استمرت جلساتها لأكثر من 90 ساعة كاملة

قمة الاتحاد الأوروبي ”الاستثنائية” تخرج بقرارات ”تاريخية”

قمة الاتحاد الأوروبي  ”الاستثنائية” تخرج بقرارات ”تاريخية”
  • القراءات: 485
م. مرشدي م. مرشدي

خرجت الدول الأوروبية أمس، منتصرة من قمتها الاستثنائية التي استمرت على مدار خمسة أيام كاملة بعد أن نجحت في تجاوز خلافاتها المبدئية حول صرف الميزانية المشتركة وتمكنها من المحافظة على تجانس مواقف وتضامن دولها في مواجهة المحنة التي فرضها فيروس كوفيد ـ 19” على الاقتصاد الأوروبي.

ورغم أن القمة كانت الأطول والأكثر تعقيدا وشحناء سياسية إلا أن نتائجها كانت تاريخية وشكلت حدثا مفصليا في تعزيز اقتصاد اتحاد، دنا من حافة إفلاس وشيك ووحدة دول قارة دب إلى صفها الشقاق منذ نجاح عملية بريكست البريطانية.  وتجلت قوة نتائج قمة بروكسل، في كونها المرة الأولى التي تتفق فيها الدول الأوروبية على مديونية موحدة تتكفل بها اللجنة الأوروبية بما عكس درجة تضامن الاتحاد القاري الأوروبي في زمن الأزمات والجوائح الطارئة.

وحتى وإن كان الاتفاق صعبا وجاء بعد ولادة قيصرية، استدعى  تنازلات من الجميع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وقبل فوات الأوان، إلا أن الجميع خرج مرتاحا لنتائجه العملية على طريق إعادة بعث اقتصاد أوروبي وجعله قادرا على مجاراة اقتصادات دول منافسة من الصين إلى الولايات المتحدة.

وهو ما جعل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تضمن بلادها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي وكانت مهندسته الرئيسية تصف الاتفاق بـ"التاريخي كونه جاء لمواجهة أكبر أزمة يواجهها الاتحاد منذ تأسيسه. وقبلت دول الشمال الإسكندنافي ومعها النمسا وهولندا على مضض، تقديم تضحيات بقناعة أن خطة الإنقاذ كانت مفرطة في السخاء تجاه دول الجنوب وجعلت الوزير الأول الهولندي، مارك روت يؤكد أن المبلغ الإقتراضي لا يعني أبدا بداية تحويل ثروات الشمال باتجاه الجنوب وأن الاتفاق ظرفي فرضته ظروف استثنائية بالنظر إلى الوضعية الوبائية التي تجتاح أوروبا وكل العالم. وهو موقف قللت دول جنوب أوروبا من تأثيره على وحدة الموقف الأوروبي وراحت تثمن الإنجاز الذي اعتبرته بمثابة خطة مارشال ثانية من شأنها ضمان تحقيق إقلاع اقتصادي أوروبي جديد.

وكانت هذه المواقف المتباينة سببا في استغراق جلسات القمة لأكثر من 90 ساعة كاملة، تعالت فيها الأصوات وضربت الطاولات وبلغ النقاش في بعض الأحيان إلى حد توجيه اتهامات متبادلة بين القادة الأوروبيين ولكنها لم تؤثر على لغة التعقل والحسابات البراغماتية مما رجح  في النهاية الكفة لصالح اتفاق تم من خلاله تفادي كل فشل من شأنه تكريس الخلافات وتعميق الهوة بين دول جنوب، أوروبي تعاني اقتصاداتها ودول في شمالها حققت الرفاه ولا تريد التضحية بمكاسبها لصالح شعوب تتهمها بـ"الكسل و"الاتكالية.   

وهي إشكالية لم تمنع القمة من التوصل إلى أرضية توافقية قلصت من خلالها قيمة المبلغ المخصص للمساعدات من 500 مليار أورو إلى 390 مليار أورو من إجمالي مبلغ حدد في بداية الأمر بـ 750 مليار أورو، يخصص مبلغ 360 مليار أورو منه كديون تتقاسم أعباءها كل  الدول الـ27 ويتم اقتطاعها من الميزانية الموحدة.

وشكلت الإشارة إلى إمكانية الاقتراض من الميزانية المشتركة القرار المستحدث الذي جعل القمة تكتسي طابع الاستثنائية وصفة التاريخية في مسار العمل الوحدوي الأوروبي، أبانت الدول الأعضاء من خلاله على تعاون فرضته تداعيات تفشي وباء كورونا.

كما أن قوة الاتفاق تكمن في كونه كان قبل عدة أشهر، أشبه بالأمر المستحيل قبل أن يعمل فيروس كورونا على تليين المواقف باتجاه تخصيص هذا المبلغ الضخم ضمن منعرج تاريخي في السياسة الوحدوية الأوروبية وجنب أوروبا الموحدة نظرة الفشل التي قد تلحق بها وتجعلها في نظر الأخرين عاجزة عن معالجة قضاياها المشتركة ويزيد في هشاشة القرار الأوروبي.