بقلم رشيد كهار

‘’سي محند أومحند” يروي مكابداته

‘’سي محند أومحند” يروي مكابداته
  • القراءات: 1333
ق.ث ق.ث

يتناول رشيد كهار في روايته الأخيرة ”سي محند أومحند، حياتي مع البوهيميا والشعر”، ذلك المسار الاستثنائي للشاعر القبائلي الذي لا يزال حماسه الدافق، من غضب ومحبة، والمرن بشكل مدهش جدا أمام الشدائد، مستمرا في ثنايا ما يزيد عن قرن بعد مغادرته لهذا العالم.

بعد رواية ”سي محند أومحند، الموسيقى عبثا من الرياح” التي صدرت في 2006، يعود رشيد كهار مجددا عام 2019 في روايته ”سي محند أومحند، حياتي مع البوهيميا والقصائد”، الصادرة عن دار النشر ”تافات” (Tafat)، للتطرق في 204 صفحات للحياة المضطربة التي عاشها ”سي محند أومحند”، ذلك ”الابيقوري ذائع الصيت، المولود في نحو عام 1850، والذي رغم كونه مثقفا، رفض تدوين، بل وحتى إعادة تكرار القصائد التي ألقاها من قبل”، وكان الشاعر الذي تمسك بعدم الخروج عن القاعدة التي أقرها لنفسه، قد أصر على عدم تدوين هذه القصائد بقوله ”من سمعها فليكتبها”.

يحاول الروائي في قصته من عشرين فصلا، تحسيس القارئ بجمالية ”الايسفرا” (وتعني القصائد بالأمازيغية) التي ألقاها محند أومحند، وبهيجان مشاعره، من خلال ترجمة حوالي أربعين قصيدة من قصائده إلى اللغة الفرنسية، بتكييف سياقها التاريخي، وإيلاء اهتمام خاص لكيفية الحفاظ على طابعها الشعري الحساس، وبقلم الشاعر، يسترجع الكاتب من خلال القصة والأحداث البارزة، تلك الروابط الحميمية بين الشاعر وشعبه، وهي روابط جعلت من الواحد شاهدا على مآسي الآخر وعلى مواطن ضعفه، تماما مثل نذير آماله.

بسرده لقصة حياته، يروي الشاعر الاضطرابات التي هزت طفولته إبان النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بداية من الغزو الفرنسي في 1857 لمنطقة القبائل، إلى غاية اغتيال والده وتشتيت عائلته، مرورا بتهديم بلدته الأم والمدرسة التي كان يرتادها للدراسة.

هذه المآسي المتراكمة ستحدد لا محالة شخصيته، كمعارض للقيم الاجتماعية ومتمرد على النظام الذي خلقه ”هذا العالم المنحل الذي يزداد فيه الجشع ازدهارا، بينما يتجرع المغوار النكسات”، مما يثير اشمئزاز الشاعر إلى حد كبير.

وكشجرة اجتثت جذورها ولم تعد تملك شيئا، يدرك الشاب محند، الذي ”سٌلخ حيا”، أن ”قدر الشاعر الهائم يناديه”، إذ ينغمس الشاعر الملعون في الجنان الاصطناعية بين المتع وتأنيب الضمير بقوله ”الآن وقد صرت تائها. فسأقترف الذنوب بل وأتعمد ذلك. فكلما عرفت طريقك انحرفت عنها واجتنبها”.

سيكتشف القارئ من خلال ”سي محند أومحند”، ذلك الحنين لأرض الأجداد والحب والصداقة والحزن أو المنفى، علاوة على العديد من المواضيع. كما سيشهد قارئ ”الايسفرا” المشبعة بالقول المأثور السديد، على نفاذ بصيرة الشاعر حيال عصره وظروف عائلته المعيشية، وانحطاط الكائن البشري الخاضع لنظام مستوحش.

وكرحالة أبدي يقتات من صغار المهن، شد سي محند أومحند رحاله الطويلة سيرا على الأقدام من الجزائر العاصمة إلى تونس العاصمة، حتى وافته المنية عام 1906 بأحد مستشفيات منطقة القبائل التي ينحدر منها، وقد تحدى الشاعر المغوار كل الممنوعات في هذا العالم الذي تركه ”بقلب يتحسر ووجه يتداعى. أنا، يقول، أسير قدري ولن يذكرني إنسان”.

شكلت ”ايسفارا” سي محند أومحند، موضوعا للعديد من المنشورات في شاكلة كل من عمر بن سعيد بوليفة (1904)، ومولود فرعون (1960)، ومولود معمري (1969)، ويونس عدلي (2000) وغيرهم.