الوزير الأول متعهدا بإحداث قطيعة مع ”الهدم الممنهج للاقتصاد”:

قانون مالية تكميلي لمعالجة الاختلالات

قانون مالية تكميلي لمعالجة الاختلالات
  • القراءات: 765
حنان. ح حنان. ح

أعلن الوزير الأول، عبد العزيز جراد، أمس، عن اقتراح قدمه لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من أجل تحضير مشروع قانون مالية تكميلي، قال إنه يهدف إلى ”معالجة الاختلالات الناجمة عن قانون المالية لسنة 2020”، لاسيما تلك المتعلقة بـ «إلغاء الأحكام الجبائية المجحفة في حق الأجراء بالجنوب وبعض أصحاب المهن الحرة والتي كان الغرض منها إثارة البلبلة”، موضحا بأن هذه الخطوة ترمي إلى إقامة ”العقد الجديد” الذي  يتضمن كل جوانب الحكامة بما فيها الاقتصادية، بغرض إحداث قطيعة مع الممارسات السابقة، التي تميزت، حسبه، بـ «عملية هدم ممنهج للمؤسسات بهدف الاستيلاء على خيراتها”.

وتميز الخطاب الذي ألقاه الوزير الأول، أمس، أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، في جلسة عرض مخطط عمل الحكومة، بانتقاد شديد لسياسة التسيير السابقة، لاسيما في المجال الاقتصادي، والتي لم يتردد في تحميلها مسؤولية الوضع الراهن، لاسيما الهوة التي أصبحت تفصل بين الشعب والحاكم.

ومن خلال ما أسماه بـ«العقد الجديد”، وعد الوزير الأول بإحداث القطيعة مع ممارسات الماضي، وإحداث التغيير الذي ينشده المواطنون، ”الذين عبروا عنه خلال سنة من الحراك الشعبي المتواصل”. وقال في هذا الخصوص إن الحكومة ”ستعكف تحت قيادة السيد رئيس الجمهورية، على الانطلاق في تطهير ذلك الإرث الكارثي، من خلال بعث ممارسات جديدة تهيئ الطريق السلس لبلوغ التغيير السياسي والاقتصادي المنشود الذي يتطلع إليه شعبنا الأبي”، مؤكدا بأن هذه الحركية الشاملة التي ستتبلور في العقد الجديد، تجسدها ثلاثية ”التنمية البشرية، والانتقال الطاقوي واقتصاد المعرفة والرقمنة”.

ولم يتجاهل الوزير الأول وهو يقدم هذه الوعود، التذكير بالوضع المالي والاقتصادي الحالي للبلاد، لإدراك ”الصعوبات والتحديات التي علينا أن نتجند جميعا من أجل رفعها” مثلما قال.

وضع مالي ”هش” يواجه بتدابير برنامج الرئيس

وأوضح في هذا الخصوص أن الوضع المالي ”يبقى هشا، مرتبطا بشكل كبير بتقلبات السوق العالمية للمحروقات”، مشيرا إلى أن التراجع المتزامن لأسعار النفط ولحجم صادرات البلاد من المحروقات زاد في تفاقم عجز الميزانية العمومية وأدى إلى تفاقم عجز الميزان التجاري الذي بلغ 10 ملايير دولار نهاية 2019، وتراجع احتياطات الصرف بأكثر من 17 مليار دولار في نفس السنة.

وبلغ الدين العمومي الداخلي، حسب الأرقام التي قدمها الوزير الأول، نسبة 45 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في سنة 2019 بعد أن كانت تقدر بـ26 بالمائة في 2017، ”يضاف إلى ذلك، الأثر المالي الضخم الناتج عن قرارات والتزامات اتخذت خلال سنة 2019 وبلغت 1000 مليار دينار، دون توفر التمويلات اللازمة لتغطيتها”.   

واعتبر السيد جراد، ”مواجهة هذا الوضع ممكنة، لكن ستتم بتنفيذ التدابير والإجراءات، التي جاء بها البرنامج الرئاسي، لاسيما التي تتعلق باستعادة مصداقية الحياة السياسية وأخلقتها وفعالية النشاط الاقتصادي وتصحيح الفوارق الاجتماعية”.

في هذا الصدد، فصل العرض الذي قدمه رئيس الجهاز التنفيذي، في أهم الإجراءات المالية والاقتصادية التي تعتزم الحكومة القيام بها على المدى القصير، بهدف استعادة التوازنات المالية الداخلية والخارجية، التي قال أنها ”في صدارة الأولويات”، وأنها ستتم من خلال تطبيق مبادئ ”الحوكمة الجبائية والميزانية والمالية الرشيدة”، ثم ”وضع نظام وطني للإحصائيات الاقتصادية والاجتماعية، يرشد السياسات الاقتصادية و يسمح باتخاذ الصائب من القرارات”.

