حمادي يشرح في كتاب ديوان مجلة ”هنا الجزائر”

المدافعة عن فرنسا بامتياز وخادمة المستعمر

المدافعة عن فرنسا بامتياز وخادمة المستعمر
  • القراءات: 1391
❊  ز. زبير ❊ ز. زبير

كشف الدكتور عبد الله حمادي، في كتابة ديوان مجلة هنا الجزائر 1952-1960”، الصادر منذ أيام عن دار بهاء الدين للنشر بقسنطينة، عن أهداف هذه المجلة التي صدرت في 89 عددا في مطلع الخمسينات، طيلة 8 سنوات من النشاط، والتي كانت امتدادا لإذاعة هنا الجزائر، بعد 20 سنة من البث، وعرفت مشاركة أقلام جزائرية بارزة سواء في الشعر، الأدب وحتى في المجال الديني.

اعتبر الدكتور بن حمادي، الذي قدم قراءة في كتابه مؤخرا، بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية مصطفى نطور في قسنطينة، أن هذه المجلة جاءت لتعتم عن واقع الثورة، من خلال 89 عددا، مضيفا أنها لم تضم في كل أعدادها، سوى سطر واحد عن الثورة، حيث ذكر ذلك في الصفحة 22، عندما كتب ونظرا إلى عدم اهتمام المجلة بتطور الحركة الثورية في الجزائر، فقد جاء في محصلتها التي تستعرض فيها مجمل أحداث السنة المنصرمة (يقصد سنة 1954)، وهي المحصلة التي أعدها الأستاذ حسين سعيد، في العدد 31 الذي صدر في شهر جانفي من سنة 1955، والتي كتب فيها في الصفحة 9 يقول في القطر الجزائري نشبت فجأة ليلة عيد الأموات حركة إرهابية خمدت نيرانها بعد حين، إلا أن إعادة الأمن في جبال الأوراس تبدو أطول.

حسب حمادي، فإن هذه المجلة التي جاءت في عز الثورة الجزائرية، ذكرت بشكل وجيز اندلاع الثورة ووصفتها بحركة إرهابية انطلقت في عيد الأموات، في سطر واحد أكد صعوبة الثورة وصعوبة إخمادها في منطقة الأوراس، وقال إن طاقم التحرير كان يقول ما يرضي الطرف الراعي، وهو الطرف الفرنسي، مضيفا أنه بعد فشل مرحلة المقاومة المسلحة التي اعتمدتها فرنسا ضد الشعب الجزائري في أول سنوات الاستعمار، ثم فشل العمل السياسي مع الجزائريين في منتصف حكم فرنسا، ظهر عند الفرنسيين مرحلة أخرى أطلق عليها الاستيعاب، من خلال استهداف الفرد داخل عائلة وجعله يتعلم ويؤمن بالمبادئ الفرنسية واللغة الفرنسية، بعد ذلك، ينقل أفكاره إلى المجتمع الجزائري، مضيفا أنه عندما فشلت أيضا هذه الخطوة وبظهور الأحزاب السياسية، أرادت فرنسا تجريب الاندماج من خلال دمج بعض الجزائريين وجعلهم مرتبطين يؤمنون بالمبادئ التي تخدم فرنسا، وفي المرحلة الثالثة، أرادت فرنسا اعتماد البعد الثالث الذي راهن عليها ديغول بعد تيقنه باستقلال الجزائر، وهي سياسة الجمعية، من خلال الاعتماد على أناس يعملون لصالح فرنسا ومصالحها حتى بعد الاستقلال.

حسب عبد الله حمادي، فإن الهدف غير المعلن، من خلال قراءة الافتتاحيات في هذه المجلة، أرادت فرنسا أن تحد من تأثير جمعية العلماء المسلمين والتصلب الديني، من خلال اكتساحها الساحة وتعميم العربية، قصد إفراغ ذاكرة الشعب من هويته وإشباعه بالثقافة الإنسانية العالمية، وقال إن فرنسا أرادت اعتماد اللغة العربية والتحكم فيها بعدما كانت تمنعها وتعلن حربها على الكتاتيب التي كانت تطلق عليها مدارس الأكواخ، مضيفا أن فرنسا تبنت اللغة العربية وحتى العربية الفصحى وبأقلام جديرة للتعبير بهذه اللغة، خلال المرحلة الثالثة من تواجد المستعمر، التي واكبت مرحلة الثورة.

أكد منشط الندوة الأدبية، أن هناك صفحة مفقودة في التاريخ الجزائري، وجدت في هذه المجلة، مضيفا أنه خلال سنوات الخمسينات، ظهر نوع جديد من الأدب، يطلق عليه أدب التسامح، وسمحت حتى للأقدام السوداء كجزائريين أن يعبرون عن الوطنية والانتماء للوطن أكثر ممن يكتبون بالعربية، استعملوا هذه المجلة التي قال الكاتب، إنها جاءت لتخدم صالح المستعمر بامتياز، مضيفا أن كل من كتب في المجلة أو أغلبهم، ضُرب عليهم حصار واختفوا ووضع عليهم الحجاب بعد الاستقلال.

