الخبير الاقتصادي عبد الرحمان بن خالفة لـ "المساء":

لابد من الشروع في إصلاحات هيكلية ذكية وتدريجية

لابد من الشروع في إصلاحات هيكلية ذكية وتدريجية
  • القراءات: 443
حنان حيمر حنان حيمر

أكد الخبير الاقتصادي والمالي عبد الرحمان بن خالفة أن مواجهة الظرف الاقتصادي الراهن الذي تواجهه الجزائر، بعد تهاوي أسعار النفط السريع، يتطلب ثلاثة اتجاهات أساسية، وهي الاستمرار في العمل من أجل توقيف النزيف في أسعار النفط، ومراجعة الميزانية لتساير الموارد المتوفرة والتي ستعرف تراجعا، إضافة إلى الشروع في إصلاحات هيكلية ذكية وتدريجية للوصول إلى وضع نموذج اقتصادي جديد لا يعتمد على موارد المحروقات.

وشدد الوزير الأسبق المالية، على ضرورة عدم الاكتفاء بحلول ظرفية فقط لمواجهة الوضع الاقتصادي الحرج الذي تمر به البلاد حاليا، مثلما حدث في السابق، والشروع في إصلاحات هيكلية تستمر إلى غاية وضع أسس حقيقية لاقتصاد جديد يبتعد تماما عن الاعتماد على إيرادات المحروقات.

وفي تحليله للوضعية الراهنة، لفت الأستاذ بن خالفة في تصريح لـ"المساء" إلى وجود ثلاثة عوامل ظرفية يمر بها الاقتصاد العالمي، أولها "سرعة انهيار أسعار البترول، فخلال أسبوع نزلت بعشرين دولارا"، ثانيا أنه "لا شيء ينبئ الآن أن الأسعار ستتحسن، لأن هناك مشكلا جيوسياسيا بين بلدين كبيرين هما روسيا والسعودية"، وثالثا "تزامن كل هذا مع ركود اقتصادي بسبب فيروس كورونا". وهو ما جعله يقول إن الأمر يتعلق بـ"معضلة معقدة ومركبة".

وأمام هذا الوضع، قال إن السياسات التي على الدول - لاسيما المرتبطة ارتباطا وثيقا بمداخيل المحروقات - أن تضعها لمواجهة هكذا وضع، لابد أن تستجيب للوتيرة الملائمة لمحيطها السياسي، الاجتماعي والاقتصادي.

في هذا الصدد، عبر عن اقتناعه بضرورة "الاستمرار بقوة" في المفاوضات بين البلدان المنتجة للنفط، للحد من انهيار الأسعار "سواء بالطرق السياسية أو الضغط (اللوبيينغ) أو الطرق غير المباشرة أو غيرها من الأساليب المشاركة بصفة فعالة في هذه المساعي لضمان على الأقل عدم تهاوي الأسعار أكثر من هذا الحد".

والجزائر التي ترأس منظمة الدول المصدرة للنفط حاليا، يقع على عاتقها "مسؤولية كبيرة"، مثلما صرح الخبير بن خالفة، الذي شدد على ضرورة أن تعمل الجزائر بالتحالف مع بلدان أخرى لمنع إنهيار الأسعار تحت 35 دولارا- 40 دولارا، مشيرا إلى أنه في الظروف الحالية لا يتوقع خبراء النفط أسعارا مرتفعة، لكنه اعتبر أنه لابد من السعي لعدم تهاوي الأسعار أكثر، قائلا إن الأمر يتعلق بـ"خط استراتيجي يجب أن تسير فيه الدول بآلياتها التفاوضية والسياسية  وحتى آليات الضغط".

والجزائر التي "عادت من جديد للتموقع على المستوى الدولي بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يمكنها أن تلعب دورا أكبر اليوم مما كان يمكن أن تلعبه في 2019".

