عاصمة التيطري تحيي شهر التراث

استطلاعات تاريخية واستعادة للموروث الشعبيّ

استطلاعات تاريخية واستعادة للموروث الشعبيّ
  • القراءات: 1936
مريم. ن مريم. ن

تحيي عاصمة التيطري المدية، برنامجا ثقافيا متنوعا على موقعها الإلكتروني، وعبر مواقع بعض المؤسسات الثقافية، منها متحف الولاية؛ احتفاء بشهر التراث. وتُعتبر المناسبة فرصة للجمهور المتصفح لاكتشاف تاريخ حافل، لاتزال آثاره المادية وغير المادية شاهدة على الأمجاد والأحداث عبر فترات زمنية متعاقبة.

تتميز احتفالية هذه السنة بالحجر الصحي؛ لذلك خُصص لها شعار "اِلزم بيتك... حديثنا تراثك"، مع تثمين لموضوع التراث في ظل الرقمنة بمناسبة افتتاح شهر التراث لهذه السنة، والذي يأتي في ظروف استثنائية يشهدها العالم أجمع بما فيه الجزائر.

واستمرارا للعمل الثقافي وتزامنا مع اليوم العالمي للمعالم التاريخية والمواقع الأثرية الذي يصادف 18 أفريل من كل سنة، تبادر مديرية الثقافة بولاية المدية، بأخذ الجمهور في رحلة عبر تقنية الفيديو، لزيارة أحد أهم المواقع الأثرية على المستوى الوطني، وهو أشير. كما يمكن عبر هذه الخرجة الاستكشافية، زيارة أحد أهم أجزائه، وهو منزه بنت السلطان الذي يتواجد بمنطقة شامخة بعلوها؛ إذ نجدها على ارتفاع يفوق 1300م. وتشتهر بمناظرها الطبيعية الخلابة وطرقها الملتوية الصعبة. كما أن مدونة صغيرة حول هذه الخرجة الاستكشافية التراثية والسياحية سيتم نشرها على حساب المديرية، قام بإعدادها مختصون وتقنيون ودكاترة جامعيون حضّروا هذه الخرجة.

وبالمناسبة، احتفلت المدية بإحدى أبرز الشخصيات التي لم ينسها التاريخ لإنجازاته وفتوحاته التي لم تقتصر فقط على الجزائر (المغرب الأوسط)، بل امتدت حتى المغرب والأندلس وإفريقيا، ويتعلق الأمر، حسبما تمت الإشارة إليه من خلال كتابات تاريخية وأفلام وثائقية قُدمت للجمهور، بزيري بن مناد وذريته ممن تولوا الحكم والقيادة.

زيري بن مناد من أعظم ملوك البربر، وأول من ملك من الصنهاجيين بالمغرب الأوسط، هو من أسس مدينة أشير سنة 936م، وهي أول عاصمة للزيريين. اختار لها موقعا حصينا يمتاز بمناخ طيب ومياهه وفيرة وأراضيه غناء. شخصيته امتازت بالشجاعة والشهامة والكرم. البقايا الأثرية الشاهدة على هذه الفترة المنيرة من تاريخ المغرب الأوسط (الجزائر) توجد اليوم ببلدية الكاف لخضر جنوب شرق المدية.

وبولوغين بن زيري حكم ما بين 972 و984م، هو بلكين أو بولوغين بن زيري بن مناد الصنهاجي المسمى بيوسف أبو الفتوح سيف الدولة، خلف أباه بعد مقتله في إحدى حروبه. استخلفه المعز الفاطمي على إفريقيا والمغرب عندما نقل ملكه وعاصمته إلى مصر، هو من أعاد بناء كل من مدينة المدية والجزائر العاصمة ومليانة.

أما المنصور بن بولوغين فلقد كان واليا على أشير. وبعد أن قتل أباه في حرب كان يخوضها ضد مناوئيه، وُلي مكانه على إفريقيا والمغرب. كان كريما جوادا وفارسا مقداما. إقامته كانت تارة في المنصورية بإفريقيا (تونس) وتارة بأشير.

ويطوفت بن بولوغين هو من أصبح واليا على أشير بعدما استخلف أبوه على إفريقيا والمغلاب من طرف العزيز بالله الفاطمي. وباديس بن المنصور بن بولوغين كان نصير الدولة، ثالث ملوك الدولة الصنهاجية في إفريقيا (تونس). ولد بأشير، ولاه الحاكم بأمر الله الفاطمي على إفريقيا والمغرب بعد وفاة أبيه. كان شجاعا وحسن التدبير والسياسة. توفي فجأة وكان في حرب مع عمه حماد بن بولوغين، ودفن بالقيروان.