وأعلن في هذا الخصوص عن توجيه السياسة الجبائية الجديدة نحو ”مكافحة التهرب الضريبي و تحسين معدلات التحصيل الجبائي، والتصدي لظاهرة تضخيم الفواتير وتهريب رؤوس الأموال”.

إعفاء ضريبي للأجور التي تقل عن 30 ألف دينار

ومن بين الإجراءات التي كشف عنها الوزير الأول في هذا الصدد ”الإعفاء الضريبي للمداخيل  الشهرية التي تقل عن مبلغ 30000  دينار”، إضافة إلى ”إلغاء الرسوم ذات المردودية الضعيفة”، و«مراجعة نظام المزايا الجبائية وشبه الجبائية الذي ترتبت عليه في الماضي انحرافات خطيرة”.

كما أكد أنه ”سيتم تنفيذ الميزانية بانضباط وصرامة أكبر، مع ترشيد الإنفاق العمومي وضمان توجهيه نحو تحفيز النشاط الاقتصادي، بوضع آلية للمتابعة والتقييم لبرامج التجهيز والاستثمار العمومي و القيام بإصلاح تدريجي وشامل لمنظومة الدعم الاجتماعي كي تتأكد استفادة الفئات المحرومة حقا منها”.

وتحدث السيد جراد عن ”إصلاح عميق” للقطاع المصرفي والمالي واستحداث بنوك متخصصة وصناديق للإستثمار، فضلا عن تنويع عروض التمويل وتطوير البورصة والتشجيع على الادخار، من أجل استقطاب السيولة المتداولة خارج الدوائر البنكية.

إجراءات جديدة لطمأنة المستثمرين الأجانب

وكشف الوزير الأول عن اتخاذ سلسلة من التدابير لطمأنة المستثمرين الأجانب، لاسيما عبر إدراج ”قواعد جديدة للحوكمة في جميع القطاعات الاقتصادية، تقوم على وضع إجراءات واضحة وشفافة، فيما يخص تحويل الأرباح، بما يطابق المبادئ والقواعد الدولية”، ”عصرنة النظام الجبائي للملكية الفكرية”، ”عصرنة النظام المطبق على الشركات الرئيسية وفروعها” و«استقرار الأحكام القانونية التي تحكم النظام الجبائي المطبق على الاستثمار”، كما سيتم وضع إجراء موحدا في مجال القرارات الجبائية بهدف تحقيق الشفافية والانسجام والأمن القانوني للمتعاملين.

وستعمل الحكومة أيضا، حسب السيد جراد على ترشيد الاستهلاك وتوجيهه نحو كل ما هو جزائري، مشيرا إلى إن السياسة الاقتصادية الجديدة التي ستنتهجها الحكومة، ستتمحور أساسا حول ”وضع نمط جديد للحوكمة الاقتصادية”، و«تسيير عصري للمؤسسة الإقتصادية”، و«تطوير الشعب الصناعية الواعدة” و«رفع مستويات الاندماج وتثمين الموارد الطبيعية للبلاد”.

وسيشمل هذا المسعى، مثلما أضاف، تطهير المحيط القانوني للاستثمار وتوفير مناخ مناسب للأعمال، وتخصيص العقار الاقتصادي للاستثمار المنتج البديل للاستيراد، وكذا تقييد منح المزايا بالآثار الاجتماعية والاقتصادية وبخلق مناصب العمل وبتقويم ميزان المدفوعات.

كما سيتواصل ضبط الواردات وتقليصها، مع ”تفادي إحداث اضطرابات في السوق المحلية”، من أجل حماية الإنتاج الوطني، وذلك بوضع أنظمة قانونية ومعايير توجه الطلب العمومي نحو المواد والخدمات المحلية، فضلا عن إدماج النشاطات الموازية ومكافحة التبذير بكل أشكاله.

وأكد السيد جراد، الالتزام ب«عدم زيادة أسعار المواد المدعمة ذات الاستهلاك الواسع”، والعزم على ”محاربة كل مظاهر المضاربة و الغش والمساس بالقدرة الشرائية للمواطنين، بكل وسائل الردع القانونية للحد من هذه الظواهر”.      

أما فيما يخص الصادرات خارج المحروقات، وعد جراد بمنح المؤسسات مزايا عديدة بغرض تحسين قدرتها التنافسية ومرافقتها من قبل الجهاز الدبلوماسي قصد تمكينها من الولوج إلى الأسواق الخارجية، فيما تطرق في المجال الطاقوي، إلى موضوع الطاقات المتجددة، مؤكدا أن الانتقال الطاقوي سيشكل ”رافدا هاما للنمو الإقتصادي”، وسيرتكز على نموذج جديد لإنتاج الطاقة و استهلاكها، يقوم على الفعالية و التكامل مع الموارد المتجددة، التي سينجز منها 16000 ميغاواط في آفاق 2035.