وبخصوص الإجراءات التي يجب أن يتضمنها قانون المالية التكميلي في ظل الوضع المستجد، ذكر محدثنا أن قانون المالية هو "آلية وليس مصدر تمويل"، لذا أكد أنه لابد من إعادة النظر في الميزانية التي كانت مهندسة ومقيمة قبل تهاوي أسعار النفط. وأضاف موضحا، أن كل البلدان التي تجد نفسها في مثل هذا الوضع "لاتزيد الانفاق، بل تحد منه، لأن الموارد ستشح"، وبالتالي نبه إلى أن الإنفاق الحكومي الموجود في ميزانية 2020 المبرمج خارج الظرف الحالي، "يجب إعادة النظر فيه"، بحيث يسمح بإعادة تعزيز الميزانية لتتوافق مع الموارد المتوقعة، "التي بدون شك ستكون أقل من التي تم توقعها سابقا".

وعن كيفية معالجة الوضع، أشار إلى وجود طرق مختلفة، تصب كلها في اتجاه إعادة هيكلة جديدة للميزانية وإعادة النظر في الإنفاق غير الضروري، وكذا الإصلاح التدريجي لمنظومة الدعم الاجتماعي التي تمثل عبئا على الميزانية. كما تحدث عن ضرورة تعبئة موارد جديدة خارجة عن موارد الخزينة، سواء كانت موارد داخلية أو خارجية، مثل القروض السندية والاحتواء المالي وتوسيع الوعاء الضريبي وعدم الاكتفاء فقط بالتحصيل، لاستقطاب أموال القطاع غير الهيكل أو ما يعرف بالموازي، إضافة إلى فتح مبادرات متعددة وترويج كثيف للاستثمار الخارجي المباشر ببلادنا.

وقال بن خالفة "نحن اليوم في نفس وضعية 2014، رغم أن الأسباب تختلف. ولابد من الترويج لصورة البلد لتعزيز الموارد التي تنقص من الميزانية، وهو ما نسميه التمويلات البديلة، ومن بينها إثراء القطاع المالي والمصرفي بأدوات جديدة ومنتجات جديدة، بما فيها البنوك الإسلامية التي من شأنها تعزيز الوضع المالي بطرق مختلفة، لكن ذلك يتطلب إصلاحا ماليا ومصرفيا للعمل في نطاق نمط جديد".

واعتبر الخبير بن خالفة أن الوضع عموما يتطلب "معالجة متعددة الأطراف، فيها هندسة كبيرة وتخطيط كبير وتناغم وتنسيق بين الوزارات والهيئات الداخلية والخارجية وتحسين لصورة البلد..."، معبرا عن اقتناعه بأنه إذا تم الشروع في هذه الإجراءات الآن وبطريقة مستمرة وليس ظرفية مثلما حدث في 2014، فإن الجزائر يمكنها تغيير نموذجها الاقتصادي خلال أربع أو خمس سنوات".

الأمر يتطلب - كما أضاف - "الاستمرار في وتيرة الإصلاحات والتركيز على المقصود والعمل على جميع الجبهات بوتيرة ذكية، لاسيما ونحن في جو سياسي ينبئ بالخير، بعد أن خرجنا من المعضلة السياسية. إذ يمكننا أن نسير في هذه الطريق ومحاربة الصدمات الاقتصادية بآليات لم تكن موجودة في 2019".

والشرط الاساسي ـ مثلما أوضح - إلا تكون الحلول ظرفية فقط، مثلما حدث في الماضي،"ما أدى إلى رجوعنا الآن إلى نفس الوضعية التي كنا فيها خلال صدمة 2014"، مشيرا إلى أن الحكومة بدأت في وضع الحلول الظرفية لأن بعضها مستعجل، لكن عليها في نفس الوقت وضع حلول هيكلية لتخرج الاقتصاد الوطني من نمطه السابق وتهيكل نموذجا جديدا لتمويل الاقتصاد، بعيدا عن أسعار البترول.