ذكر عبد الله حمادي أبرز الأسماء التي عملت في المجلة، وعلى رأسهم الأخضر السائحي الذي التحق بإذاعة هنا الجزائر، سنة 1947، وقال إن الذي كان يشرف على المجلة وقتها، هو بودالي سفير، قبل أن يغادرها سنة 1958، وكان يساعده الحسين عبد الله المحامي الذي تم اغتياله بشارع العربي بن مهيدي من طرف الإرهاب خلال سنوات الجمر، كما عمل في المجلة الطاهر بوشوشي، المترجم والشاعر الكبير الذي يكتب بالعربية والفرنسية والذي ترجم إلياذة الجزائر إلى الفرنسية، وكان يكتب في مجلة هنا الجزائر باسم مستعار وهو ابن جلى، وأحيانا باسمه، يضاف لهم مولود طياب، الذي كان يشرف على ركن قار في المجلة، اسمه حديث الكتب والمجلات، وكان يتكلم فيه عن كل ما هو جديد في عالم الكتب والمقالات.

كما ذكر الدكتور حمادي أنه تحدث مع بعض الذين اشتغلوا في المجلة وأكدوا له أن التحاقهم بها، كان بسبب الأجر المحترم الذي كانت تدفعه لموظفيها ومساحة الحرية التي تسمح بها في مجال نشر الأعمال الأدبية التي تعتني بالحب والعشق، وتحدث عن محمد دحاوي الطبيب الذي يكتب حتى في الأدب، وكان له ركن قار وهو أجوبة على أسئلة المستمعين، يضاف إليهم عثمان بوقطاية الذي أشرف على ركن الآداب والفنون، ورحاب الطاهر الذي كان يكتب في الشعر الملحون، والكثير من قصائده كانت تغنى، وكذا جلول البدوي وأحمد بن دياب، الثنائي البليدي الذي كان ينتسب لجمعية العلماء المسلمين، قبل أن يتركها، فالأول كان موظفا وكان يكتب دائما ويترجم وترجماته أثرت حتى في المصري زكي أبو شادي، الذي كان يشرف على مجلة أبولو بالمشرق.

كما كتب في المجلة، وفقا لعبد الله حمادي، محمد الهادي السنوسي الزاهري، الذي كان طالبا عند الشيخ عبد الحميد بن باديس، والذي جاء من بسكرة، وهو الذي نشر أول أنطولوجيا للشعر الجزائري بطريقة عصرية وبجزأين، وقصائده كانت تتحدث عن الوطن بعيدا عن العشق أو الهجاء، وحتى أن في مقدمة الأنطولوجيا، قال مبارك الميلي، إنها أنجيل الأدب الجزائري الحديث، كما كتب في المجلة نور الدين عبد القادر، عبد الرحمان الجيلالي، بوعلام بالسياح، محمود بوعياد أغة، محمد فضلاء، بولبينة المكنى بشاعر سيرتا، وهو الوحيد الذي حظي بكنية شاعر سيرتا وهو مجهول في قسنطينة، إذ رحل إلى فرنسا واختفى، ونشر في جريدة النجاح التي صدرت بين عامي 1919 و1950، يضاف إليهم شقار الثعالبي، كموظف، والذي له باع كبير في المجلة.

من جهته، قدم البروفيسور يوسف وغليسي نقدا في الكتاب، اعتبر من خلاله أن حمادي ترك بعض الفراغات في هذا العمل المهم، على غرار عدم التحقق من نشر بعض الدواوين أو عدم نشرها، وكان بالأحرى من الكاتب، حسب وغليسي، أن يتصل ببعض الشخصيات التي لها المعلومة الكافية، كما انتقد وغليسي مراجعة الكتاب من طرف مختص تونسي، وقال إن الكتاب ضم العديد من الأخطاء، وحتى أخطاء في القصائد الشعرية التي أشرف عليها مختص من إثيوبيا، على غرار التخريج العروضي الخاطئ لمعظم القصائد التي وردت في هذا الكتاب. 

أما عبد الحكيم بحري، صاحب دار النشر بهاء الدين، التي قامت بنشر هذا العمل، فقد أكد أن فكرة مشروع هذا الكتاب بدأت سنة 2009، قبل أن تتبلور ويخرج الكتاب للنور، مضيفا أن الدار تعاملت في أكثر من عمل مع الدكتور حمادي، وأن هذا الكتاب حمل حقائق هامة، وأن دار النشر التي يشرف عليها، تعمل على نشر أعمال جزائرية متميزة وجريئة، من شأنها تسليط الضوء على بعض الزوايا المظلمة في تاريخ الجزائر ودعا القراء ومن ورائهم الطبقة المثقفة والنخبة بالتفاعل أكثر مع هذه المنشورات.