لقاء الحكومة ـ الولاة

انتهى عهد المجاملات والوعود الجوفاء

انتهى عهد المجاملات والوعود الجوفاء
  • القراءات: 385
مليكة. خ مليكة. خ

لم يكن اللقاء الأخير للحكومة بالولاة مجرد اجتماع للحفاظ على التقليد الذي دأب الجانبان على تنظيمه في سياق عرض الاستراتيجيات التنموية الجديدة، ومن ثم بعث رسائل طمأنة للمواطنين هي في غالب الأحيان إجراءات بروتوكولية أكثر منها عملية، عكس الاجتماع الذي ترأسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن سابقيه، بفتح نقاش صريح وجريء على مرأى ومسمع وسائل الإعلام، حيث غابت "المجاملات" في أول لقاء للرئيس المنتخب حديثا مع الطاقم الحكومي والولاة القريبي العهد بالمعينين.

وبدا رئيس الجمهورية الذي سبق له وتمرس في الميدان واليا ووزيرا ثم وزيرا أول ورئيسا منتخبا للبلاد، ملما بأوضاع البلاد والعباد حيث سلط الضوء على نقاط الظل التي مازالت تعتري التنمية، ووضع الأصبع على الجرح ببث شريط أمر بإعداده لإظهار الواقع المزري الذي يعاني منه المواطن في المناطق المعزولة والذي أراده رسالة للولاة وبقية المسؤولين، تحثهم على التحرك لتغيير الوضع والعمل على ألاّ تكرر هذه الصور التي لا تليق بالجزائر التي تزخر بالخيرات وبالإمكانيات.

فقد أثر عرض الفيديو في نفوس الحاضرين، وأضفى طابعا من "البراغماتية" على النقاش والتعاطي مع الأمور، حيث ركزت الأشغال منذ بدايتها إلى نهايتها على ضرورة إيجاد مقاربة شاملة لتحسين الواقع المعيشي للمواطن والتحكم في حل مشاكل التنمية ومحو الفوارق الاجتماعية التي تغذي اليأس والإحباط في أوساط المواطنين. وبذلك يكون الوافد الجديد على قصر المرادية قد وضع المشاركين في هذا الاجتماع أمام الأمر الواقع وأمام مسؤولياتهم، باعتماده "المحاسبة الاستباقية" لما سيتم إنجازه مستقبلا، حيث أمهل المسؤولين حتى نهاية السنة لتقديم تقييم حصائل التنمية على أن تظهر بوادر التغيير خلال 3 إلى 4 أشهر القادمة لزرع الأمل في النفوس وتوطيد الثقة في مؤسسات الدولة.

وحملت الورشات التي عكف الاجتماع على دراستها على مدار يومين الكثير من الأهداف التي يصبو إليها المواطن، حيث تعتزم الحكومة إعداد وضبط نموذج تنموي جديد للفترة القادمة، بإشراك كل الفاعلين من منتخبين وإداريين وفعاليات المجتمع المدني والمواطنين، مع الأخذ بعين الاعتبار الاقتراحات المتعلقة باحتياجات كل منطقة، حيث التزم رئيس الجمهورية في هذا الصدد بتقديم الدعم الكافي للبلديات الفقيرة بقيمة 100 مليار دج، من باب تكريس الإنصاف والمساواة بتدارك التأخر الذي تعاني منه، مع العمل على بلورة مشاريع مندمجة ذات بعد اجتماعي وثقافي واقتصادي بالشراكة مع الجماعات الإقليمية.

وهو الالتزام الذي تتوخى الدولة من ورائه وضع حد لتبرير أي فشل في التسيير بتأخر وتيرة التنمية المحلية، وبالتالي تتحدد المسؤوليات ويوجه الانفاق من الآن فصاعدا إلى وجهته الحقيقية وهي خدمة الشأن العام، حيث ركز رئيس الجمهورية كثيرا على هذه النقطة، داعيا الولاة والمسؤولين المحليين إلى عدم تبذير المال العام في الولائم والطوابير الطويلة للسيارات، بل استثمارها في المشاريع الحيوية التي تلبي حاجيات المواطن، على غرار ماء الشرب والكهرباء والغاز والنقل المدرسي.

فقد عكست هذه التوجيهات حرص رئيس الجمهورية على متابعة تجسيد برنامج الحكومة، والابتعاد عن الإنفاق المشبوه، انطلاقا من أنه لا توجد سرقة صغيرة وأخرى كبيرة، حيث سيخضع المسؤولون للمحاسبة في حال ثبت تورطهم في صفقات مشبوهة تسلم لغير المؤهلين لها من دون وجه حق، حيث ركز في هذا السياق على ضرورة تفادي أخطاء الماضي التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن، فضلا عن ضرورة التحلي بالنزاهة ونكران الذات خدمة للوطن وللمواطن.

ولم يتوقف الأمر عند إلزام الولاة بتدارك التأخر في إنجاز المشاريع والتوقف عن تقديم الوعود الجوفاء للمواطنين، بل كان الاجتماع مناسبة لدعوة المشاركين إلى أن يكونوا قوة تغيير واقتراح بالتشمير على السواعد وتفعيل القدرات التي يزخر بها الوطن، مع الحرص على الاستماع لانشغالات الولاة مثلما بادر بذلك رئيس الجمهورية خلال استقباله لهم بمقر رئاسة الجمهورية.

ولم يغفل السيد عبد المجيد تبون عن تعديل النصوص التشريعية والتنظيمية المسيرة لمختلف برامج التجهيز، حيث استغرب من الاستمرار في العمل بها رغم أنها تعود إلى 40 سنة خلت، مما يعني أنها لم تعد فعالة في تسيير الشأن العام أمام الكثافة السكانية التي تعرفها البلاد، داعيا إلى مراجعتها بما يتوافق والاحتياجات الأساسية للسكان والمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

وبعيدا عن العشوائية التي ميزت التسيير خلال السنوات الماضية، برزت إرادة قوية لاستحداث إطار جديد للتسيير بالأهداف مدعوما برقمنة الإدارة المحلية لإضفاء النوعية على الحياة اليومية للمواطن وخلق الثروة، مما يعني أن تجسيد برنامج عمل الحكومة في مجال التنمية المحلية سيكون محكوما بالآجال والفعالية وسرعة التنفيذ.

وتتجلى مما سبق الإرادة لإحداث القطيعة مع الممارسات السابقة وفتح عهد جديد يعزز ثقة المواطن بدولته في إطار بناء جزائر جديدة تسودها المساواة والعدالة الاجتماعية وتوزيع ثروة البلاد بالعدل، فهل سيلتزم الولاة بتوجيهات رئيس الجمهورية حتى تتحقق أهدافها بعد بضعة أشهر؟ ذلكم هو الامتحان الذي يكرم فيه المرء أو يهان.