كتاب "جزائريات صنعن التاريخ" لأرزقي فراد

التأكيد مجددا على تاريخ حافل وقّعته بطلات

التأكيد مجددا على تاريخ حافل وقّعته بطلات
  • القراءات: 879
❊مريم.ن  ❊مريم.ن

أعاد الباحث والمؤرخ الدكتور محند أرزقي فراد مؤخرا، تقديم وقراءة كتابه "جزائريات صنعن التاريخ" بمناسبة شهر مارس الذي تحتفل به المرأة بعيدها العالمي؛ حيث استعرض مآثر المرأة عبر تاريخ الجزائر في مجالات عدة رغم الهيمنة الذكورية. ومن الأسماء المذكورة في الكتاب الكاهنة وفاطمة نسومر ولالة زهور السوفية ولالة زينب البوسعادية ولالة عشو من غرداية، وغيرهن من صانعات التاريخ.

يقف الكاتب عند حضور المرأة الجزائرية عبر التاريخ في وجه الغزاة، ودورها البارز في المجتمع وفي ترسيخ القيم وحفظ الهوية وتربية الأجيال، إضافة إلى دورها في مجال الفكر والثقافة، فتحدّث الكاتب عن الكاهنة (ديهما) الملكة الأمازيغية من منطقة خنشلة بجبال الأوراس، التي عُرفت في جميع المصادر التاريخية بأنها امرأة أمازيغية جميلة وشجاعة وقوية البنية، وقد أظهرت جدارتها وقوتها وكفاءتها في تحمل المسؤولية في وقت مبكر. وقد شملت مملكتها الشاسعة كلا من الجزائر وتونس وليبيا والمغرب، واتخذت خنشلة في الأوراس عاصمة لمملكتها.

دهيا (الكاهنة) (585 م 712 م) المشهورة بلقب كاهنة البربر قائدة أمازيغية أنجبت الملك (أكسيل) في حكم الأمازيغ، وحكمت شمال إفريقيا مدة 35 سنة. تشكل مملكتها اليوم جزءا من المغرب الكبير، وعاصمة مملكتها هي مدينة ماسكولا في الأوراس.

ويواصل الكاتب سلسلة حديثه عن سيدات الجزائر، ومنهن مقاومة أخرى، هي لالة نسومر، فبحكم تربيتها الدينية في الزاوية تفرغت فاطمة للعبادة فقط، وكان الجميع يحترمها ويقدرها بسبب سمو روحها وأخلاقها، وهذا ما صقل ثورتها على المستعمر فيها بعد. ويؤكد  الدكتور فراد أن نسومر رفضت الزواج في كل الأحوال وتمردت على الأعراف الاجتماعية وخاضت طريقها نحو العبادة فقط، والثورة بعد ذلك. كما أشار الكاتب إلى أن ثورة نسومر كانت بمرجعية دينية؛ "هذه المرأة قاومت الاستعمار كعدو للأرض والدين واللغة، وكان صيتها ذائعا في كل القبائل وسط الجزائر". وشاركت نسومر في الثورة إلى جانب الشريف بوبغلة، وخاضت معارك ضد المستعمر بالسلاح، فألحقت خسائر بجيش المستعمر، الذي عجز عن إخضاع المنطقة لفترة طويلة. وقد وصل عدد قتلى المستعمر على يد نسومر وبوبغلة، إلى أكثر من 800 قتيل بينهم جنرالات.

وتقول الروايات التاريخية إن الجنرال الفرنسي روندون جهّز جيشا بخمسة وأربعين ألف رجل، وتوجه إلى مكان فاطمة للقضاء عليها وعلى جيشها المكون من سبعة آلاف متطوع من الرجال والعديد من النساء.

وبالنسبة للالة زينب فقد وُلدت السيدة زينب سنة 1850م، ونشأت في جو التقاليد الاجتماعية المتوارثة، لكن انفتاح فكر والدها وتمسكه الشديد بالسنّة النبوية المطهرة التي تضع المرأة في الدرجة العليا، جعله يختلف عن أهل قريته في تربية ابنته، فقد وفّر لها معلم القرآن الكريم الخاص.

وثابرت السيدة زينب على الدرس والتحصيل بذكاء نادر، ومنحها الأب لما لمس فيها هذه الملكة وهذا الشغف المتزايد بالعلم، مفاتيح مكتبته الثرية، فكانت تقيم بها الأيام والليالي الطوال قارئة ومستفهمة. وتولت جرد أوقاف زاوية والدها الذي كان لا يغفل عن جلسة المساء؛ يجلس إليها يحاورها ويناقشها، ويطلعها على أهم أعماله ومنجزاته.

وقد عُرفت بشخصيتها المستقلة وفكرها الحر ونظرتها الخاصة إلى الحياة، وأسلوبها المعين في النظر إلى الأشياء والحكم عليها. ولم تتمكن سلطات الاحتلال الفرنسي في فترة السيدة زينب، من استغلال الزاوية لأغراضها الخاصة للعداوة الشديدة بين السيدة زينب وحاكم مدينة بوسعادة.

وناهضت السيدة زينب تعيين ابن عمها على رأس الزاوية، ولم تعترف به شيخا حتى إنها نصّبت نفسها، وتولت مشيخة الزاوية التي كانت ترأس الطريقة الرحمانية، وكانت أكبر طريقة صوفية آنذاك في الجزائر من حيث عدد الأتباع والمريدين والزوايا والطلبة والمقاديم.

ووقفت السيدة زينب في وجه سلطات الاحتلال الفرنسي للجزائر، ولم ترضخ لأوامرها القاضية بتسليم مفاتيح زاوية الهامل للشيخ محمد، والابتعاد كلية عن مشيخة الزاوية. وبلغت شهرتها الغرب نتيجة صلابتها في طلب الحق وتأثيرها على مجتمعها، فزارها الصحفيون والكتّاب والمفكرون.

شخصيات أخرى توالت على تاريخ الجزائر وصولا إلى معركة التحرير الوطني، حيث تترسخ صورة المجاهدة زهور ونيسي كرمز للمرأة الجزائرية المكافحة، ثم صورة السيدة زهور ونيسي كواحدة من بنات الجزائر، اللواتي ساهمن في البناء.