في مجال الفلاحة، تعتزم الحكومة، حسب الوزير الأول، انتهاج سياسة فلاحية مستدامة تعزز الأمن الغذائي للبلاد، وتحدّ من اختلال توازن الميزان التجاري، وتساهم بفعالية في تنويع الإقتصاد الوطني، على أن توجه الجهود نحو ”التنمية الفلاحية في المناطق الريفية والصحراوية والجبلية”، مع تشجيع الاستثمار الخاص والمبادرات الشبانية.

وفيما يتعلق بنشاطات الصيد البحري وتربية المائيات، فإن الأهداف المتوخاة  للحكومة، تتمثل في ”زيادة العرض الوطني من المنتجات الصيدية، من خلال تطوير تربية المائيات والصيد في أعالي البحار، على نطاق واسع”.

أما في مجال في السياحة، فتعتزم الحكومة تشجيع بروز ”أقطاب امتياز ذات طابع ثقافي وديني”  ”استغلال القدرات السياحية التي تزخر بها مناطق الجنوب”.كما ستسعى إلى إقامة ”صناعة سينماتوغرافية وطنية حقيقية”.

وسيتواصل العمل على ترقية التشغيل ومكافحة البطالة كأهداف أساسية للسياسة الوطنية للتنمية، مثلما شدد عليه السيد جراد- وذلك وفقا لمسعى اقتصادي خالص، مؤسس على النمو كمحرك رئيسي لاستحداث مناصب العمل الدائمة، مؤكدا أن ذلك سيتم ”في قطيعة تامة مع المقاربة المعتمدة إلى حدّ الآن، التي كانت تقوم على معالجة اجتماعية محضة للبطالة”.

وأعلن بالمناسبة، عن الطموح لخفض نسبة البطالة إلى أقل من 10 بالمائة وزيادة حصة العمل المأجور الدائم خلال الفترة 2020-2024، من خلال تحسين أداء المنظومة التربوية الوطنية، والتعليم التقني والتكوين المهني، على نحو يساهم في تكييفها مع احتياجات الاقتصاد. كما سيتم وضع آليات جديدة للإدماج المهني توجه حصريا نحو القطاع الإقتصادي، مع تشجيع إنشاء مناصب العمل عن طريق إعفاءات جبائية وتخفيف أعباء أرباب العمل، موازاة مع تعزيز أجهزة إنشاء النشاطات، بما يسمح بدعم المرقين ومرافقة حاملي المشاريع.

وتطرق السيد جراد في هذا السياق إلى إنشاء وزارة للمؤسسات  الناشئة واقتصاد المعرفة، معتبرا ذلك ”إشارة قوية بالنسبة لخيارات الحكومة الإستراتيجية، لإدماج بلادنا ضمن اقتصاد المعرفة بشكل سريع ومنظم”.

رفع الحد الأدنى للأجور بالتشاور مع الشركاء

ولأن تطوير الاقتصاد يعني تطوير معيشة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، فإن الجانب الاجتماعي لمخطط عمل الحكومة، سيعمل – وفقا للوزير الأول- على تحسين القدرة الشرائية للمواطن وتدعيمها، وهو ما سيتم أولا، حسبه، عبر ”رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون، بعد إجراء تشاور واسع مع مختلف الفاعلين والشركاء الاجتماعيين”.

كما أكد الوزير بانه سيتم العمل على حماية وترقية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وإدماجهم في الحياة العملية، و«ترقية الطفولة والمراهقين وحماية الأشخاص المسنين. والشروع في التعاقد في العلاج، وتوسيع وعاء الاشتراك والإدماج التدريجي للأشخاص العاملين في القطاع الموازي، وإنشاء فرع التقاعد التكميلي على مستوى الصندوق الوطني للتقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لغير الأجراء.

كما أكد العزم على ضمان تمكين المواطن من سكن لائق، وفق صيغ مكيفة، من خلال استهداف الأسر ذات الدخل الضعيف كأولوية، ملتزما ب«القضاء كليا على البيوت القصديرية”، مع وضع نظام مراقبة ضد محاولات انتشار هذه الظاهرة وتسوية إشكالية المباني القديمة وإنجاز برنامج جديد قوامه مليون مسكن بمختلف الصيغ، مع مضاعفة الجهود من أجل إتمام إنجاز البرامج الجارية.

وأعتبر السيد جراد التزويد بماء الشرب إحدى أولويات عمل الحكومة بالنسبة للسنوات الخمس القادمة، حيث سيتم تجسيد برنامج استدراكي خاص بالولايات والمناطق التي تسجل عجزاً هاما. معربا عن نفس العزم فيما يخص التزويد بالطاقة، الذي سيتواصل تعميمه عبر كامل التراب الوطني. مع تطوير منشآت الطرق، بدعم من الدولة، والسهر على تنفيذ سياسة حقيقية لتهيئة الإقليم، وسياسة حقيقية للتعمير.