حماد بن بولوغين بن زيري ولاه باديس بن المنصور صاحب إفريقيا أعمال الجزائر الشرقية، واقطعه مدينة أشير ونواحيها. كانت له مقدرة عظيمة في السياسة والبطولة الحربية. شخصيته الطموحة جدا أدت به إلى تأسيس دولة مستقلة (الدولة الحمادية) بقلعة بني حماد بالمسيلة.

وزاوي بن زيري بن مناد الصنهاجي أول حكام طائفة غرناطة في عهد ملوك الطوائف، لم يدم في الحكم طويلا، فتنازل عنه طواعية، ليقرر بعدها العودة إلى إفريقيا، وبالضبط إلى القيروان. حكم بعده ابن أخيه حابوس ابن ماكسن.

للإشارة، فإن كل تلك المعلومات التاريخية المهمة مرفقة بالخرائط والمواقع والآثار الشاهدة إلى اليوم، وكذا بعض مجسمات الشخصيات التاريخية الجزائرية.

للمتحف نصيب من التراث

وتحت شعار "خليك في دارك المتحف ضيفك"، يعرض متحف المدية على الجمهور الجزائري مجموعة أخرى من مجموعاته، وهي مجموعة النسيج؛ حيث يُعد فن النسيج فنا قديما جدا، ويعود لآلاف السنين، إلا أن الزرابي كانت تُصنع من ألياف عضوية سريعة التفكك والتلف.

وتُعد الجزائر من الدول المنتجة للزرابي لوفرة المادة الأولية (الصوف والوبر)، وتختلف من منطقة إلى أخرى. ويتمثل هذا التنوع في الشكل واللون. ومن أهم الزرابي في الجزائر، كما جاء في التعريف، زربية قلعة بني راشد، وزربية بني سنوس بتلمسان، وزربية المعاضيد بالمسيلة، وزربية قرقور بسطيف، وزربية جبل عمور بالأغواط، وزربية النمامشة بواد سوف، وزربية بابار بخنشلة، وغيرها من الزرابي المعروفة في الجزائر.

ويتم نسج الزربية بعد عملية تحضير المادة الأولية، حيث يتم جز الصوف من الأغنام، ويكون عادة في فصل الربيع. تُغسل وتنظف مما هو عالق بها، وتمشط بالمشط والقرداش، وهما الآلتان اللتان تُستخدمان في هذه المرحلة بعدها تغزل بالمغزل لتحويلها إلى خيوط. وفي الأخير تلوَّن بألوان طبيعية (كالحناء والزعفران وقشور الرمان والقرفة).

وتصبح الصوف جاهزة للنسج، ويكون عبر آلة المنسج أو النول، وهي آلة يدوية، يتم عبرها إمساك الخيوط وتراصها ببعضها البعض، وتشبيكها بعقد مختلفة لتشكل الزربية المراد نسجها، لتقدم بعدها نماذج مختلفة من أنواع الزرابي الجميلة، وكلها بالألوان.

حكايا من التراث الشعبي

تشارك في هذا البرنامج الخاص بالتراث جمعية "شباب وفنون "ببلدية تابلاط (المدية)، من خلال حكايات شعبية موجهة أساسا للأطفال، كانت الجدات في الماضي يحكينها للصغار والكبار معا، وفيها كل المتعة والحكمة. وقد تكفل بالحكي والعرض في هذه المختارات التراثية الممثل مراد مجراد؛ حيث اختار، مثلا، حكاية "اليمامة والذئب" بالصيغة المحلية القديمة، وأضاف إليها بعض المؤثرات الصوتية، منها أصوات الحيوانات وصوت الصرصور في ليالي الصيف؛ حيث يحلو الحكي في الهواء العليل.

وتتضمن النشاطات مسابقات عبر الأنترنت خاصة بـ "الأمثال والحكم وفنون الكلام" وكذا "الحكم والأمثال والألغاز والبوقالات"، وسجالا ثقافيا بعنوان "الحديث... تراثي"، وأعلام وعلماء المدية، واللباس التقليدي اللمداني الرجالي والنسائي، والبوقالات الافتراضية المخصصة لشهر رمضان الفضيل وكذا قعدات نسوية رمضانية.