تزامنا واحتفالات شهر التراث

المسرح الوطني يعود إلى تجربة كاكي

المسرح الوطني يعود إلى تجربة كاكي
  • القراءات: 1597
د.مالك د.مالك

تحتفل الجزائر بشهر التراث على اختلاف أبعاده وأنواعه. وبالمناسبة قام منتدى المسرح الوطني باستضافة الأستاذ ميلود طاهري ليطرح نقاشه حول موضوع "عبد القادر ولد عبد الرحمان كاكي.. نحو تأملية أكاديمية"، ليتحدث عن هذه الشخصية التي صنعت الجدل الفني والمعرفي على حد سواء.

قال الأستاذ طواهري إن الكتابة عن الفن والفنان في زمن الجحود المبرمج، عملية صعبة لكنها لذيذة، وهي ألذ ما تكون عندما يكون الحديث عن فنان ملأ فترة غير قليلة من حياته في الممارسة التراثية والفنية، والتخطيط لفعل مسرحي تغذيه موهبة متوقدة، وإصرار على غاية نبيلة، هي تطوير المسرح الجزائري واستمراره. وأضاف: "إذا ما رجعنا إلى البدايات الأولى للمسرح الجزائري فهمنا أن الرجوع إلى التراث كان أمرا محتوما. فعلالو – بعد فشل عروض جورج أبيض وطاهر علي الشريف – يلجأ إلى التراث (جحا، وألف ليلة وليلة)، كما أن علولة لجأ إلى الشكل التراثي - الحلقة، ليتصل مباشرة بالجمهور بغية توعيته وتنويره".

وأكد طواهري أن ولد عبد الرحمان كاكي كان يرى في المسرح "متعة جماعية، وحفلا جماعيا (يتهيأ) له الناس، وتطور المسرح الحقيقي يتمثل في النقاء. والمسرح الجزائري لا يمكن أن ينتهي بعدنا نحن التابعين، لذا ينبغي له كسب رواد جدد، وإعداد المسرح انطلاقا من الأكاديمية. وأنا واثق من أن المسرح الجزائري سيجني من هذه المبادرات ثمارا أتلفت شجيراتها في محاولات خلت".

ويكون هذا ‘’الخروج’’ إلى الأكاديمية في جانب منه، خروجا إلى الممارسة الجديدة، وثورة على الروتينية، التي فقدت ضرورة وجودها، وحادت عما أصّله لها أصحابها الأولون، وتطلع لانتقال نوعي من المسرحيين الجدد، وأفكار جديدة في قلب المسرح وقالبه. وكم هي كبيرة حاجتنا إلى المدارسة المسرحية بجانب الممارسة! وهي آلية نوعية لتحسين المسرح وتهذيبه؛ إذ أراد عبد القادر ولد عبد الرحمان كاكي من مبادرته، أن ينقل الجامعيون والشبان وغيرهم، أكاديميا "إحساسا" جديدا للمسرح الجزائري، فتشتمل برامجهم على الممارسة (الهواية أو الاحتراف والركح الخام)، والمدارسة (البحث العلمي والتكوين الأكاديمي والتعلم)، والنقد المتخصص (الرؤية الصحفية المتمكنة).

