البيّض

زاوية ”الموحدين” معلم تحت الأرض للعلم والتعبد

زاوية ”الموحدين” معلم تحت الأرض للعلم والتعبد
  • القراءات: 1752
ق.ث ق.ث

تُعد زاوية ”الموحدين” الواقعة ببلدية الرقاصة (شمال شرق ولاية البيض) معلما دينيا وتاريخيا عريقا، وذات مواصفات متميزة؛ كونها مشيدة تحت الأرض. وجاءت فكرة إنشاء هذا المسجد تحت الأرض لتفادي انتباه المستعمر الفرنسي، الذي كان يعمل آنذاك على محاربة كل ما يمثل الهوية الإسلامية والعربية.

لازالت هذه الزاوية التي تم تشييدها سنة 1930 على يد الولي الصالح الشيخ سيدي محمد بن بحوص (1891- 1954) والذي ينحدر من قبيلة أولاد سيدي الشيخ المعروفة في المنطقة، منارة للعلم وحفظ القرآن الكريم وتعلم أحكام الشريعة الإسلامية واللغة العربية، وشاهدة على ماض عريق.

ويتربع هذا الصرح الديني على مساحة تقارب 200 متر مربع، وقد أنشأه الشيخ سيدي بن بحوص بمساعدة عدد من مورديه من طلبة العلم. شيده في باطن الأرض، وهي الميزة الفريدة من نوعها لهذا المسجد، حسب الشيخ زوي بوعمامة، أحد أحفاد الشيخ محمد بن بحوص.

وجاءت فكرة إنشاء المسجد تحت الأرض لتفادي انتباه المستعمر الفرنسي، الذي عمل على محاربة كل ما يمثل الهوية الإسلامية والعربية. وقد تم الاستعانة بوسائل بسيطة للحفر تحت الأرض بدون إدخال أي مواد في تشييد المسجد كالإسمنت والآجر وغيرها، فالجدران والأسقف والأعمدة كلها من صخور باطن الأرض؛ مما جعل المسجد تحفة هندسية متميزة. كما يوجد في ركن من أركان هذا المسجد الذي يمتاز بالهدوء والسكينة ما يسمى ”بالخلوة”، وهو المكان الذي كان ولايزال يتخذه طلبة القرآن للتعبد والانعزال أياما متواصلة، لمراجعة كتاب الله والذكر. ويوجد في ركن آخر بئر للتزود بالماء. كما يتراءى للزائر عدد من الفتحات الصغيرة في سقف المسجد من أجل التهوية ودخول أشعة الشمس، كما أن الدخول إلى المسجد يكون عبر فتحة تم حفرها في أحد جوانب الزاوية. وذكّر المتحدث بدور الزاوية في التحضير للثورة التحريرية المجيدة عبر الجهة الجنوبية الغربية للوطن حيث قام شيخ الزاوية بتجنيد عدد من طلبة العلم للانخراط في صفوف جيش التحرير الوطني وإيواء المجاهدين. كما عملت الزاوية على إيواء وإطعام الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، خاصة في أربعينيات القرن الماضي بعد المجاعات التي عرفتها المنطقة، حسب نفس المصدر.

وبالنظر إلى نشاط زاوية ”الموحدين” ألقى المستعمر الفرنسي القبض على الشيخ سيدي بن بحوص، ووضعه تحت الإقامة الجبرية عدة شهور بمدينة البيّض، ثم أحاله على المحكمة العسكرية بوهران بتهمة التحريض والتحضير للثورة التحريرية عقب العثور على كمية من الأسلحة بداخل هذا المعلم.

وبعد وفاة الشيخ سيدي محمد بن بحوص سنة 1954 خلفه ابنه سيدي الشيخ، الذي واصل نهج أبيه في تدريس أحكام القرآن الكريم واللغة العربية، إضافة إلى تجنيد طلبة العلم للانخراط في الثورة التحريرية؛ مما جعل هذه المنارة العلمية تتعرض في كثير من المرات للمداهمات من طرف المستعمر الفرنسي وحرق ممتلكاتها، يضيف المصدر.

ولايزال هذا الدور التعليمي للزاوية قائما إلى حد الآن. ويواصل أحفاد الشيخ سيدي بن بحوص ضمان تعليم القرآن الكريم وإيواء وإطعام المحتاجين وعابري السبيل. كما يفضل الكثير من سكان المنطقة أداء الصلاة في هذا المسجد العتيق الفريد من نوعه.

ومن جانبه، أشار الباحث في التراث والتصوف محمد  بوشيخي وهو أحد سكان المنطقة، إلى بقاء ”اللقاء السنوي” لطلبة العلم الذين مروا ودرسوا بمسجد ”الموحدين”؛ إذ يأتون سنويا لتلاوة القرآن الكريم وترديد الأوراد التي كان يلقنها الشيخ طلبته، وهو اللقاء الذي يتم خلاله تذكر وإبراز مناقب الشيخ سيدي محمد بن بحوص.