خبراء يؤيدون دعوة الرئيس تبون لتجريم التهرب الضريبي:

التحكم في القروض والضرائب يستدعي تحرير القرار الاقتصادي

التحكم في القروض والضرائب يستدعي تحرير القرار الاقتصادي
  • القراءات: 613
شريفة عابد شريفة عابد

أجمع خبراء في الاقتصاد على أن فرض الصرامة في منح القروض البنكية لرجال الأعمال وإجبار أصحاب المؤسسات الخاصة على دفع ضرائبهم المتراكمة، تطبيقا للتوجيهات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في اجتماع الحكومة والولاة، سيسمح بتحرير المؤسسات المالية والمصرفية والمؤسسات المكلفة بتحصيل الضرائب وفروعها، من النفوذ السياسي، ويجعلها تعتمد فقط معياري الجدوى الاقتصادية والضمانات في تعاملاتها، مبرزين في سياق متصل أهمية الحرص على  أن يمس التحصيل الضريبي جميع المتعاملين وألاّ يقتصر على الأجراء فقط.

ويرى المتابعون للشأن السياسي والاقتصادي للبلاد، أن حديث الرئيس تبون عن ضرورة تجريم الأفعال المتعلقة بالامتناع عن تسديد الضرائب والقروض، مهم جدا، لتخليص البلاد من محاولات الاحتيال على الدولة وحماية مواردها، حيث اعتبر الدكتور أحمد شريفي، نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني في سياق متصل أن الرقم الخاص بالقروض البنكية التي استفاد منها أحد المتعاملين خلال الفترة الماضية والذي بلغ في شهر جانفي المنصرم 1216 مليار دينار، حسبما أعلن عنه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، ما هو إلا "فيض من غيض" وجزء صغير من الأموال التي منحتها البنوك العمومية لرجال أعمال، يتمتعون بحماية ونفوذ سياسي، "فيما وضعت الجدوى الاقتصادية للمشاريع ومنها مثلا عدد مناصب الشغل التي سيتم خلقها والمساهمة في النمو الاقتصادي ونجاح النشاط ومردوديته جانبا، وأصبحت غير مهمة في تحديد التوجه لقبول طلب الحصول على القرض أو رفضه"، قبل أن يضيف في نفس السياق بأن "هذه المعايير الموضوعية حل مكانها الهاتف المركزي الذي كان المؤشر الأول والأخير في منح تلك القروض الهائلة لمجموعة معينة دون غيرها، لسبب وحيد وهو قربها من أصحاب القرار السياسي وعلاقتها بهم".

وقدر دكتور الاقتصاد بجامعة البليدة في تصريح لـ«المساء"، أن استغلال النفوذ السياسي، أدى إلى ارتفاع قيمة القروض الاقتصادية الموجهة للخواص من 2722 مليار دينار في سنة 2013 إلى 4568 مليار دينار في سنة 2017، مقابل امتيازات عقارية أخرى منحت من دون أي ضمانات تتعلق بالجدوى الاقتصادية، "مما أنهك إيرادات الخزينة العمومية وجعلها في وضعية إفلاس مبرمج". واسترجع المتحدث مسار توجه قيم القروض البنكية لارتفاع لدى البنوك العمومية، حيث أكد أن التنافس بين رجال الأعمال على القروض البنكية العمومية عرف بدايته الواضحة سنة 2013، حيث تم منح 2722 مليار دينار قبل أن ترتفع القيمة في السنة الموالية إلى 3121 مليار دينار.

وأضاف الدكتور شريفي، أن الفترة الماضية شهدت تسابق رجال الأعمال على من يأخذ الحصة الأكبر من القروض من المؤسسات المصرفية العمومية، حيث منحت القروض حسب "مسافة الولاء مع أصحاب القرار". وعلى هذا الأساس، تواصلت عملية ضخ الأموال العمومية في جيوب المتعاملين لتتصاعد قيمة القروض سنة 2015 إلى 3588 مليار دينار، ولم يعرف منحها أي استقرارا، بل تواصلت العملية في سنة 2016 بمنح 3957 مليار دينار، قبل أن تصل ذروتها سنة 2017 بمنح 4568 مليار دينار.

ويربط الدكتور شريفي بين بوادر الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد ووجهة القروض السالفة الذكر "التي لم تساهم في الدفع بعجلة النمو الاقتصادي فعليا، مقارنة بحجمها الكبير"، مع كونها موارد مالية ضخمة منحت بدون حسيب ولا رقيب، استفادت منها نفس المجموعة، التي استفادت أيضا من الحماية الضريبية، "حيث يتم غض النظر عنهم وتركهم في آخر القائمة المعنية بدفع المستحقات تجاه الخزينة العمومية عبر مصلحة الضرائب ومصالح أخرى متعددة".

