- 1962) بـ "دبلوماسية الحرب" و«دبلوماسية التحرير"، لما اعتمدت جبهة التحرير الوطني سياسة الحرب، وفي نفس الوقت الدبلوماسية الدولية على أعلى المستويات. وبعد الاستقلال صار للدبلوماسية الجزائرية التي استلهمت من الماضي ومن تجربة حرب التحرير، "أساسات قوية"، بالإضافة إلى "قدرتها على المشاركة والتأقلم" مع المحيط الدولي رغم كل الأزمات، يقول بريكسي.

وجاء الجزء الثاني من الكتاب تحت عنوان "مواضيع مهمة للدبلوماسية الجزائرية"، قدّم فيه المؤلف آراءه حول الدستور الجزائري؛ باعتباره التشريع الذي يحدد "الأبعاد الكبرى" للدبلوماسية الجزائرية. كما تطرق لصلاحيات وزارة الشؤون الخارجية والسفراء والقناصلة، و«أسبقية المصلحة الوطنية" في العلاقات الدولية، إضافة إلى تقديمه قائمة بالمواضيع والمجالات الكبرى للسياسة الخارجية الجزائرية.

أما الجزء الثالث فكان بعنوان "تصورات حول الدبلوماسية الجزائرية"، وقدم فيه أمثلة عن بلدان "صديقة" ذات شراكة "مهمة وتاريخية" مع الجزائر، في حين كان الرابع عن "الحراك والدبلوماسية"؛ حيث اعتبر أن "السلمية" التي ميزت احتجاجات الجزائريين في 2019 ودعواتهم للديمقراطية والشفافية وحكم القانون، كان لها "أثر إيجابي" على صورة الجزائر في الخارج. كما ضم الكتاب العديد من الخرائط والصور التوضيحية المتعلقة بالشخصيات التاريخية الجزائرية والأجنبية، وكذا الأضرحة والآثار والنقود، إضافة إلى نسخ عن مخطوطات ومعاهدات وبيانات وغيرها.