إن المسرح، حسب كاكي، لا يعني فقط "بحثا وتنقيبا وتمثيلا" و"كواليس" ومهرجانات ارتجالية، إنما المسرح دراية ودراسة متجددة، وكتب وملتقيات، وتحصيل علمي بالحصول على الشهادات العليا وامتلاكها، فالمسرح علم، والعلم مكانه المعاهد والجامعات، والغوص في حقيقة الفن الرابع عن قرب وبتجارب واقعية حية من المسرح التطبيقي ومن المسرح التجريبي معا، فالفراغ الأكاديمي المسرحي بمفهومه البحثي الاستكشافي التطوري والحي المطلوب منا جميعا في مواقع المسرح، يقضي على مبادرات علمية وعملية؛ إذ أصبحت الأكاديمية في بلادنا مرادفا - للأسف - لعلم التأريخ للمسرح أو في "أعلى درجة" منحصرة في سيميائية النظريات والمقاربات الدلالية، ومن هنا يحق لنا القول إن هذا الفراغ الأكاديمي القاتل قد شارك في الوضع القاتم للساحة الثقافية المسرحية، فتولد لدينا مسرح ينتج "بروتوكولية" لا تحمل بذور الثقافة المسرحية ولا المعرفة التجريبية أو الجمالية مع تكريس مفاهيم مسرحية أكاديمية جافة"، حيث يقول كاكي: "تبقى الدراسات الأكاديمية العلمية في الميدان هي السبيل الوحيد لإبراز أعمال المبدعين ونشاطهم ومدى إلهامهم في بعث الحركة المسرحية والثقافية والفنية في البلاد".

وكان كاكي من الذين أسسوا لأكاديمية المسرح، وقام بتدريس المسرح في مختلف التجمعات الطلابية أو ما يُعرف بالجامعات الصيفية، إلى جانب المسرحي الكبير مصطفى كاتب. ودعا من خلال الأكاديمية في المسرح، الشعبي منه بالذات، إلى العناية الفائقة بشكل ومضمون المسرحية، وأن لا يكون التنظير على حساب "العملية" المسرحية؛ تفاديا للسقوط في إعلاء شأن الشهادة الأكاديمية على الخبرة المسرحية. فالأكاديمية هي جهد وثمار التغيير الإيجابي. وتُبنى الثقافة المسرحية انطلاقا من الفلسفة الإنسانية العريقة، التي تدعو إلى العيش في اللحظة من خلال اكتشاف أسرار القوى الذاتية وتطويرها، وتفعيلها...

وكان كاكي كثير الحرص على تعلم كل جديد نافع في مجالات المسرح المختلفة ومجالات التطوير الذاتي؛ بصفتها بوابة التأثير في الوعي العام للمجتمعات، وصنع من اللحظة أفضل احتمال ممكن لنا ولمن حولنا، بالارتقاء على سلّم الوعي الفني المسرحي، وجعل الركح مكاناً أفضل للإنسان انطلاقاً من قاعدة (التغيير يبدأ من الداخل)، وأن رسالتنا المسرحية هي إيجاد بيئة ديداكتيكية تفاعلية، تجمع مهتمين في القوى المسرحية وتطوير الذاتية الفنية. ومن هنا يُعتبر نص "132 سنة" لولد عبد الرحمان كاكي، نصا مرجعيا في المدونة المسرحية الجزائرية، ومحملا بالرمزية والأكاديمية؛ حيث نكتشف قدرة وتمكن كاكي من معرفة كواليس التاريخ وأبعاده وأهم الشخصيات الجزائرية الثائرة، وفي مقدمتها الأمير عبد القادر، ومراحل الكفاح والثورات، ومحاولات الفرنسيين طمس الهوية الجزائرية وزرع الخونة واستخدامهم في تحقيق مآربهم.

يُذكر أن طواهري ميلود أستاذ تعليم عالي للسوسيولوجيا بجامعة تلمسان، درس بالمعهد العالي العربي للترجمة وجامعة إيفري بفرنسا. له العديد من المشاركات في المؤتمرات والملتقيات العلمية الدولية والوطنية، محاضرا ومحكما أو منظما، ذات الصلة بالأبحاث السوسيولوحية في تعدد جوانبها من الثقافية إلى العمران، فالبراغماتية. كما له العضوية في العديد من الفرق والمخابر البحثية، والعديد من المؤلفات في الترجمة حول مواضيع عن علم الاجتماع وقضايا الفلسفة، وله اهتمامات معمقة بالمسرح الجزائري، مركزا على الممارسة من وجهة نظر البحث العلمي.