ويعتبر نفس المصدر أن الحالة التي استشهد بها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، خلال لقائه بالولاة، والتي منحت لها قروضا بنكية قدرت قيمتها بـ1216 مليار دينار، مع احتلالها المرتبة 56 في قائمة المعنيين بالدفع الضريبي، دليل واضح على أن النفوذ كان قوام المعاملات الاقتصادية، قبل مجيئ الحراك الشعبي، مذكرا بأن من حوالي 8000 مليار دينار من القروض الإجمالية التي وجهت في الفترة الماضية للمؤسسات الخاصة والعمومية، "حوالي 50 بالمائة منها استفاد، منها مستثمر واحد على فترات متفرقة بدون نتائج ملموسة تقابل تلك القروض الهائلة".

ولدى تطرقه لملف الضرائب غير المحصلة، فقد قدرها محدثنا بأزيد من 13 ألف مليار دينار، وفقا لإحصائيات سنة 2016، منها 7 ملايير دينار تتعلق بمؤسسات مفلسة "ما يعني استحالة استرجاعها"، فيما تبقى 3 ملايير دينار من الضرائب غير المحصلة على عاتق مؤسسات اقتصادية كبرى، أمام البقية، فهي عبارة عن ديون متقادمة للتجار والحرفيين وفئات مهنية مختلفة عبر التراب الوطني. في المقابل، يبقى العمال الأجراء ـ حسب المتحدث ـ في صدارة قائمة دافعي الضريبة على الدخل بشكل منتظم ومتواصل، على اعتبار أنها تقتطع من أجورهم، "أما مساهمات الضريبة على أرباح الشركات فتبقى في أغلب الأحيان غير مسددة للخزينة العمومية، بسبب الحماية والنفوذ الذي يتمتع به أصحابها عادة".

وفي رده على سؤال حول إمكانية استرجاع تلك القروض الهائلة، حصر الدكتور شريفي الأمر في نقطتين أساسيتين، تتعلق الأولى بالمسار القانوني الذي تتبعه إجراءات الحبس ومصادرة الأملاك المختلفة إلى درجة القرابة الرابعة للمعني بالقرض، في حين ترتبط النقطة الثانية بالتفاوض مع مهربي الأموال التي منحت على شكل قروض وقيام بجدولة الديون مثلا، لبعض المتعاملين حسب كل حالة.

في سياق متصل، قدر محدثنا أن مسار استرجاع الأموال التي توجد بالخارج جد شاق، ليبقى أحسن حل لعدم تكرار مثل هذه التجاوزات ـ حسبه ـ هو تحرير البنوك والمؤسسات من جميع أنواع النفوذ السياسي في التعاملات الاقتصادية مستقبلا، وجعلها تنشط وفق الجدوى الاقتصادية للمشاريع فقط مع التعامل مع الجميع على قدم المساواة، وفق معيار الشفافية والنزاهة، داعيا في سياق متصل إلى الإسراع في تعديل جميع القوانين والتشريعات الضابطة للنشاط الاقتصادي، وفي مقدمتها قانون الاستثمار وقانون النقد والقرض والقانون التجاري والنصوص الأخرى المنظمة لعمل الضرائب والصفقات العمومية وقانون مكافحة الفساد والوقاية منه.

لا سبيل لاسترجاع القروض المنهوبة سوى التفاوض

من جهته، يقترح الدكتور في الاقتصاد بجامعة الجزائر، البرلماني هواري تيغرسي، التفاوض مع المستفيدين من القروض لاسترجاعها، وذلك في حديثه عن الأموال التي استفاد منها هؤلاء المتعاملين والتي توجد بداخل الوطن. أمام بالنسبة للأموال التي هربت إلى خارج البلاد، فيعتبر مسار استردادها صعبا وشاقا.

أغلبية القروض حولت لشراء عقارات

من جانبه، أكد الدكتور في الاقتصاد بجامعة القليعة، عبد الرزاق بريش في تصريح لـ "المساء"، أن الرقم الذي أفصح عنه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون في حديثه عن ظاهرة تهرب المتعاملين عن دفع تسديد ديونهم المترتبة عن القروض وكذا الضرائب، يدل على أن رجال الأعمال، ولاسيما أولئك المتابعين بشبهة الفساد، تحصلوا على هذه القروض من خلال نفوذهم السياسي، ويكشف مدى تدخل أصحاب القرار السياسي ممن كانوا في السلطة في توجيه الشأن الاقتصادي، من خلال ممارسة ضغوط على مسؤولي البنوك من أجل تمكين أصدقائهم من القروض بقسم خيالية.

وأضاف محدثنا، أن عدم قدرة البنوك على استرجاع هذه القروض، يعود لكون هذه القروض، لم توجه للأغراض والأهداف التي منحت من أجلها، كإقامة المصانع وإنشاء الشركات وشراء العتاد، بل بالعكس تم توجيه الحصة الكبرى من هذه القيم المالية لشراء العقارات وممتلكات ليس لها علاقة بالنشاط التجاري والاستثماري على الإطلاق، في حين استعمل جزء بسيط منها فقط لبعض الأنشطة الاقتصادية للتمويه فقط. في المقابل، يعتقد محدثنا بأن السلطة قادرة اليوم على ممارسة الضغط على من نهبوا الأموال لإرجاعها، مشيرا إلى أنها تملك العديد من الآليات القانونية التي تسمح لها بتحقيق ذلك.