بعد فشل القمة الثلاثية في التوصل إلى اتفاق نهائي بشأنه

أديس أبابا تعلن انتهاءها من أول مرحلة لملء سد النهضة

أديس أبابا تعلن انتهاءها من أول مرحلة لملء سد النهضة
  • القراءات: 466
م. مرشدي م. مرشدي

لم تتمكن القمة المصغرة التي جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والوزيرين الأولين الإثيوبي، آبي محمد والسوداني عبد الله حمدوك، برعاية من الرئيس الجنوب ـ إفريقي سيريل رامافوزا من التوصل إلى تفاهمات تنهي خلافاتهم بخصوص سد النهضة الإثيوبي، واكتفوا بالتأكيد على مواصلة المشاورات ومنع اتخاذ قرارات أحادية الجانب من شأنها تعميق هوة الخلافات.

وكانت هذه النتيجة مجرد مهدئ لأزمة إقليمية حادة لا يستبعد أن تحتد لاحقا في حال أقدم أي طرف على خرق هذا الالتزام المعنوي لقضية لا تقبل أي تلاعب. إذا سلّمنا أن الدول الثلاث تعتبر السد وأثاره المباشرة مسألة أمن قومي وخطا أحمر لا يمكن تخطيها.

وهي نتيجة يمكن وصفها بـ"حد أدنى" يمكن التوصل إليها في قمة افتراضية عقدت في ظل تمسك كل طرف بمواقفه المبدئية، وهو حد قد لا يصمد أمام المواقف المتصلبة وخاصة اذا تعلق الأمر بقضية البدء في عملية ملء هذا السد العملاق.

ويبقى مثل هذا الاحتمال قائما بل وفرض نفسه أمس، بعد أن أكدت السلطات الإثيوبية مباشرة بعد انتهاء القمة الثلاثية أنها أنهت المرحلة الأولى من عملية ملء السد بالنسبة للعام الأول من هذه العملية الطويلة، حيث تمكنت من حجز 4,9 مليار متر مكعب من المياه ضمن أول تجربة عملية لتشغيل سد النهضة.

وحتى وإن لم توضح أديس أبابا ما اذا كانت عملية الملء تمت بشكل عادي  انطلاقا من سيول الأمطار الموسمية التي تهاطلت في المدة الأخيرة على الجبال الإثيوبية، أم أنها لجأت إلى أساليب أخرى لتسريع عملية حجز المياه فإن انتظارها  لحظة انتهاء القمة الثلاثية للكشف عن هذه الجزئية الهامة من شأنه أن يثير حفيظة القاهرة والخرطوم حول مدى استعداد إثيوبيا في احترام مبدأ عدم الإقدام على اتخاذ قرارات أحادية الجانب بخصوص هذه المسألة، التي تبقى جوهر الخلاف وحالت دون التوصل إلى اتفاق نهائي يقبل به الجميع.

وهو ما يفسر ربما مضمون بيان الحكومة الإثيوبية الذي سار إلى نقيض بياني الحكومتين المصرية والسودانية، بعد أن أكد أن القمة سمحت فقط للبلدان الثلاثة  بمواصلة العمل من أجل صياغة "نظرة موحدة" بإمكانها الدفع بالمفاوضات إلى اتفاق نهائي، في نفس الوقت الذي ألح فيه على ضرورة بعث مفاوضات تقنية جديدة تخص عملية ملء السد قبل التوصل إلى اتفاق نهائي.

ويمكن القول إن الدول الثلاثة توصلت فقط إلى حل مؤقت لخلافات عالقة بعد أن خلصت قمة جوهانسبورغ، الافتراضية إلى التأكيد على ضرورة مواصلة العواصم الثلاثة مشاوراتها، والتركيز على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم يحتم على إثيوبيا الالتزام بملء السد وفق القواعد الدولية في هذا المجال، في انتظار التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي حول آليات اقتسام مياه نهر النيل بين الدول الثلاثة.

وأكدت الحكومتان المصرية والسودانية أن قمة جوهانسبورغ الافتراضية أكدت على  منح الأولوية خلال اللقاءات القادمة لبلورة اتفاق "قانوني ملزم" يخص ملء وتشغيل السد الذي تبنيه إثيوبيا، وهو ما يعني أن هذه الأخيرة تمسكت بـ"حقها" في ملء السد بحلول فصل الأمطار وأنها لا تريد تأخيرها لأن مدتها قصيرة.

وإذا سلّمنا بهذا التطور الحاصل فإن قمة  أول أمس، إنما عقدت لإخراج أحدى عشر جلسة مفاوضات التي تمت بين وفود الدول الثلاثة من الطريق المسدود الذي آلت إليه، وحفظ ماء وجه جميع الأطراف بعد تمسك السلطات الإثيوبية بقرارها القاضي بالشروع في بدء ملء السد بذريعة حلول فصل الأمطار.

وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول رد الفعل المصري والسوداني تجاه التصرف الإثيوبي، والذي رأت فيه مصادر متابعة بأنه قرار أملته اعتبارات سياسية داخلية في إثيوبيا، وأن الوزير الأول آبي أحمد،  جعل ملء السد التزاما سياسيا لحكومته أمام الراي العام الإثيوبي، لكسب مزيد من التأييد الشعبي تحسبا لمواعيد انتخابية في بلاده، وخاصة وان غالبية الإثيوبيين أصبحوا ينظرون إلى إتمام إنجاز هذا السد بمثابة قضية وطنية لا يجب تقديم تنازلات بشأنها.